الجزء الثالث

ذكر ولادة شيث

ومن الأحداث في أيامه ولادة شيث وكانت ولادته بعد مضي مائة وعشرين سنة

لأدم وبعد قتل هابيل بخمس سنين ، وقيل ولد فرداً بغير توأم ، وتفسير شيث ” هبة الله ” ومعناه أنه خلف من هابيل وهو وصي آدم ، وقال ابن عباس : كان معه توأم ولما حضرتْ آدم الوفاة عهد ابن شيث وعَتمه ساعات الليل والنهار وعبادة الخلوة في كل ساعة منها وأعلمه بالطوفان وصارت الرياسة بعد آدم إليه ، وأنزل الله عليه خمسين صحيفة ، وإليه ” أنساب بني آدم كلهم اليوم . وأما الفرس الذين قالوا : إنّ جيومرث هو آدم فإنهم قالوا : ولد لجيومرث ابنته ميشان أخت ميشى وتزوج ممِشى أخته ميشان فولدت له سيامك وسيامى فولد لسيامك بن جيومرث أفروال ، ودقس ، وبواسب ، وأجرب ، وأوراش ،وأمهم جميعاً سيامى ابنة ميشى ، وهي أخت أبيهم . وذكروا أن الأرض كلها سبعة أقاليم فأرض بابل وما يوصل إليه مما يأتيه الناس براً وبحراً فهو من إقليم واحد وسكانه ولد أفروال بن سيامك وأعقابهم.

فولد لافروال بن سيامك من افرى ابنة سيامك أوشهنج بيشداد الملك وهو الذي

خلف جده جيومرث في الملك وهو أول من جمع مُلك الأقاليم السبعة وسنذكر أخباره ،وكان بعضهم يزعم أن أوشهنج هذا هو ابن آدم لصلبه من حواء .

وأما ابن الكلي فإنه زعم أن أول من ملك الأرض أوشهنج بن عابر بن شالخ بن

ارفخشذ بن سام بن نوح قال : والفرس تزعم أنه كان بعد آدم بمائتي سنة وإنما كان بعد نوح بمائتي سنة ولم تعرف الفرس ما كان قبل نوح .

والذي ذكره هشام بن الكلبي لا وجه له لأن أوشهنج مشهور عند الفرس وكل قوم

أعه لم بأنسابهم وأيامهم من غيرهم . قال : وقد زعم بعض نسابة الفرس أن أوشهنج هذا هو مهلائيل وأن أباه أفروال هو قينان وأن سيامك هو انوش أبو قينان وأن ميشى هو شيث أبو أنوش وأنّ جيومرث هو آدم فإنْ كان الأمر كما زعم فلا شك أن أوشهنج كان في زمن آدم رجلاً وذلك لأن -مهلائيل فيما ذكر في الكتب الأولى كانت ولادة أمه دينه ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم وأتاه بعد ما مضى من عمر آدم ثلثمائة سنة وخمس وتسعون سنة وقد كان له حين وفاة آدم ستمائة سنة وخمس وستون سنة على حساب أن عمر آدم كان ألف سنة . وقد زعمت الفرس أن ملك أوشهنج كان أربعين سنة فان كان


الأمر على ما ذكره النسابة الذي ذكرت منه ما ذكرت فما يبعد من قال : أن ملكه كان بعد وفاة آدم بمائتي سنة .

ذكر وفاة آدم عليه السلام

ذُكر أنّ آدم مرض أحد عشر يوماً وأوصى إلن ابنه شيث وأمره أنْ يخفي علمه عن قابيل وولده لأنه قتل هابيل حسداً منه له حين خصه آدم بالعلم فأخفى شيث وولده ما عندهم من العلم ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون به . وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ” أنه قال : قال الله تعالى لآدم حين خلقه : أنت أولئك النفر من الملائكة فقل : ” السلام عليكم ” . فأتاهم فسلم عليهم وقالوا له : ” عليك السلام ورحمة الله ” . ثم رجع إلى ربه فقال له : هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم . ثم قبض له يديه فقال له : خذ واختر فقال : أحببت يمين ربي وكلتا يديه يمين . ففتحها له فإذا فيها صورة آدم وذريته كلهم ، وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله وإذا آدم قد كتب له عمر ألف سنة وإذا قومٌ عليهم النور.

فقال : يا رب مَنْ هؤلاء الذين عليهم النور؟ فقال : هؤلاء الأنبياء والرسل الذين أرسلهم إلى عبادي . وإذا فيهم رجل هو من أضوئهم نوراً ولم يكتب له من العمر إلا أربعين سنة. فقال آدم : يا رب ! هذا من أضوئهم نوراً ولم تكتب له إلا أربعين سنة؟ بعد أن أعلمه أنه داود عليه السلام . فقال : ذلك ما كتبت له فقال : يا رب انقص له من عمري ستين سنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلما أهبط إلى الأرض يعد أيامه فلما أتاه ملك الموت لقبضه قال له آدم :عجلت يا ملك الموت قد بقيَ من عمري ستون سنة فقال له ملك الموت : ما بقي شيء سألتَ ربك أن يكتبه لإبنك داود. فقال : ما فعلتُ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم فنسي آدم فنسيت ذريته ، وجحد فجحدت ذريته . فحينئذ وضع الله الكتاب وأمر بالشهود(1)“.

وروي عن ابن عباس قال : لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن أول مَنْ جحد آدم ثلاث فرار، وإن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذرائي . إلى يوم


القيامة فجعل يعرضهم على آدم فرأى منهم رجلاً يزهر قال : أي رب أي بني هذا؟ قال :ابنك داود. قال : كم عمره ؟ قال : ستون سنة . قال : زِدْه من العمر. قال الله تعالى : لا إلا أن تزيده أنت . وكان عمر آدم ألف سنة فوهب له أربعين سنة فكتب عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة . فلما احتُضِر آدم أتته الملائكة لتقبض روحه فقال : قد بقيَ من عمري أربعون سنة. قالوا: إنك قد وهبتها لابنك داود. قال : ما فعلتُ ولا وهبت له شيئاً. فأنزل الله عليه الكتاب وأقام الملائكة شهوداً. فاكمل لأدم ألف سنة وأكمل . لداود مائة سنة “.

وروي مثل هذا عن جماعة منهم سعيد بن جبير، وقال ابن عباس : كان عمر آدم

تسعمائة سنة وستاً وثلاثين سنة وأهل التوراة يزعمون أن عمر آدم تسعمائة سنة وثلاثون سنة والأخبار عن رسول الله والعلماء ما ذكرنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق ، وعلى رواية أبي هريرة التي فيها أنّ آدم وهب داود من عمر ستين سنة لم يكن كثير اختلاف بين الحديثين وما في التوراة من أن عمره كان تسعمائة وثلاثين سنة فلعل الله ذكر عمره في التوراة سوى ما وهبه لداود . قال ابن إسحق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال : بلغني أنّ آدم حين مات بعث الله بكفنه وحنوطه من الجنة، ثم وَبيَتْ الملائكةُ قبره ودفنه حتى غَيبوه . وروى أبَيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم 🙁 أن آدم حين حضرته الوفاة بعث الله إليه بحنوطه وكفنه من الجنة، فلما رأت حواء الملائكة ذهبت لتدخل دونهم فقال : خلي عَنْي وعن رسل ربي فما لقيت ما لقيت إلا منك ، ولا أصابني ما أصابني إلا فيك . فلما قبض غسلوه بالسدر والماء وتراً وكفنوه في وتر من الثياب ثم لَحّدوا له ودفنوه ثم قالوا :هذه سُنَة ولد آدم من بعده ” . قال ابن عباس : لما مات آدم قال شيث لجبرائيل : صل عليه . فقال :تقدمْ أنت فصل علىِ أبيك . فكبر عليه ثلاثين تكبيرة فأما خمس فهي الصلاة وأما خمس وعشرون تفضيلاَ لآدم . وقيل : دفن في غار في جبل أبي قبيس يقال له غار الكبر. وقال ابن عباس : لما خرج نوح من السفينة دفن آدم ببيتَ المقدس وكانت وفاته يوم الجمعة كما تقدم . ، وذكر أن حواء عاشت بعده سنة ثم ماتت فدفنت مع زوجها في الغار الذي ذكرت إلى وقت الطوفان واستخرجهما نوح وجعلهما في تابوت ثم حملهما معه في السفينة فلما غاضت بالأرض الماء ردهما إلى مكانهما الذي كانا فيه قبل الطوفان . قال : وكانت حواء فيما ذكر قد غزلتْ ، ونسجتْ ، وعجنتْ ، وخبزتْ ،وعملت أعمال النساء كلها.


وإذ قد فرغنا من ذِكْر آدم وعدوه إبليس وذِكر أخبارهما وما صنع الله بعدوه وإبليس حين تجبر وتكبر من تعجيل العقوبة وطغى وبنى من الطرد والإبعاد والنظرة إلى يوم الدين ، وما صنع بآدم إذ أخطأ ونسي من تعجيل العقوبة له ثم تغمده اللُه بالرحمة إذ تاب من زلته فأرجع إلى ذكر قابيل وشيث ابني آدم وأولادهما إن شاه الله .


ذكر شيث بن آدم عليه السلام

قد ذكرنا بعض أمره ، وأنه كان وَصِي آدم في مخلفيه بعد مضيه لسبيله ، وما أنزل الله عليه من الصحف. وقيل : إنه لم يزل مقيماً بمكة يحج ويعتمر إِلى أنْ مات ، وأنه كان جمع ما أنزل عليه وعلى أبيه آدم من الصحف وعمل بما فيها، وأنّه بنى الكعبة بالحجارة والطين .

وأما السلف من علمائنا فإنهم قالوا : لم تزل القبة التي جعل الله لأدم مكان البيت

إلى أيام الطوفان فرفعها الله حين أرسل الطوفان . وقيل : إنّ شيئاً لما مَرِضَ أوصى إلى ابنه أنوش ومات فدفن مع أبويه بغار أبي قبيس وكان مولده لمضي مائتي سنة وخمس وثلاثين سنة من عمر آدم وقيل غير ذلك وقد تقدم . وكانت وفاته وقد أتت عليه تسعمائة سنة واثنتا عشرة سنة .

[ ذكر عقب شيث ]

وقام أنوش بن شيث بعد موت أبيه بسياسة الملك وتدبير من تحت يديه من رعيته

مقام أبيه لا يوقف منه على تغيير ولا تبديل ، فكان جميع عُمر أنوش سبعمائة وخمس سنين ، وكان مولده بعد أنْ مضن من عمر أبيه شيث ستمائة سنة وخمس سنين وهذا قول أهل التوراة .

وقال ابن عباس : ولد لشيث أنوش وولد معه نفراً كثيراً وإليه أوصى شيث ، ثم ولد لانوش بن شيث ابنه قينان من أخته نعمة بنت شيث بعد مضي تسعين سنة من عمر أنوش ، وولد معه نفراً كثيراً وإليه الوصية . وولد قينان : مهلائيل ونفراً كثيراً معه وإليه الوصية . وولد مهلائيل : يرد وهو اليارد ونفراً معه وإليه الوصية. فولد يرد خنوخ وهو إدريس النبي ونفراً معه وإليه الوصية . وولد خنوخ : متوسلخ ونفراً معه وإليه الوصية .


وأما التوراة ففيها أن مهلائيل ولد بعد أن مضى من عمر آدم عليه السلام ثلاثمائة وخمس وتسعون سنة ومن عمر قينان سبعون ، وولد يرد لمهلائيل بعد ما مضى من عمر آدم أربعمائة سنة وستون سنة فكان على منهاج أبيه غير أن الأحداث بدأت في زمانه .

ذكر الأحداث التي كانت من لدن ملك شيث إلى أن ملك يرد

ذكر أنّ قابيل لما قتل هابيل وهرب من أبيه آدم إلى اليمن أتاه إبليس فقال له : إن

هابيل إنما قبل قربانه وأكلته النار لأنه كان يخدم النار ولمجدها فانصب أنت أيضاً ناراً تكون لك ولعقبك فبنى بيت نار فهو أول من نصب النار وعبدها.

وقال ابن إسحاق : إن قينا وهو قابيل نكح أخته أشوث بنت آدم فولدت له رجلًا وامرأة: خنوخ بن قين وعذب بنت قين . فنكح خنوخ أخته عذب فولدت ثلاثة بنين وامرأة غيرد ومحويل وأنوشيل ، وموليث ابنة خنوخ . فنكح أنوشيل بن خنوخ أخته موليث وولدت له رجلًا اسمه : لامك ، فنكح لامك امرأتين اسم أحداهما عدى والأخرى صلى ، فولدت عدى : بولس بن لامك ، فكان أول من سكن القباب واقتنى المال ، وتوبلين فكان أول من ضرب بالونج والصنج . وولدت رجلا اسمه : توبلقين وكان أول من عمل النحاس والحديد وكان أولادهم فراعنة وجبابرة، وكانوا قد أعطوا بسطة في الخلق . قال : ثم انقرض ولد قين ولم يتركوا عقباً إلا قليلاً وذرية آدم كلها جهلت أنسابهم وانقطع نسلهم إلا ما كان من شيث فمنه كان النسل وأنساب الناس اليوم تهلهم إليه دون أولاد أبيه آدم . ولم يذكر ابن إسحاق من أمر قابيل وولده إلا ما حكيت .

وقال غيره من أهل التوراة : إنّ أول من اتخذ الملاهي من ولد قابيل رجل يقال

له : ثوبال بن قابيل اتخذها في زمان مهلائيل بن قينان اتخذ المزامير، والطنابير، والطبول ، والعيدان والمعازف ، فانهمك ولد قابيل في اللهو، وتناهى خبرُهم إلى مَنْ بالجبل من ولد شيث فهَمّ منهم مائة رجل بالنزول إليهم وبمخالفة ما أوصاهم به آباؤهم ، وبلغ ذلك يارد، فوعظهم ونهاهم فلم يقبلوا، ونزلوا إلى ولد قابيل فأعجبوا بما رأوا منهم ، فلما أرادوا الرجوع حِيْلَ بينهم وبين ذلك لدعوة سبقتْ من آبائهم ،فلما أبطأوا ظن مَنْ بالجبل مِمًنْ كان في نفسه زَيْغ أنهم أقاموا اغتباطاً، فتسللوا ينزلون من الجبل ورأوا اللهو فأعجبهم ووافقوا نساء من ولد قابيل مشترعات إليهم ، وصرن معهم ،


وانهمكوا في الطغيان ، وفشت الفحشاء وشرب الخمر فيهم . وهذا القول غير بعيد من الحق ، وذلك أنه قد رُوي عن جماعة من سلف علمائنا المسلمين نحو منه وإنْ لم يكونوا بينوا زمان مَنْ حَدَثَ ذلك فىِ مُلكه إلا أنهم ذكروا أنّ ذلك كان فيما بين آدم ونوح : منهم ابن عباس أو مثله ، ومثله روى الحكم بن عتيبة عن أبيه مع اختلاف قريب من القولين والله أعلم .

وأما نسابو الفرس فقد ذكرت ما قالوا في مهلائيل بن قينان ، وأنه هو أوشهنج الذي ملك الأقاليم السبعة وبينت قول من خالفهم .

وقال هشام بن الكلبي : إنه أول من بنى البناء واستخرج المعادن ، وأمر أهل زمانه باتخاذ المساجد، وبنى مدينتين كانتا أول ما بنى على ظهر الأرض من المدائن وهما مدينة ” بابل ” – وهي بالعراق – ومدينة ” السوس ” – بخوزستان – وكان ملكه أربعين سنة . وقال غيره : هو أول من استنبط الحديد؛ وعمل منه الأدوات للصناعات ، وقدر المياه في مواضع المنافع ؛ وحض الناس على الزراعة واعتماد الأعمال ، وأمر بقتل السباع الضارية واتخاذ الملابس من جلودها والمفارش ، .وبذبح البقر والغنم والوحش وأكل لحومها، وأنه بنى مدينة ” الري “. قالوا : وهي أول مدينة بنيت بعد مدينة جيومرث التي كان يسكنها بدنباوند . وقالوا : إنه أول من وضع الأحكام والحدود ، وكان ملقباً بذلك يدعى بيشداد، ومعناه بالفارسية أول من حكم بالعدل ، وذلك أن بيش معناه أول وداد معناه عدل وقضاء، وهو أول من استخدم الجواري ، وأول من قطع الشجر وجعله في البناء . وذكروا أنه نزل الهند وتنقل في البلاد وعقد على رأسه تاجاً، وذكروا : أنه قهر إبليس وجنوده ومنعهم الاختلاط بالناس وتوعدهم ، على ذلك ، وقتل مردتهم فهربوا من خوفه إلى المفاوز والجبال فلما مات عادوا . وقيل إنه سمى شرار الناس شياطين واستخدمهم وملك الأقاليم كلها وأنه كان بين مولد أوشهنج وموت جيومرث مائتا سنة وثلاث وعشرون سنة .

[ الغريب ] عتيبة بالعين وبعدها تاء فوقها نقطتان وياء تحتها نقطتان وباء موحدة . ذكر يرد

وقيل : يا رذ بن مهلائيل أمه خالته سمعن ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن

قين بن آدم ولد بعد ما مضى من عمر آدم أربعمائة سنة وستون سنة.


وفي أيامه عملت الأصنام ، وعاد من عاد عن الإسلام ، ثم نكح يرد في قول ابن إسحاق وهو ابن مائة واثنتين وستين سنة بركتا ابنة الدرمسيل بن محويل بن . خنوخ بن قين بن آدم .

فولدت له خنوخ ، وهو ادريس النبي ، فكان أول بني آدم أعطي النبوة وخط

بالقلم ، وأول من نظر في علوم النجوم والحساب وحكماء اليونانيين يسمونه هرمس الحكيم وهو عظيم عندهم ، فعاض يرد بعد مولد إدريس ثمانمائة سنة، وولد له بنون وبنان ، فكان عمره تسعمائة سنة واثنتين وستين سنة . وقيل : أنزل على إدريس ثلاثون صحيفة، وهو أول من جاهد في سبيل الله ، وقطع الثياب وخاطها، وأول من سبى من ولد قابيل بن آدم فاسترق منهم ، وكان وصي والده يرد فيما كان آباؤه وصوا به إليه وفيما أوصى بعضهم بعضاً. وتوفي آدم بعد أن مضى من عمر إدريس ثلثمائة وثمان سنين ، ودعا إدريس قومه ، ووعظهم ، وأمرهم بطاعة الله تعالى ومعصية الشيطان ، وأنْ لا يلابسوا ولد قابيل فلم يقبلوا منه . قال : وفي التوراة أنّ اللهّ رفع إدريس بعد ثلاثمائة سنة وخمس وستين سنة من عمره وبعد أن مضى من عمر أبيه خمسمائة سنة وسبع وعشرون سنة ، فعاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة وخمساً وثلاثين سنة تمام تسعمائة واثنتين وستين سنة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر، من الرسل أربعة سريانيون آدم وشيث ونوح وخنوخ وهو أول من خط بالقلم وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة . وقيل : إن الله أرسله إلى جميع أهل الأرض في زمانه وجمع له علم الماضين ، وزاده ثلاثين صحيفة . وقال بعضهم : ملك بيوراسب في عهد إدريس ، وكان قد وقع عليه من كلام آدم فاتخذه سحراً، وكان بيوراسب يعمل به .

[ الغريب ] ( يارذ ) بياء معجمة باثنتين من تحتها وراء مهملة وذال معجمة .

وخنوخ : بحاء مهملة مفتوحة ونون بعدها واو وخاء معجمة وقيل بخاءين معجمتين .

ذكر ملك طهمورث

زعمت الفرس أنه ملك بعد موت أوشهنج طهمورث بن ويونجهان ( يعني خير

أهل الأرض ) ابن حبايداد بن أوشهنج . وقيل في نسبه غير ذلك ؛ وزعم الفرس أيضاً أنه ملك الأقاليم السبعة وعقد على رأسه تاجاً، وكان محموداً في ملكه مشفقاً على رعيته ،


وأنه ابنتى ” سابور ” من فارس ونزلها وتنقل في البلدان وأنه وثب بإبليس حتى ركبه فطاف عليه في . أداني الأرض وأقاصيها وأفزعه ومردته حتى تفرقوا ، وكان أول من أتخذ الصوف والشعر للبس والفرش ، وأول من اتخذ زينة الملوك من الخيل والبغال والحمير، وأمر باتخاذ الكلاب لحفظ المواشي وغيرها ، وأخذ الجوارح للصيد ، وكتب بالفارسية .

وأن بيوراسب ظهر في أول سنة من ملكه ، ودعا إلى ملة الصابئين .

كذا قال أبو جعفر وغيره من العلماء أنه ركب إبليس وطاف عليه والعهدة عليهم

وإنما نحن نقلنا ما قالوه . قال ابن الكلبي : أول ملوك الأرض من بابل طهمورث ، وكان لله مطيعاً، وكان مُلكه أربعين سنة، وهو أول مَنْ كتب بالفارسية، وفي أيامه عُبدت الأصنام ، وأول ما عرف الصوم في . مُلكه . وسببه أنّ قوماً فقراء تعذر عليهم القُوت فأمسكوا نهاراً وأكلوا ليلاً ما يمسك رمقهم ثم اعتقدوه تقرباً إلى الله وجاءت الشرائع

ذكر خنوخ وهو إدريس عليه السلام

ثم نكح خنوخ بن يرد هدانة ويقال اذانة ابنة باويل بن محويل بن خنوخ بن

قين بن آدم وهو ابن خمس وستين سنة، فولدت له متوشلخ بن خنوخ ، فعاش بعدما ولد متوشلخ ثلثمائة سنة . ثم رُفِع (1)، واستخلفه خنوخ على أمر ولده وأمر الله وأوصاه وأهل بيته قبل أن يُرفع وأعلمهم أنَ الله سوف يعذب ولد قابيل ومن خالطهم ، ونهاهم عن مخالطتهم ، وأنه كان أول مَنْ ركب الخيل لأنه سلك رسم أبيه خنوخ في ا لجهاد .

ثم نكح متوشلخ عربا ابنة عزازيل بن أنوشيل بن خنوخ بن قين وهو ابن مائة سنة

وسبع وثلاثين سنة، فولدت له لمك بن متوشلخ ، فعاش بعدما ولد له لمك سبعمائة سنة ؛ وولد له بنون . وبنات فكان كل ما عاش متوشلخ تسعمائة سنة وسبعاً وعشرين سنة، ثم مات وأوصى إلى ابنه لمك فكان لمك يعظ قومه وينهاهم عن مخالطة ولد قابيل فلم


يقبلوا حتى نزل إليهم جميع من كان معهم في الجبل . وقيل كان لمتوشلخ ابن آخر غير لمك يقال له صابئ وبه سمي الصابئون .

[ الغريب ] قلت : محويل : بحاء مهملة وياء معجمة باثنتين من تحت . وقين

بقاف وياء معجمة باثنتين من تحت ، ومَتوشلخ بفتح الميم وبالتاء المعجمة باثنتين من فوق وبالشين المعجمة وبحاء مهملة وقيل خاء معجمة .

ونكح لمك بن متوشلح قينوش ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين وهو ابن

مائة سنة وسبع وثمانين سنة ، فولدت له نوح بن لمك وهو النبي فعاش لمك بعد مولد نوح خمسمائة سنة وخمساً وتسعين سنة وولد له بنون وبنات ، ثم مات ونكح نوح بن لمك عزرة بنت براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين وهو ابن خمسمائة سنة، فولدت له ولده ساماً، وحاماً، ويافث بني نوح.

وكان مولد نوح بعد موت آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة . ولما أدرك قال له أبوه لمك : قد علمت أنه لم يبق في هذا الجبل غيرنا فلا تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة وكان نوح يدعو قومه ويعظهم فيستخفون به . وقيل كان نوح في عهد بيوراسب وكانوا قومه فدعاهم إلن الله تسعمائة وخمسين سنة كلما مضى قرن اتبعهم قرن على ملة واحدة من الكفر حتى أنزل الله عليهم العذاب .

وقال ابن عباس فيما رواه الكلبي عن أبي صالح عنه : فولد لمك نوحاً وكان له يوم ولد نوح اثنتان وثمانون سنة ولم يكن في ذلك الزمان أحد ينهى عن منكر فبعث اللهّ إليهم نوحاً وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة فدعاهم مائة وعشرين سنة، ثم أمره الله بصنعة الفلك فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة، وغرق من غرق ، ثم مكث مِنْ بعد السفينة ثلاثمائة سنة وخمسين سنة وروي عن جماعة من السلف : أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على ملة الحق وأن الكفر باللّه حدث في القرن الذي بعث إليهم فيه نوح فأرسله الله وهو أول نبي بعث بالانذار والدعاء إلى التوحيد وهو قول ابن عباس وقتادة.

ذكر ملك جمشيد

وأما علماء الفرس فإنهم قالوا : ملك بعد طهمورث جمشيد، و ” الشيد ” عندهم الشجاع ” وجم ” القمر لقبوه بذلك لجماله وهو جم بن ويونجهان وهو أخو طهمورث .


وقيل : إنه ملك الأقاليم السبعة، وسخر له ما فيها من الجن والانس ، وعقد التاج على رأسه : وأمر لسنة مضت مِنْ ملكه إلى خمسين سنة بعمل السيوف والدروع وسائر الأسلحة وآلة الصناع من الحديد، ومن سنة خمسين من ملكه إلى سنة مائة بعمل الابريسم وغزله والقطن والكتان وكل ما يستطاع غزله وحياكة ذلك وصبغه ألواناً ولبسه ، ومن سنة مائة إلى” سنة خمسين ومائة صنف الناس أربع طبقات ، طبقة مقاتّلة، وطبقة فقهاء ، وطبقة كتاب وصناع ، وطبقة حراثين واتخذ منهم ت دماً ، ووضع لكل أمر خاتماً مخصوصاً به ، فكتب على خاتم الحرب الرفق والمداراة، وعلى خاتم الخراج العمارة والعدل ، وعلى خاتم البريد والرسل الصدق والأمانة ، وعلى خاتم المظالم السياسة والانتصاف ، وبقيت رسوم تلك الخواتيم حتى محاها الاسلام .

ومن سنة مائة وخمسين إلى سنة خمسين ومائتين حارب الشياطين وأذلهم وقهرهم وسخروا له ، ومن سنة خمسين ومائتين إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة وش الشياطين بقطع الاحجار والصخور من الجبال وعمل الرخام والجص والكلس والبناء بذلك الحمامات والنقل من البحار والجبال والمعادن والذهب والفضة وسائر ما يذاب من الجوهر وأنواع الطيب والأدوية فنفذوا في ذلك بأمره .

ثم أمر فصنعت له عجلة من الزجاج فاصفد فيها الشياطين وركبها؛ وأقبل عليها

في الهواء من دنباوند إلى بابل في يوم واحد وهو يوم هرمز روز وافروردين ماء فاتخذ الناس ذلك اليوم عيداً وخمسة أيام بعده .

وكتب إلى الناس في اليوم السادس يخبرهم أنه قد سار فيهم بسيرة ارتضاها الله ،

فكان من جزائه إياه عليها أنه قد جنبهم الحر والبرد والأسقام والهرم والحسد، فمكث الناس ثلاثمائة سنة بعد الثلاثمائة والستة عشر سنة لا يصيبهم شيء مما ذكره ، ثم بنى قنطرة على دجلة فبقيت دهراً طويلاً حتى خربها الاسكندر وأراد الملوك عمل مثلها فعجزوا، فعدلوا إلى عمل الجسور من الخشب ، ثم أن جماً بطر نعمة الله عليه ، وجمع الأنس والجن والشياطين وأخبرهم أنه وليهم ومانعهم بقوته من الأسقام والهرم والموت ، وتمادى في غيه ، فلم يحر أحد منهم جواباً وفقد مكانه وبهاءه وعزه ، وتخلت عنه الملائكة الذي كان الله أمرهم ؛ بسياسة أمره ، فأحس بذلك بيوراسب الذي سمي الضحاك ، فابتدر إلى جم لينتهسه ، فهرب منه ثم ظفر به بعد ذلك بيوراسب فاستطرد


أمعاءه وأشره بمنشار(1) وقيل : إنه آدعى الربوبية فوثب عليه أخوه ليقتله – واسمه اسفنور- فتوارى عنه مائة سنة، فخرج عليه في تواريه بيوراسب ، فنلبه على مُلكه . وقيل كان ملكه سبعمائة سنة وست عشرة سنة وأربعة أشهر.

قلت : وهذا الفصل من حديث جم قد أتينا به تاماً بعد أنْ كنا عازمين على تركه

لما فيه من الأشياء التي تمجها الأسماع وتأباها العقول والطباع ، فإنها من خرافات الفرس مع أشياء أخر قد تقدمت قبلها، وإنما ذكرناها ليعلم جهل الفرس فإنهم كثيراً ما يشنعون على العرب بجهلهم وما بلغوا هذا ولأنا لو كنا تركنا هذا الفصل لخلا من شيء نذكره من أخبارهم .

ذكر الأحداث التي كانت في زمن نوح عليه السلام

قد اختلف العلماء في ديانة القوم الذين أرسل إليهم نوح فمنهم من قال : إنهم

كانوا قد أجمعوا على العمل بما يكرهه الله تعالى من ركوب الفواحش والكفر وشرب الخمور والاشتغال بالملاهي عن طاعة الله ، ومنهم من قال : إنهم كانوا أهل طاعة . وبيوراسب أول من أظهر القول بمذهب الصابئين وتبعه على ذلك الذين أرسل إليهم نوح وسنذكر أخبار بيوراسب فيما بعد. وأما كتاب الله تعالى قال : فينطق بأنهم أهل أوثان قال تعالى : ( وقالوا : لا تذَرُن آلهتكم ولا تَذَرُن وُذا ولا سُواعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً . وقَد أضَلُّوا كَثِيراً )(2).

قلت لا تناقض بين هذه الأقاويل الثلاثة فإن القول الحق الذي لا يشك فيه هو

أنهم كانوا أهل أوثان يعبدونها كما نطق به القرآن وهو مذهب طائفة من الصابئين ، فإن أصل مذهب الصابئين عبادة الروحانيين وهم الملائكة لتقربهم إلى الله لَعالى زُلْفَى ، فانهم اعترفوا بصانع العالم وأنه حكيم قادر مقدس إلا أنهم قالوا : الواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى معرفة جلاله وإنما نتقرب إليه بالوسائط المقَربة لديه وهم الروحانيون وحيث لم يعاينوا الروحانيين تقربوا إليهم بالهياكل وهي الكواكب السبعة


السيارة لأنها مدبرة لهذا العالم عندهم ، ثم ذهبت طائفة منهمٍ وهم أصحاب الأشخاص حيث رأوا أن الهياكل تطلع وتغرب وترى ليلاً ولا ترى نهارا إلى وضع الأصنام لتكون نصب أعينهم ليتوسلوا بها إلى الهياكل ، والهياكل إلى الروحانيين؛ والروحانيون إلى صانع العالم .

فهذا كان أصل وضع الأصنام أولًا، وقد كان أخيراً في العرب من هو على هذا الاعتقاد قال تعالى : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) (1)فقد حصل من عبادة الاصنام مذهب الصابئين والكفر والفواحش وغير ذلك من المعاصي؛ فلما تمادى قوم نوح على كفرهم وعصيانهم بعث الله إليهم نوحاً يحذّرهم بأسه ونقمته ، ويدعوهم إلى التوبة والرجوع إلى الحق والعمل بما أمر الله تعالى ؛ وأرسل نوح وهو ابن خمسين سنة فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً.

وقال عون بن شداد : إن الله تعالى أرسل نوحاً وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة

فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، ثم عاش بعد ذلك ثلثمائة وخمسين سنة. وقيل غير ذلك وقد تقدم . قال ابن إسحاق وغيره : إنّ قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى ينشى عليه فإذا أفاق قال : اللهم اغفر لي ولقومي فإنهم لا يعلمون حتى إذا تمادوا في معصيتهم وعظمت منهم الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشأن اشتد عليه البلاء، وانتظر النجل بعد النجل فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي كان قبله حتى إنْ كان الأخر ليقول : قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا مجنوناً لا يقبلون منه شيئاً وكان يُضرب وُيلف ويُلقى في بيته يرون أنه قد مات فإذا أفاق اغتسل وخرج إليهم يدعوهم إلى الله ، فلما طال ذلك عليه ورأى الأولاد شراً من الأباء قال : رب قد ترى ما يفعل بي عبادك فإن تلك لك فيهم حاجة فاهدهم وإنْ يك غير ذلك فصبرنى إلى أن تحكم فيهم. فأوحى إليه : ( أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن )(2) فلما يئس من إيمانهم دعا عليهم فقال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) (3)إلى آخر القصة .

فلما شكا إلى الله واستنصره عليهم أوحى الله إليه أن اصنع الفُلك بأعيننا ووحينا


ولا تخاطبنىِ في الذين ظلموا إنهم مغرقون .

فأقبل نوح على عمل الفلك؛ ولها عن دعاء قومه ، وجعل يهئ عتاد الفلك من الخشب والحديد والقار وغيرها، مما لا يصلحه سواه ، وجعل قومه يمرون به وهو في عمله فيسخرون منه ، فيقول : ( إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ، فسوف تعلمون )(1) ، قال : ويقولون : يا نوح ! قد صرت نجاراً بعد النبوة؟!

وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهم ، وصنع الفلك من خشب الساج ، وأمره أن

يجعل طوله ثمانين. ذراعاً وعرضه خمسين ذراعا لم وطوله في السماء ثلاثين ذراعاً . وقال قتادة : كان طولها ثلثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعاً وطولها في السماء ثلاثين ذراعاً . وقال الحسن : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع والله أعلم .

وأمر نوحاً أن يجعله ثلاث طبقات : سُفلى ووسطى وعليا . ففعل نوح كما أمره الله تعالى حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه : إذا جاء أمرنا وفار التنور فاحمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ، وقد جعل التنور آية فيما بينه وبينه فلما فار التنور وكان -فيما قيل -من حجارة كان لحواء . وقالى ابن عباس : كان ذلك تنوراً من أرض الهند . وقال مجاهد والشعبي : كان التنور بأرض الكوفة وأخبرته زوجته بفوران الماء في التنور وأمر الله جبرائيل فرفع الكعبة إلى السماء الرابعة وكانت مِنْ ياقوت الجنة كما ذكرناه وخبأ الحجر الاسود بجبل أبي قبيس فبقي فيه إلن أن بنى ابراهيم البيت فأخذه فجعله موضعه ، ولَمّا فار التنور حمل نوح من أمر الله بحمله وهَمّ أولادُه الثلاثة : سام وحام ويافث ، ونساؤهم ، وستة أناسي فكانوا مع نوح ثلاث عشرة .

وقال ابن عباس : كان في السفينة ثمانون رجلاً أحدهم جرهم كلهم بنو شيث ،

وقال قتادة : كانوا ثمانية أنفس نوح وامرأته وثلاثة بنوه ونساؤهم ، وقال الأعمش : كانوا سبعة ولم يذكر فيهم زوج نوح وحمل معه جسد آدم، ثم أدخل ما أمر الله به من الدواب ؛ وتخلف عنه ابنه يام وكان كافراً، وكان آخر مَنْ دخل السفينة الحمار فلما دخل صَدْرُه


تعلق إِبليس بذنبه فلم ترتفع رجلاه فجعل نوح يأمره بالدخول فلا يستطيع حتى قال : ادخل وإنْ كان الشيطان معك فقال كلمة زلت على لسانه فلما قالها دخل الشيطان معه ، فقال له نوح : ما أدخلك يا عدو الله ؟ فقال : ألم تقل ادخل لانْ كان الشيطان معك ؟ فتركه.

ولما أمر نوح بإدخال الحيوان السفينة قال : أي رب ! كيف أصنع بالأسد والبقرة؟

وكيف أصنع بالعناق والذئب ؟ والطير والهر، قال : الذي ألقى بينها العداوة هو يؤلف بينها فألقى الحمى على الأسد وشغله بنفسه ولذلك قيل :

وما الكلب محموماً وإنْ طال عمره ألا إنما الحمى على الاسد الورد

وجعل نوح الطير في الطبق الأسفل من السفينة وجعل الوحش في الطبق الاوسط

وركب هو ومن معه من بني آدم في الطبق الأعلى ، فلما اطمأن نوح في الفُلك ، وأدخل فيه كل مَنْ أمر به وكان ذلك بعد ستمائة سنة من عمره في قول بعضهم وفىِ قول بعضهم ما ذكرناه ؛ وحمل معه من حمل جاء الماء كما قال الله تعالى : ( فَفَتَحْنَا أبوابَ السمَاءَ بماءٍ مُنْهَمِر وفَخرْنَا الأرْضَ عُيُوناً فالتَقَى الماءُ على أمْرٍ قَدْ قُدِر )(ا) فكان بين أنْ أرسل الماء وبين أًنْ يحتمل الماء الفلك أربعون يوماً وأربعون ليلةً وكثر واشتد . وأرتفع وطمى، وغطى نوح عليه وعلى من معه طبق السفينة؛ وجعلت الفلك تجري بهم في موج كالجبال ، ونادى نوح ابنه الذي هلك – وكان في معزل – ( يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين )(2) وكان كافراً . قال : ( سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء ) وكان عهد الجبال وهي حرز وملجأ، فقال نوح : ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين )(3).

وعلا الماء على رؤوس الجبال ، فكان على أعلا جبل في الأرض خمسة عشر

ذراعاً، فهلك ما على وجه الأرض من حيوان ونبات فلم يبق إلا نوح ومن معه

والأعوج بن عنق – فيما زعم أهل التوراة – وكان بين إرسال الماء وبين أنْ غاض ستة أشهر وعشر ليال قال ابن عباس : أرسل الله المطر أربعين يوماً فأقبلت الوحش حين

_____________

(1) القمر : 11 .

( 2 ) (3) هود: 43 .


أصابها المطر والطين إلى نوح وسخرت له فحمل منها كما أمره الله فركبوا فيها لعشر ليال مضين من رجب وكان ذلك لثلاث عشرة خلت من آب وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم فلذلك صام من صام يوم عاشوراء . وكان الماء نصفين نصفاً من السماء ونصفاً من الأرض ؛ وطافت السفينة بالأرض كلها لا تستقر حتى أتت الحرم فلم تدخله ودارت بالحرم أسبوعاً ثم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت إلى الجودي وهو جبل بقردى بأرض الموصل فاستقرت عليه فقيل عند ذلك (بعداً للقوم الظالمين ) ولما استقرت قيل ( يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء ) نشقته الأرض وأقام نوح في الفلك إلى أن غاض الماء. فلما خرج منها اتخذ بناحية من قردى من الماء أرض الجزيرة موضعاً وابتنى قرية سموها ثمانين وهي الآن تسمى سوق الثمانين لان كل واحد ممن معه بنى لنفسه بيتاً وكانوا ثمانين رجلًا. قال بعض أهل التوراة لم يولد لنوح إلا بعد الطوفان ، وقيل : إن ساماً ولد قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة، وقيل : إن اسم ولده الذي أغرق كان كنعان وهو يام .

وأما المجوس فإنهم لا يعرفون الطوفان ويقولون : لم يزل الملك فينا من عهد جيومرث وهو آدم قالوا ولو كان كذلك لكان نسب القوم قد انقطع وملكهم قد اضمحل وكان بعضهم يقر بالطوفان ويزعم أنه كان في إقليم بابل وما قرب منه وأن مساكن ولد جيومرث كانت بالمشرق فلم يصل ذلك إليهم .

وقول الله تعالى أصدق في أن ذرية نوح هم الباقون فلم يعقب أحد ممن كان معه

في السفينة غير ولده سام وحام ويافث .

ولما حضرت نوحاً الوفاة قيل له : كيف رأيت الدنيا؟ قال : كبيتٍ له بابان دخلت

من أحدهما وخرجت من الأخر. وأوصى إلى ابنه سام وكان أكبر ولده .

ذكر بيوراسب وهو الازدهاق الذي يسميه العرب الضحاك

وأهل اليمن يَدعُون أن الضحاك منهم وأنه أول الفراعثة، وكان مَلِك مصر لَتا قَدِمَهَا إبراهيم الخليل ، والفُرس تذكر أنه منهم وتنسبه إليهم وأنه بيوراسب بن ارونداسب بن رينكار بن وندريشتك بن يارين بن افروال بن سيامك بن ميشى بن


جيومرث ومنهم من ينسبه هذه النسبة وزعم أهلُ الأخبار أنّه مَلَكَ الأقاليم السبْعة، وأنّه كان ساحراً فاجِراً .

قال هشام بن الكلبىِ : مَلَكَ الضحاك بعد جم فيما يزعمون والله أعلم ألف سنة،

ونزل السواد في قرية يقال لها ” برس ” في ناحية طريق الكوفة وملك الأرض كلها وسار بالفجور والعسف وبسط يده في القتل ، وكان أول من سَنَ الصلب والقطع ، وأول من وضع العشور وضرب الدراهم وأول من تش وغُني له قال : وبلغنا أن الضحاك هو نمروذ وأنَ إبراهيم عليه السلام وُلد في زمانه وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه .

وتزعم الفرس أنّ الملك لم يكن إِلا للبطن الذي منه أوشهنج وجم وطهمورث ،

وأن الضحاك كان غاصباً، وأنه غصب أهل الأرض بسحره وخُبثه وهول عليهم بالحيتين اللتين كانتا على منكبيه .

وقال كثيرٌ من أهل الكتب : إن الذي كان على منكبيه كان لحمتين طويلتين كل لم

واحدة منهما كرأس الثعبان وكان يسترهما بالثياب ويذكر على طريق التهويلِ أنهما حيتان يقتضيانه الطعام وكانتا تتحركان تحت ثوبه إذا جاعتا ولقي الناس منه جهداَ شديداً وذبح الصبيان لأن اللحمتين اللتين كانتا على منكبيه كانتا تضربانه فإذا طلاهما بدماغ انسان سكنتا، فكان يذبح كل يوم رجلين فلم يزل الناس كذلك حتى إذا أراد الله هلاكه وثب رجل من العامة من أهل أصبهان يقال له كابي بسبب ابنين له أخذهما أصحاب بيرراسب بسبب اللحمتين اللتين على منكبيِه وأخذ كابي عصاً كانت بيده ، فعلق بطرفها جراباً كان معه ، ثم نصب ذلك كالعلم ودعا الناس إلى مجاهدة بيوراسب ومحاربته فأسرع إلى إجابته خلقٌ كثير لما كانوا فيه من البلاء وفنون الجور فلما غلب كابي تفاءل الناسُ بذلك العلم فعظموه وزادوا فيه حتى صار عند ملوك العجم علمهم الأكبر الذي يتبركون به وسموه درفش كابيان فكانوا لا يسيرونه إلاَ في الأمور الكبار العظام ولا يرفع إلا لأولاد الملوك إذا وجهوا فىِ الأمور الكبار.

وكان من خبر كابي أنه من أهل أصبهان فثار بمن اتبعه فالتفت الخلائق إليه فلما

أشرف على الضحاك قذف في قلب الضحاك منه الرعب فهرب عن منازله وخلى مكانه فاجتمع الأعجام إلى كابي فأعلمهم أنه لا يتعرض للملك لأنه ليس من أهله وأمرهم أنْ يملكوا بعض ولد جم لأنه ابن الملك أوشهنج الأكبر بن افروال الذي رسم الملك وسبق


في القيام به ، وكان أفريدون بن اثفيان مستخفياً من الضحاك فوافى كابي ومن معه فاستبشروا بموافاته فملكوه وصار كابي والوجوه لافريدون أعواناً على أمره فلما ملك وأحكم ما احتاج إليه من أمر الملك واحتوى على منازل الضحاك وسار في أثره فأسره بدنباوند في جبالها.

وبعض المجوس تزعم أنه وكّل به قوماً من الجن وبعضهم يقول : إنه لَقِيَ

سليمان بن داود وحبسه سليمان في جبل دنباوند وكان ذلك الزمان بالشام فما برح بيوراسب بحبسه يجره حتى حمله إلى خراسان ، فلما عرف سليمان ذلك أمر الجن فأوثقوه حتى لا يزول وعملوا عليه طلسماً كرجلين يدقان باب الغار الذي حبس فيه أبداً لئلا يخرج فإنه عندهم لا يموت .

وهذا أيضاً من أكاذيب الفرس الباردة ولهم فيه أكاذيب أعجب من هذا تركنا

ذ كرها .

وبعض الفرس يزعم أن أفريدون قتله يوم النيروز فقال العجم عند قتله : أمر

وزنوروز أي استقبلنا الدهر بيوم جديد فاتخذوه عيداً وكان أسره يوم المهرجان ، فقال العجم : أمد مهرجان لقتل من كان يذبح وزعموا أنهم لم يسمعوا في أمور الضحاك بشيء يستحسن غير شيء واحد وهو أن بليته لما اشتدت ودام جوره وتراسل الوجوه في أمره فاجمعوا على المصير إلى بابه فوافاه الوجوه فاتفقوا على أن يدخل عليه كابي الاصبهاني فدخل عليه ولم يُسَلّمْ فقال : أيها الملك ! أيُ السلام أسلم عليك ؟ سلام من يملك الأقاليم كلها أم سلام من يملك هذا الاقليم ؟ فقال : بل سلام من يملك الأقاليم لأني ملك الأرض ، فقال كابي : إذ كنت تملك الأقاليم كلها فلم خصصتنا بأثقالك وأسبابك من بينهم ولم لا تقسم الأمور بيننا وبينهم ، وعَدَدَ عليه أشياء كثيرة فصدَّقه فعمل كلامه في الضحاك فاقر بالِإساءة وتألّف القوم ووعدهم بما يحبون وأمرهم بالانصراف ليعودوا ويقضي حوائجهم . ثم ينصرفوا إلن بلادهم وكانت أمه حاضرة تسمع معاتبتهم وكانت شراً منه ، فلما خرج القوم دخلت مغتاظة من احتماله وحِلْمِهِ عنهم فوبخته وقالت له : ألا أهلكتهم وقطعت أيديهم ؟ فلما أكثرتْ عليه قال لها : يا هذه لا تفكري في شيء إلا وقد سبقت إليه إلا أن القوم بدهوني بالحق وقرعوني به فكلما هممت بهم تخيل لي الحق بمنزلة الخبل بيني وبينهم فما أمكنني فيهم شيء . ثم جلس لأهل النواحي فوفى لهم بما وعدهم وقضى أكثر حوائجهم . وقال بعضهم : كان ملكه ستمائة سنة وكان عمره


ألف سنة، وأنه كان في باقي عمره شبيهاً بالملك لقدرته ونفوذ أمره ، وقيل : كان ملكه ألف سنة ومائة سنة .

وإنما ذكرنا خبر بيوراسب ههنا لأن بعضهم يزعم أن نوحاً كان في زمانه وإنما

أرسل إليه وإلى أهل مملكته وقيل إنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة صور ومدينة دمشق .

ذكر ذرية نوح عليه السلام

قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( وجعلنا ذريته هم الباقين )(ا)(1) إنهم سام وحام، ويافث .

وقال وهب بن منبه : إن سام بن نوح أبو العرب وفارس والروم ، وإن حام أبو السودان ، وإن يافث أبو الترك ويأجوج ومأجوج . وقيل : إن القبط من ولد قوط بن حام . وإنما كان السودان في نسل حامٍ لأن نوحاً نام فانكشفت سوأته فراها حام فلم يغطها، ورآها سام ويافث فألقيا عليه ثوبا فلما استيقظ عَلِمَ ما صنع حام وإخوته فدع عليهم .

[ ولد سام ]

قال ابن إسحاق فكانت امرأة سام بن نوح صلب ابنة بتاويل بن محويل بن

خنوخ بن قين بن آدم فولدت له نفراً : أرفخشذ، واشوذ ، ولاوذ، وآرم . قال : ولا أدري آرم لأم أرفخشذ وإخوته أم لا؟

فمن ولد لاوذ بن سام فم ارس ، وجرجان ، وطَسَم ، وعمليق وهو أبو العماليق ،

ومنهم كانت الجبابرة بالشام الذين يقال لهم الكنعانيون والفراعنة بمصر، وكان أهل البحرين وعمان منهم ويسمون جاشم ، وكان منهم بنو أميم بن لاوذ أهل وبار بأرض الرمل وهىِ بين اليمامة والشحر وكانوا قد كثروا فأصابتهم نقمة من اللهّ من معصية أصابوها فهلكوا وبقيت منهم بقية وهم الذين يقال لهم النسناس ، وكان طسم ساكني اليمامة إلى البحرين فكانت طسم والعماليق وأميم وجاشم قوماً عرباً لسانهم عربي ، ولحقت عبيل بيثرب قبل أن تبنى، ولحقت العماليق بصنعاء قبل أن تسمى صنعاء، وانحدر بعضهم إلى يثرب فما خرجوا منها عبيلاً فنزلوا موضع الجحفة فأقبل سيل فاجتحفهم أي أهلكهم فسميت “الجحفة”.


قال : وولد آرم بن سام عوض ، وعابر وحويل . فولد عوض : عابر، وعاد،

وعبيل . وولد عابر بن آرم : ثمود، وجديس ، وكانوا عرباً يتكلمون بهذا اللسان المصري ، وكانت العرب تقول لهذه الامم ولجرهم : العرب العاربة ، ويقولون لبني إسماعيل : العرب المتعربة لأنهم إنما تكلموا بلسان هذه الامم حين سكنوا بين أظهرهم فكانت عاد بهذا الرمل إلى حضرموت ، وكانت ثمود بالحِجْر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، ولحقت جديس بطسم وكانوا معهم باليمامة إلى البحرين ، واسم اليمامة إذ ذاك جو، وسكنت جاشم عمان . والنبط من ولد نبيط بن ماش بن آرم بن سام .

والفرس بنو فارس بن تيرش بن ماسور بن سام.

قال : وولد لارفخشذ بن سام ابنه قينان كان ساحراً، وولد لقينان شالخ بن أرفخشذ من غير ذلك قينان لما ذكر من سحره وولد لشالخ عابر، ولعابر فالغ ومعناه القاسم لأن الأرض قسمت والألسن تبلبلت في أيامه ، وقحطان بن عابر. فولد لقحطان يعرب ويقظان . فنزلا اليمن ، وكان أول من سكن اليمن وأول من سلم عليه بأبيتَ اللعن ، وولد لفالغ بن عابر أرغو، وولد لارغو ساروغ ، وولد لساروغ ناخور، وولد اشاخور تارخ واسمه بالعربية ازر، وولد لأزر ابراهيم عليه السلام ، وولد لأرفخشذ أيضاً نمروذ وقيل هو نمروذ بن كوش بن حام بن نوح.

قال هشام بن الكلبي : السند والهند بنو توقير بن يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح وجرهم من ولد يقطن بن عابر وحضرموت بن يقطن ، ويقطن هو قحطان في قول من نسبه إلى غير إسماعيل.

والبربر من ولد ثميلا بن مارب بن فاران بن عمرو بن عمليق بن لاوذ بن سام بن

نوح ما خلا صنهاجة وكتامة فإنهما بنو فريقش بن ضيفي بن سبأ.

وأما يافث فمن ولده جامر، وموعع ، ومورك ، وبوان ، وفوبا ، وماشج ، وتيرش .

فمن ولد جامر ملوك فارس في قول ، ومن وبد تيرش الترك والخزر، ومن ولد

ماشج الاشبان ، ومن ولد موعع يأجوج ومأجوج ، ومن ولد بوان الصقالبة وبرجان . والاشبان كانوا في القديم بأرض الروم لهبل أن يقع بها من وقع من ولد العيص بن إسحاق وغيرهم وقصد كل فريق من هؤلاء الثلاثة : سام وحام ويافث أرضاً فسكنوها


ودفعوا غيرهم عنها . ومن ولد يافث الروم وهم بنو لنطى ين يونان بن يافث بن نوح .

[ ولد حام ]

وأما حام فولد له كوش ، ومصرايم ، وفوط ، وكنعان فمن ولد كوش نمروذ بن

كوش ، وقيل هو من ولد سام ، وصارت بقية ولد حام بالسواحل من النوبة والحبشة والزنج ، وبقال ان مصرايم ولد القبط والبربر، وأما فوط فقيل : إنه سار إلى الهند والسند فنزلها وأهلها من ولده وأما الكنعانيون فلحق بعضهم بالشام ثم جاءت بنو إسرائيل فقتلوهم بها ونفوهم عنها، وصار الشام لبني اسرائيل ثم وثبت الروم على بني إسرائيل فأجلوهم عن الشام إلى العراق إلا قليلاً منهم ، ثم جاءت العرب فغلبوا على الشام. وكان يقال لعاد عاد إرم فلما هلكوا قيل لثمود ثمود إرم .

قال : وزعم أهل التوراة أن أرفخشذ وُلد لسام بعد أن مضى من عُمر سام مائة سنة وسنتان وكان جميع عمر سام ستمائة سنة، ثم وُلد لارفخشذ قينان بعد أنْ مضى من عُمر أرفخشذ خمس وثلاثون سنة، وكان عمره أربعمائة وثمانياً وثلاثين سنة ، ثم ولد لقينان شالخ بعد أن مضى من عمره تسع وثلاثون سنة، ولم تذكر مدة عمر قينان في الكتب لما ذكرنا من سِحْرِهِ .

ثم ولد لشالخ عابر بعد ما مضى من عمره ثلاثون سنة وكان عمره كله أربعمائة

وثلاثاً وثلاثون سنة ، ثم ولد لعابر فالغ وأخوه قحطان ، وكان مولد فالغ بعد الطوفان بمائة وأربعين سنة وكان عمره أربعمائة وأربعاً وسبعين سنة ، ثم ولد لفالغ أرغو بعد ثلاثين سنة هن عمر فالغ وكان عمره مائتين وتسعاً وثلاثين سنة .

وولد لأرغو ساروغ بعد ما مض من عمره اثنتان وثلاثون سنة وكان عمره مائتين

وتسعاً وثلاثين سنة . وولد لساروغ ناخور بعد ثلاثين سنة من عمره وكان عمره كله مائتين وثلاثين سنة ، ثم ولد لناخور تارخ أبو إبراهيم بعد ما مضى من عمره سبع وعشرون سنة وكان عمره كله مائتين وثمانياً وأربعين سنة، وولد لتارخ وهو ازر إبراهيم عليه السلام وكان بين الطوفان ومولد إبراهيم ألف سنة ومائتا سنة وثلاث وستون سنة وذلك بعد خَلْق آدم بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة وسبع وثلاثين سنة، وولد لقحطان بن عابر يَعْرُب ، فولد ليعرُب يشجب ، فولد ليشجب سبأ فولد سبأ حمير، وكهلان ، وعَمْراً، والأشعر ، وأنمار، ومرا . فولد عمرو بن سبأ : عدِيَا، وولد عديّ لخماً وجُذَاماً .


ذكر مُلك أفريدون

وهو أفريدون بن أثغيان وهو من ولد جمشيد وقد زعم بعض نسابة الفرس : أن

نوحاً هو أفريدون الذي قهر الضحاك وسلبه ملكه . وزعم بعضهم : أن افريدون هو ذو القرنين صاحب إبراهيم الذي ذكره الله في كلامه العزيز،. وإنما ذكرته في هذا الموضع لأن قصته في أولاده الثلاثة شبيهة بقصة نوح على ما سيأتي ولحُسن سيرته وهلاك الضحاك على يديه ولأنه قيل : إن هلاك الضحاك كان على يد نوح .

وأما باقي نسابة الفرس فإنهم ينسبون أفريدون إلى جمشيد الملك وكان بينهما

عشرة آباء كلهم يسمى أثغيان خوفاً من الضحاك وإنما كانوا يتميزون بألقاب لقبوها فكان يقال لأحدهم : أثغيان صاحب البقر أحمر، وأثغيان صاحب البقر البلق وأشباه ذلك ، وكان أفريدون أول من ذلل الفيلة وامتطاها ونتج البغال واتخذ الاوز والحمام ، وعمل الترياق ، ورد المظالم ، وأمر الناس بعبادة الله والانصاف والإِحسان ، ورد على الناس ما كان الضحاك غصبه من الأرض وغيرها إلا ما لم يجد له صاحباً فإنه وقفه على المساكين .

وقيل : إنه أول من سمي الصوفي وهو أول من نظر في علم الطب وكان له ثلاثة

بنين اسم الأكبر شرم ، والثاني طوج ، والثالث ايرج ، فخاف أن يختلفوا بعده فقسّم ملكه بينهم أثلاثاً وجعل ذلك في سهام كتب أسماؤهم عليها وأمر كل واحد منهم فاخذ سهماً فصارت الروم وناسية العرب لشرم ، وصارت الترك والصين لطوج ، وصارت العراق والسند والهند والحجاز وغيرها لايرج وهو الثالث وكان يحبه وأعطاه التاج والسرير.

ومات افريدون ونشبت العداوة بين أولاده وأولادهم من بعدهم ولم يزل التحاسد

ينمو بينهم إلى أن وثب طوج وشرم على أخيهما أيرج فقتلاه وقتلا ابنين كانا لايرج وملكا الأرض بينهما ثلاثمائة سنة ، ولم يزل افريدون يتبع من بقي بالسواد من آل نمروذ والنبط وغيرهم حتى أتى غلى وجوههم ومحا أعلامهم وكان ملكه خمسمائة سنة .

. ذكر الأحداث التي كانت بين نوح وإبراهيم

قد ذكرنا ما كان من أمر نوح وأمر ولده واقتسامهم الأرض بعده ومساكن كل فريق منهم ، فكان ممن طغى وبغى – فأرسل الله إليهم رسولًا فكذبوه فأهلكهم الله – هذان الحيان من ولد إرم بن سام بن نوح أحدهما عاد والثاني ثمود .


[ نبي اللّه هود عليه السلام ]

، فأما عاد فهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، وهو عاد الأولى، وكانت مساكنهم ما بين الشحر، وعمان ، وحضرموت بالأحقاف فكانوا جبارين طوال القامة لم يكن مثلهم . يقول الله تعالى : ( واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُم خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُم في الخَلْقِ بَسْطَة ) (1)فأرسل الله إليهم هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عوص ، ومن الناس من يزعم أنه هود وهو عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح وكانوا أهل أوثان ثلاثة يقال لاحدهما ضرا وللآخر ضمور وللثالث الهباء فدعاهم إلى توحيد الله لإفراده بالعبادة دون غيره وترك ظلم الناس فكذبوه وقالوا : من أشد منا قوة؟

ولم يؤمن بهود منهم إلا قليل ، وكان من أمره ما ذكره ابن إسحاق قال : إن عاداً

أصابهم قحط تتابع عليهم بتكذيبهم هوداً فلما أصابهم قالوا : جهزوا منكم وفداً إلى مكة يستسقون لغم ، فبعثوا قيل بن عير، ولقيم بن هزال ، ومرثد بن سعد وكان مسلماً يكتم إسلامه ، وجلهمة بن الخيبري خال معاوية بن بكر، ولقمان بن عاد بن فلان بن عاد الأكبر في سبعين رجلًا من قومهم فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر بظاهر مكة خارجاً عن الحرم فأكرمهم وكانوا أخواله وصهره لأن لقيم بن هزال كان تزوج هزيلة بنت بكر أخت معاوية فأولدها أولاداً كانوا عند خالهم معاوية بمكة وهم عبيد وعمرو، وعامر، وعمير بنو لقيم وهم عاد الآخرة التي بقيت بعد عاد الأولى، فلما نزلوا عك معاوية أقاموا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتان لمعاوية فلما رأى معاوية طول مقامهم وتركهم ما أرسلوا له شق عليه ذلك وقال : هلك أخوالي ، واستحيا أن يأمر الوفد بالخروج إلى ما بعثوا له فذكر ذلك للجرادتين فقالتا : قل شعراً نغنيهم به لا يدرون من قائله لعلهم يتحركون . فقال معاوية :

ألاَ يا قيل ويحَك قُمْ فَهَيْنِم لعلّ الله يصبحنا(2)غَمَامَاً

فيسقِي أرضَ عادٍ إنّ عاداً قد امسوا (3) لا يُبِيْنُون الكَلاما(4)


في أبيات ذكرها، والهينمة الكلام الخفي فلما غنتهم الجرادتان ذلك الشعر

وسمعه القوم قال بعضهم لبعض يا قوم بعثكم قومكم يتغوثون بكم من البلاء الذي نزل بهم فأبطأتم عليهم فادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم . فقال مرثد بن سعد : إنهم والله لا يسقون بدعائكم ولكن أطيعوا نبيكم فأنتم تُسقون وأظهر اسلامه عند ذلك . فقال جلهمة بن الخيبري خال معاوية لمعاوية بن بكر: احبس عنا مرثد بن سعد. وخرجوا إلى مكة يستسقون بها لِعَاد فدعوا الله تعالى لقومهم واستسقوا ، فأنشأ اللُه سحائب ثلاثاً بيضاء وحمراء وسوداء ونادى مناد منها: يا قيل اختر لنفسك وقومك . فقال : قد اخترت السحابة السوداء-فإنها أكثر ماء . فناداه مناد : ” اخترت رماداً رمدداً. ألا تبقي من عاد أحداً . لا ولد تترك ولا والد إلا جعلته همداً . إلا بني اللوذية المهدىِ “،

وبنو اللوذية بنو لقيم بن هزال كانوا بمكة عند خالهم معاوية بن بكر. وساق الله ،

السحابة السوداء بها فيها من العذاب إلى عاد فخرجت عليهم من واد يقال له المغيث فلما رأوها استبشروا بها وقالوا : هذا عارض ممطرنا . يقول الله تعالى : ( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تَدمر كل شيء بأمر ربها ” أي كل شيء أُمِرَتْ ،به ، وكان أول من رأى ما فسِها وعرف إنها ريح مُهلكة امرأة من عاد يقال لها فهدد فلما رأت ما فيها صاحتْ وصُعقت فلما أفاقت قالوا : ماذا رأيتِ ؟

قالت : رأيتُ ريحاً فيها كشُهُب النار أمامها رجال يقودونها .

فلما خرجت الريح من الوادي قال شعبة رهط من الخلجان : تعالوا حتى نقوم

على شفير الوادي فنردها فجعلت الريح تدخل تحت الواحد منهم فتحمله فتدق عنقه

وبقي الخلجان فمال إلى الجبل وقال :

لَم يَبْقَ إِلا الخَلجانُ نفسُهُ يَالَكَ ينْ يَوْمٍ دَهَانِي أمْسُة!

بثَابِتِ الوَطءِ شديدٍ وَطْسُهُ لوْ لم يَجِئْنِي جئتُهُ أجُسُّهُ

فقال له هود: أسلم تسلم . فقال : ومالي ؟ قال : الجنة . فقال : فما هؤلاء الذين

في السحاب كأنهم البخت ؟

قال : الملائكة . قال : أيعيذني ربك منهم إن أسلمت ؟ قال : هل رأيت ملِكاً لا

يعيذ من جنده ؟ قال “لو فعل ما رضيت.


ثم جاءت الريح وألحقته بأصحابه ، ومَبخَرَهَا الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام

حسوماً كما قال تعالى ، والحسوم : الدائمة، فلم تَدَع مِنْ عَادٍ أحدا إلا هلك ، واعتزل هود والمؤمنون في حظيرة لم يصبه ومن معه الاتليين الجلود وإنها لتمر من عاد بالظعن ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة .

وعاد وفد عاد إلى معاوية بن بكر فتزلوا عليه فأتاهم رجل على ناقة فأخبرهم بمصاب عاد وسلامة هود . قال : وكان قد قيل للقمان بن عاد اختر لنفسك إلا أنه لا سبيل إلى الخلود . فقال : يا رب أعطني عُمراً . فقيل له اختر فاختار عُمر سبعة أنسر فعُقَرَ فيما يزعمون عمر سبعة أنسر فكان يأخذ الفرخ الذكر حين يخرج من بيضته حتى إذا مات أخذ غيره وكان يعيش كل نسر ثمانين سنة فلما مات السابع مات لقمان معه وكان السابع يسمى لبدا. قال : وكان عمر هود مائة وخمسين سنة وقبره بحضرموت (1)وقيل بالحِجْر(2) من مكة فلما هلكوا أبى سل الله طيراً أسود فنقلتهم إلى البحر فذلك قوله تعالى : ( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) ولم تخرج ريح قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها عتت على الخزنة فذلك قوله ( أهلكهوا بريح صرصر عاتية ) وكانت الريح تقلع الشجرة العظيمة بعروقها وتهدم البيت عك من فيه .




(1) الطبري 1 / 155 . وقد أخرج البخاري ى الاستئذان بالشطر الأول من الحديث إلى قوله : ( هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم ” .

(1) هذا على تفسير فوله تعالى : ( ورفعناه مكاناً عَلِياً ” والأولى أن يكون الرفع رفع منزلة ورفع درجة في الآخرة وليس في الآية ما يفيد أنه لم يتوفً .

(1) بهمزة ، وهو المنشار ، والمراد أتلفه وفرق أعضاء جسمه .

(2) نوح 23 : 24 .

(1) الزمر:3 .

(2) هود: 36 .

(3) نوح : ه .

(1) هود : 38 .

(1) الصافات : 77 .

(1) الأعراف : 69 .

(2) الطبري : يسقينا .

(3) قد امسوا بهمزة وَصل .

(4) أنظر بقية القصيدة في الطبري 1 / 220 ، وكما قدمنا لا تصح نسبة هذه القصائد .

(1) يوجد قبر بحضرموت لا يبعد كثيراً عن مدينة تريم يقال له قبر هود عليه السلام. ( منيرية ) .

(2) وهو حجر إسماعيل عليه السلام .

ماذا تعرف عن الملك فاروق و مصر فى عهد الملك فاروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *