الدولة العثمانية عوامل النهوض و اسباب السقوط صفحات من التاريخ الاسلامى فى شمال افريقيا الجزء السادس عشر الإطاحة بحكم السلطان عبدالحميد الثاني

المبحث الخامس
الإطاحة بحكم السلطان عبدالحميد الثاني

كان السلطان عبدالحميد الثاني شديد الحذر من جمعية الاتحاد والترقي المدعومة باليهود والمحافل الماسونية، والدول الغربية واستطاع جهاز مخابرات السلطان عبدالحميد أن يتعرف على هذه الحركة ويجمع المعلومات عنها؛ إلا أن هذه الحركة كانت قوية، وقد جاءت مراقبة عبدالحميد لأعضاء هذه الحركة في وقت متأخر ، حيث دفعوا الأهالي الى مظاهرات صاخبة في سلانيك ومناستر واسكوب وسوسن مطالبين بإعادة الدستور، بالإضافة الى أن المتظاهرين هددوا بالزحف على القسطنطينية. الأمر الذي أدى بالسلطان الى الرضوخ على مطالب المتظاهرين حيث قام بإعلان الدستور وإحياء البرلمان وذلك في 24 تموز 1908م، وكانت هناك عدة أسباب جعلت من جميعة الاتحاد والترقي أن تبقي السلطان عبدالحميد الثاني في تلك الفترة على العرش منها:
1- لم تكن في حوزة الاتحاد والترقي القوة الكافية بعزله في عام 1908م.
2- اتباع عبدالحميد الثاني سياسة المرونة معهم، وذلك بتنفيذ رغباتهم بإعادة الدستور.
3- ولاء العثمانيين لشخص السلطان عبدالحميد. وهذه النقطة واضحة، حيث أن لجنة الاتحاد والترقي لم تكن لها الجرأة الكافية على نشر دعايتها ضد السلطان عبدالحميد الثاني بين الجنود ، لأن هؤلاء كانوا يبجلون السلطان([1]).
إن الصهيونية العالمية لم تقتصر على الانقلاب الدستوري لعام 1908م، بل تعاونت مع جمعية الاتحاد والترقي لتحقيق مكاسب أخرى في فلسطين ، وعليه كان لابد من التخلص من السلطان عبدالحميد الثاني نهائياً ولذلك دبرت أحداث في 31 أبريل 1909م في استانبول وترتب على أثرها، اضطراب كبير قتل فيه بعض عسكر جمعية الاتحاد والترقي؛ عرف الحادث في التاريخ باسم حادث 31 مارت.
وقد حدث هذا الاضطراب الكبير في العاصمة بتخطيط أوروبي يهودي، مع رجال الاتحاد الترقي وتحرك على أثره عسكر الاتحاد والترقي من سلانيك ودخل استانبول، وبهذا تم عزل خليفة المسلمين السلطان عبدالحميد الثاني من كل سلطاته المدنية والدينية. ثم وجهت إليه جمعية الاتحاد والترقي التهم التالية:
1- تدبير حادث 31 مارت.
2- إحراق المصاحف.
3- الإسراف.
4- الظلم وسفك الدماء([2]).
مع أن جميعة الاتحاد والترقي العثمانية، تبنت الأفكار الغربية المضادة للاسلام وللفكر الاسلامي؛ لكنها استغلت الدين عند مخاطبتها للناس للتأثير فيهم، وكسب أنصار لهم في معركتهم ضد السلطان عبدالحميد الثاني. وقد نجحوا في ذلك.
تقول الجمعية في بياناتها الى العثمانيين: (أيها العثمانيون: إن مقصدنا هو سلامة الدولة والخلافة، ولم يعد أحد يجهل هذا). (وبعون الباري وهمة الاخوان) و(أيها المسلمون: كفانا أن نقوم بدور المتفرج على سلطان جبار، عديم الايمان، يسحق القرآن تحت أقدامه، وكذلك يسحق الضمير والايمان) و(استيقظوا ياأمة محمد) و(الشجاعة الشجاعة يامسلمون الشجاعة منا والعون من الله. نصر من الله وفتح قريب) و(أيها المسلم الموحد! اقرأ باسم ربك) و(انهض أيها المسلم الموحد! وانقذ دينك، وإيمانك من يد الظالمين. وأنقذ بذلك نفسك! فهنا شيطان جبار يحمل فوق رأسه تاجاً. وفي يده دينك وإيمانك. فأنقذ دينك منه وإيمانك أيها الموحد) و(ياأيها المسلمون: إن السلطان عبدالحميد -شرعاً- ليس بسلطان، ولا خليفة! ومن لايصدق قولنا هذا : فلينظر في الكتاب والسنة. لقد أبرزت جمعيتنا بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وأوامر الله وأوامر الرسول الموجهة الى الحكومة والأهالي.
لكن السلطان عبدالحميد، أشاح بوجهه بعيداً عن أوامر الله ، وأوامر الرسول . وبالتالي : أثبت ظلمه ولم يخجل من الاعتراض على الله؛ لذلك ينبغي على شعبنا ، أن يلجأ الى السلاح ضده وإذا لم يفعل الشعب هذا، فليتحمل إذاً وزر ماعليه السلطان عبدالحميد من ظلم([3]).
لقد كان الفكر الحاكم في اتجاهات جمعية (الاتحاد والترقي) ، هو : الماسونية وهي لاتعترف بالأديان، والفلسفة الوضعية (العقلانية وهي تنفي الدين) والعلمانية (وهي تبعد الدين عن الحياة)، ومع ذلك استخدم الثوار الاتحاديون الدين لمحاربة السلطان عبدالحميد الثاني وافتروا عليه باسم الدين([4]).
إن التهم التي وجهت للسلطان عبدالحميد الثاني لاتثبت أمام البحث العلمي، والحجج، والبراهين الدالة على برائته الكلية مما ينسب إليه، فقد أثبتت الأدلة على عدم علم السلطان عبدالحميد بحادث 31 مارت، كما أنه (من المحال إحراق السلطان عبدالحميد للمصاحف، فهو سلطان معروف بتقواه، ولم يعرف عنه تركه للصلاة وأهماله للتعبد، كما أنه معروف بعدم اسرافه ولأنه لايعرف الاسراف فقد كان المال يتوفر معه دائماً ولذلك فقد أزاح من على كاهل الدولة أعباء كثيرة من ماله الخاص). وعن ظلمه وسفكه للدماء فلم يعرف عن السلطان عبدالحميد هذا، وسفك الدماء لم يكن أبداً ضمن سياسته([5]).
ولم لا يغيب عن بال الانقلابيين الضغط على مفتي الاسلام محمد ضياء الدين بإصدار فتوى الخلع ففي يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر نيسان عام 1909م اجتمع 240 عضواً من مجلس الأعيان في جلسة مشتركة وقرروا بالاتفاق خلع السلطان عبدالحميد الثاني وكتب مسودة الفتوى ا لشيخ نائب حمدي افندي المالي لكن أمين الفتوى نوري أفندي الذي دعى للاجتماع رفض هذه المسودة وهدد بالاستقالة من منصبه ان لم يجر تعديل عليها وأيده في التعديل عدد من انصاره من النواب فعدل القسم الأخير على أن يقرر مجلس المبعوثان عرض التنازل عن العرش أو خلعه.
وإليكم نص الفتوى:
(الموقع عليها من شيخ الاسلام محمد ضياء الدين أفندي ووافق عليها مجلس المبعوثان بالإجماع “إذا قام أمام المسلمين زيد فجعل ديدنه طي واخراج المسائل الشرعية المهمة من الكتب الشرعية وجمع الكتب المذكورة والتبذير والإسراف من بيت المال واتفاقية خلاف المسوغات الشرعية وقتل وحبس وتغريب الرعية بلا سبب شرعي وسائر المظالم الاخرى ثم اقسم على الرجوع عن غيه ثم عاد فحنث وأصر على أحداث فتنة ليخل بها وضع المسلمين كافة فورد من المسلمين من كافة الاقطار الاسلامية بالتكرار مايشعر باعتبار زيد هذا مخلوعاً فلوحظ ان في بقائه ضرراً محققاً وفي زواله صلاحاً فهل يجب على أهل الحل والعقد وأولياء الأمور أن يعرضوا على زيد المذكور التنازل عن الخلافة والسلطنة أو خلعه من قبلهم. الجواب: نعم يجب)([6]).
قرأت هذه الفتوى في الاجتماع المشترك للمجلس الملي فصرخ النواب الاتحاديون نريد خلعه وبعد مداولات تم الموافقة على خلع السلطان عبدالحميد الثاني([7]).
وبتكليف من جمعية الاتحاد والترقي تم تكوين لجنة لإبلاغ خليفة المسلمين وسلطان الدولة العثمانية عبدالحميد الثاني بقرار خلعه. وكانت هذه اللجنة تتألف من:
1- إيمانويل قراصو: وهو يهودي أسباني. كان من أوائل المشتركين في حركة تركيا الفتاة وكان مسؤلاً أمام جميعة الاتحاد والترقي عن إثارة الشغب وتحريضه ضد السلطان عبدالحميد الثاني وتأمين التخابر بين سلانيك واستانبول فيما يتعلق بالاتصالات الحركة. وقراصو هذا محام، عملت جميعة الاتحاد والترقي بنجاح على تعينيه في المجلس النيابي العثماني نائباً عن سلانيك مرة وعن استانبول مرتين. وصفته المصادر الانكليزية بأنه من قادة الاتحاد والترقي. عمل أثناء الحرب مفتشاً للاعاشة ، واستطاع أثناء وجوده في هذا المنصب أن يجمع أموالاً كثيرة لحسابه الخاص، ولعب دوراً هاماً في احتلال إيطاليا لليبيا نظير مبلغ من المال دفعته إليه إيطاليا. واضطر نتيجة لخيانته للدولة أن يهرب الى إيطاليا ويحصل على حق المواطنة الإيطالية واستقر في تريسنا حيث مات عام 1934م. وكان أثناء وجوده في الدولة العثمانية الاستاذ الأعظم لمحفل مقدونيا ريزولتا الماسوني.
2- آرام : وهو أرمني عضو في مجلس الأعيان العثماني.
3- أسعد طوبطاني: وهو ألباني ، نائب في مجلس المبعوثان عن منطقة دراج.
4- عارف حكمت: وهو فريق بحري وعضو مجلس الأعيان، وهو كرجبي العراق([8]).
يروي السلطان عبدالحميد في مذكراته تفاصيل هذه الحادثة فيقول: (إن مايحزنني ليس الابعاد عن السلطة، ولكنها المعاملة غير المحترمة التي ألقاها بعد كلمات أسعد باشا هذه والتي خرجت عن كل حدود الأدب ، حيث قلت لهم: إنني أنحني للشريعة ولقرار مجلس المبعوثان ذلك تقدير العزيز العليم، سوى إني أؤكد بأنه لم يكن لي أدنى علاقة لا من بعيد ولا من قريب بالاحداث التي تفجرت في 31 مارت ثم أردف قائلاً: (إن المسؤولية التي تحملتموها ثقيلة جداً). ثم أشار عبدالحميد الى قرصو قائلاً: (ماهو عمل هذا اليهودي في مقام الخلافة([9])؟ وبأي قصد جئتم بهذا الرجل أمامي؟)([10]).
لقد اعتبر اليهود والماسونيون هذا اليوم عيداً لهم، وابتهجوا به وساروا بمظاهرة كبيرة في مدينة سلانيك، ولم يكتف الماسونيون بذلك بل طبعوا صورة هذه المظاهرات في بطاقات بريدية لتباع في أسواق تركيا العثمانية ولمدة طويلة. لقد كان الاتحاديون يفتخرون دائماً بأنهم ماسونيون. وقد أدلى رفيق مانياسي زادة بتصريحات الى صحيفة تمبس والفرنسية في باريس عقب نجاح انقلاب حركة الاتحاد والترقي، حيث جاء فيها:(لقد كانت للمساعدات المالية والمعنوية التي تلقيناها من الجمعية الماسونية الايطالية التي أمدتنا بالعون العظيم نظراً لارتباطنا الوثيق بها)([11]).
إن هذه العلاقة بين الصهيونية والماسونية، وضحها السلطان عبدالحميد الثاني في الرسالة التي وجهها الى الشيخ محمود أبي الشامات شيخه في الطريقة الشاذلية بعد خلعه وذلك في سنة 1329هـ([12]) وقد جاء في هذه الرسالة:
(إن هؤلاء الاتحاديون قد أصروا عليّ بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة (فلسطين) ورغم اصرارهم، لم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف، وأخيراً وعدوا بتقديم مائة وخمسين مليون ليرة انكليزية ذهباً، فرفضت هذا التكليف بصورة قطعية أيضاً، وأجبتهم بهذا الجواب القطعي: (إنكم لو دفعتم ملئ الدنيا ذهباً، فلن أقبل بتكليفكم هذا بوجه قطعي، لقد خدمت الملة الاسلامية والأمة المحمدية مايزيد على ثلاثين سنة فلم أسود صحائف المسلمين). وبعد جوابي هذا اتفقوا على خلعي، وأبلغوني أنهم سيبعدوني الى سلانيك، فقبلت بهذا التكليف الأخير. هذا وحمدت المولى وأحمده أنني لم أقبل بأن الطخ العالم الاسلامي بهذا العار الأبدي الناشئ عن تكليفهم بإقامة دولة يهودية في الأراضي المقدسة! فلسطين)([13]).
وفي مقال نشرت في جريدة (بويوك ضوغو) التركية في 2 مايو عام 1947م العدد 61 يقول (محرم فوزي طوغاي) تحت عنوان (فلسطين والمسألة اليهودية) الآتي:
(منع السلطان عبدالحميد تحقيق هدف إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وكلف هذا لمنع السلطان عبدالحميد غالياً وأودى بعرشه، وأدى هذا فيما بعد الى انهيار الدولة العثمانية كلها). رغم أنه كان يدرك -كما قال نظام الدين لبه دنلي أوغلو- في دراسته عن دور اليهود في هدم الدولة العثماينة أن: (اليهود يمتلكون قوى كثيرة تستطيع النجاح في العمل المنظم ، فالمال كان عندهم والعلاقات التجارية الدولية كانت في أيديهم. كما كانوا يمتلكون الصحافة الأوروبية والمحافل الماسونية)([14]).
إن بعض أقطاب حركة الاتحاد والترقي اكتشفوا فيما بعد أنهم قد وقعوا تحت تأثير الماسونية والصهيونية، فهذا أنور باشا الذي لعب دوراً مهماً في إنقلاب عام 1908م، يقول في حديث له مع جمال باشا أحد أركان جميعة الاتحاد والترقي: (أتعرف ياجمال ماهو ذنبنا؟ وبعد تحسر عميق قال : (نحن لم نعرف السلطان عبدالحميد ، فأصبحنا آلة بيد الصهيونية، واستثمرتنا الماسونية العالمية، نحن بذلنا جهودنا للصهيونية فهذا ذنبنا الحقيقي)([15]).
وفي هذا المعنى، يقول أيوب صبري قائد الاتحاديين العسكريين: (لقد وقعنا في شرك اليهود ، عندما نفذنا رغبات اليهود عن طريق الماسونيين لقاء صفيحتين من الليرات الذهبية في الوقت الذي عرض فيه اليهود ثلاثين مليون ليرة ذهبية على السلطان عبدالحميد لتنفيذ مطالبهم، إلا إنه لم يقبل بذلك)([16]).
ويقول في هذا الصدد برنارد لويس: (لقد تعاون الاخوة الماسونيون واليهود بصورة سرية على إزالة السلطان عبدالحميد، لأنه كان معارضاً قوياً لليهود، إذ رفض بشدة إعطاء أي شبر أرض لليهود في فلسطين)([17]).
وقد علق نجم الدين أربكان المجاهد الكبير زعيم حزب الرفاه في تركيا على هذا الموضوع قائلاً: (إن الحركة الماسونية سعت سعياً شديداً لعزل السلطان عبدالحميد، ونجحت في سعيها وأن أول محفل فتح في تركيا العثمانية كان على يد أميل قره صو وهو صهيوني وقد انصم إليه ضباط منطقة سالونيكا…)([18]).
وبعد إبعاد عبدالحميد الثاني من السلطة، عبرت الصحف اليهودية في سلانيك عن غبطتها في الخلاص من (مضطهد اسرائيل) كما وصفته هذه الصحف. وفي هذا الصدد يقول لوثر : (وبعد إبعاد عبدالحميد من السلطة ، عبرت الصحف اليهودية في سلانيك عن غبتطها، وأخذت تزف البشائر بالخلاص من (مضطهد اسرائيل) الذي رفض استجابة طلب هرتزل لمرتين، والذي وضع جواز السفر الأحمر الذي يقابل عندنا قانون الأجانب)([19]).
واستمرت الحملات الاعلامية المنظمة تشهر تشهيراً عنيفاً بالسلطان عبدالحميد الثاني استهدف أعداء الاسلام من تلك الحملات:
1- الدفاع عن أعضاء الاتحاد والترقي، مبررين تصرفهم في إنهاء حكم السلطان عبدالحميد كي تسترد الدولة مكانتها.
2- تغطية فشل الاتحاد والترقي في حكم الدولة، فقد لجأ رجال الاتحاد والترقي الى القوة والاستبداد ، وأثاروا الفرقة بين سكان البلاد.
3- إبراز صورة مشرقة لعهد الطاغية الملحد مصطفى كمال آتاتورك وأعوانه، وتبرير تصرفات عملاء اليهود والانكليز والدول الغربية في إلغاء الخلافة والسلطنة وإعلان الجمهورية التركية.
4- رغبة الصهاينة في تدمير سيرة السلطان عبدالحميد الثاني إنتقاماً منه لسياسته المعادية لأهدافهم في فلسطين([20]).
وحقيقة الأمر أنه لولا أصالة الدولة العثمانية وعراقتها وشموخها لأصبحت هباءً منبثا، وطويت صفحاتها في القرن الثامن عشر او القرن التاسع عشر، ولكنها ظلت تقاوم عوادي الزمن أكثر من قرنين ونتيجة للزحف الاستعماري ، والكيد اليهودي ، والنخر الماسوني ، والضعف الشديد الذي انتاب الدولة ، وهو ضعيف لم يكن للسلطان عبدالحميد مسؤلاً عنه غدت ممتلكات الدولة نهباً بين الدول الأوروبية الاستعمارية التي كانت تخطط منذ زمن بعيد للقضاء على الدولة([21]).

المبحث السادس
حكم الاتحاديين ونهاية الدولة العثمانية

تولى السلطنة والخلافة بعد السلطان عبدالحميد الثاني أخوه محمد رشاد إلا أنه في الحقيقة لايملك أي سلطة فعلية وإنما السلطة أصبحت بيد جمعية الاتحاد والترقي وغدت الحكومة العثمانية تركية في مضمونها، قومية في عصبيتها ، بينما كانت من قبل عثمانية في مضمونها وإسلامية في رابطتها. فقد تأثرت هذه الجمعية بقوة الأفكار القومية الطورانية التي تدعو الى تحرير كافة الاتراك. مدعين أن الشعوب الاسلامية في الأناضول وآسيا الوسطى تشكل أمة واحدة، وهي الأفكار التي تطورت أخيراً بمجهودات بعض كتاب الجمعية وعلى رأسها موئيز كوهين اليهودي، والكاتب التركي الشهير ضيا كوك آلب؛ فاتبعت سياسة التتريك وذلك بجعل اللغة التركية هي اللغة الرسمية الوحيدة أن كانت تقف اللغة العربية الى جانبها. فتأججت حركة الدعوة الى القومية العربية، في مواجهة حركة التتريك.
كوّن العرب حزب اللامركزية وتعني أن تأخذ الولايات غير التركية استقلالاً ذاتياً وتبقي خاضعة خارجياً لاستانبول -كما كونوا جمعيات سرية مثل الجمعية القحطانية برئاسة عبدالكريم الخليل والضابط عزيز علي المصري، والجمعية العربية الفتاة التي تشكلت في باريس عام 1329هـ على منهج جمعية تركيا الفتاة ومن قبل طلاب يدرسون هناك تشبعوا بالأفكارت الغربية وخاصة مبادئ العصبية القومية واستعمل بعضهم المصطلحات الماسونية وكان قصدهم: استقلال العرب التام، وقد نقلوا مقرهم من باريس الى بيروت ثم الى دمشق حيث ازداد عدد الأعضاء وخاصة من النصارى العرب.
وتكونت الجمعية الاصطلاحية في بيروت عام 1331هـ وتعاونت مع جمعية النهضة اللبنانية في المهجر فقدمتا رسالة مشتركة الى حكومة فرنسا عام 1331هـ التمستا فيها منها احتلال سوريا ولبنان بينما اتجه بعض مثقفي العراق نحو الانكليز وأيد بعضهم إقامة إشراف بريطاني على برامج الإصلاح، بل وحتى الى بسط الحماية البريطانية على البلاد([22]).
ولما بطش الاتحاديون بأعضاء الجمعيات العربية، قامت العربية الفتاة بعقد مؤتمر عربي في باريس سنة 1332هـ/1913م، وقد هيأ الفرنسيون المكان المناسب لعقد الاجتماع وقرر المؤتمرون :
1- ضرورة تنفيذ الإصلاح بسرعة.
2- اشراك العرب بالإدارة المركزية.
3- جعل اللغة العربية لغة رسمية في كافة الولايات العربية .
4- جعل الخدمة العسكرية محلية بالنسبة للعرب إلا حين الضرورة .
5- التعاطف مع مطالب الأرمن .
وأكد الأعضاء بأن حركتهم لا دينية وتعادل عدد النصارى مع عدد المسلمين في المؤتمر وكان برئاسة عبدالحميد الزهراوي([23]).
وقد علقت فرنسا آمالاً كبيرة على المؤتمر وكان لها العديد من الانصار في داخله ثم قامت بنشر مقرراته.
ولما قامت الحرب العالمية الأولى (1333-1337هـ/1914-1948م) دخلت تركيا الحرب الى جانب دول الوسط (ألمانيا والنمسا) في حين تمكن الانكليز (بمراسلات الحسين مكماهون) من جر العرب الى جانب الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وورسيا) فسادت فكرة القومية العربيةووقع الصدام بين العرب والترك([24]).
وسقطت تركيا بعد هزيمتها في الحرب واحتل الحلفاء واليونان أجزاء منها ووقعت الاستانة تحت سيطرة الانكليز وأصبح الخليفة كالأسير فيها.
إن خلع السلطان عبدالحميد وقيام جمعية الاتحاد والترقي في الحكم كانت خطوة أساسية نحو تحقيق المخطط الذي تم أثناء الحرب وبعد الحرب في مراحل نلخصها فيما يلي:
1- اتفاق الحلفاء على تقسيم العالم الاسلامي الخاضع للدولة العثمانية بين الحلفاء، تجلى ذلك في معاهدة سايكس بيكو سنة 1334هـ/1916م السري في الوقت الذي وعد فيه العرب بالاستقلال. وأهم ماتضمنته هذه المعاهدة:
· أن يكون جنوب العراق لبريطانيا، وساحل سوريا الشمالي (لبنان والساحل الشمالي من سوريا) لفرنسا.
· تتكون دولتنا عربيتان شمال العراق وأواسط بلاد الشام وجنوبها، يكون النفوذ في الأولى التي تشمل شمال العراق وشرق الأردن لبريطانيا، والنفوذ في الثانية التي تشكل أواسط سوريا والجزيرة الفراتية لفرنسا.
· تكون فلسطين دولية.
· تكون الآستانة والمضائق (البسفور والدردنيل) لروسيا([25]).
2- وعد بلفور الذي أصدرته بريطانيا للصهيونية في 2/11/ 1917م (محرم 1326هـ) بأن تكون فلسطين وطناً قومياً لليهود.
3- تسليم تركيا لأبشع حركة تغريب وتدمير للقيم الإسلامية بنقلها من دولة ذات طابع إسلامي إلى دولة غربية الطابع، فيمكن القول بأن الفترة التي بدأت في تركيا بخلع السلطان عبدالحميد وتولي الاتحاديين للحكم هي الفترة التي اجتمعت فيها إرادة الحاكمين والاستعمار على تصفية الدولة العثمانية وإبراز طابع الجامعة الطورانية وإبلاغ العلاقة بين الترك والعرب أشد مراحلها عنفاً وقسوة مما مهد إلى زوال الدولة والتهام الغرب للأجزاء العربية ومنح اليهود وعد بلفور الذي يعطيهم الحق في إقامة دولة فلسطين([26]).
فقد قام الاتحاديون بتوجيه الدولة وجهة قومية لا دينية، ولما احتل الانجليز استانبول ( الاستانة ) وأصبح الخليفة شبه أسير في أيديهم، وأصبح المندوب السامي البريطاني والجنرال هازنجتون ( القائد العام لقوات الحلفاء في استانبول ) هما أصحاب السيادة الفعلية([27]).
وكانت اللعبة العالمية للقضاء على الخلافة العثمانية نهائياً تستدعي اصطناع بطل تتراجع أمامه جيوش الحلفاء الجرارة وتعلق الأمة الإسلامية اليائسة فيه أملها الكبير وحلمها المنشود، وفي أوج عظمته وانتفاخه ينقض على الرمق الباقي في جسم الأمة فينهشه ويجهز عليها وهذا أفضل قطعاً من كل الـ ” مائة مشروع لتقسيم تركيا ” وهدم الإسلام([28]).
وتمت صناعة البطل بواسطة المخابرات الانجليزية بنجاح باهر، وظهر مصطفى كمال بمظهر المنقذ لشرف الدولة من الحلفاء واليونان الذين احتلوا أزمير بتمكين من بريطانيا سنة 1338هـ وتوغلوا في حقد صليبي دفين في الأناضول، فقام مصطفى كمال باستثارة روح الجهاد في الأتراك ورفع القرآن ورد اليونانيين على أعقابهم، وتراجعت أمامه قوات الحلفاء بدون أن يستعمل أسلحته وأخلت أمامه المواقع وبدأ مصطفى كمال يطفوا على السطح تدريجياً فقد ابتهج العالم الإسلامي وأطلق عليه لقب الغازي ومدحه الشعراء وأشاد به الخطباء
فأحمد شوقي قرنه بخالد بن الوليد في أول بيت من قصيدة مشهورة([29])
الله أكبر كم في الفتح من عجب
يا خالد الترك جدد خالد العرب
ثم يجعله في مصاف صلاح الدين الأيوبي حين يقول:

حذوت حرب الصلاحيين في زمن
فيه القتال بلا شرع ولا أدب
وشبه انتصاره بانتصار بدر فيقول:
يوم كبدر فخيل الحق راقصه
على الصعيد وخيل الله في السحب
تهيئة أيها الغازي وتهنئة
بآية الفتح تبقى آية الحقب([30])
فكان الناس إذا قارنوا كفاح مصطفى كمال المظفر باستسلام الخليفة وحيد الدين محمد السادس القابع في الاستانة مستكيناً لما يجري عليه من الذل، كبر في نظرهم الأول بمقدار مايهون الثاني، وزاد في سخطهم على الخليفة ما تناقلته الصحف بإهدار دم مصطفى كمال واعتباره عاصياً متمرداً. ولم يكن مصطفى كمال في نظرهم إلا بطلاً مكافحاً يغامر بنفسه لاستعادة مجد الخلافة، الذي خيل إليهم أن الخليفة يمرغه في التراب تحت أقدام الجيوش المحتلة.
ولكنه لم يلبث غير قليل حتى ظهر على حقيقته صنيعة لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى وخاصة انجلترا التي رأت أن الغاء الخلافة ليس بالأمر الهين وإن ذلك لايمكن أن يتم دون اصطناع بطل وإعطائه صورة عظيمة وإظهار هالة حوله وتصويره وكأن الكرامات تجري على يديه وعندها يمكن توجيه الطعنة على يديه بلا ألم عميق إذ الشعور قد تخدّر من نشوة الانتصارات الزائفة، فالخلفاء أنفسهم هم الذين اصطنعوا القلاقل وطلبوا من السلطان إخمادها واقترحوا اسم مصطفى كمال لتلك المهمة ليصبح محط آمال الناس وموضع تقدير ضباط الجيش فتتصاعد مكانته وهيبته وتتدهور سمعة الخليفة وينحط مركز الخلافة في أعين الناس، فألاعيب الانجليزية لاتدرك بسهولة([31]).
لقد استطاعت المخابرات الانجليزية أن تجد ضالتها المنشودة في شخصية مصطفى كمال وكانت تلك العلاقة بين المخابرات الإنجليزية ومصطفى كمال بواسطة رجل المخابرات الانجليزي ( أرمسترونج ) الذي تعززت علاقته في فلسطين وسورية، عندما كان مصطفى كمال قائداً هناك في الجيش العثماني.
نجد أرمسترونج في كتابه عن مصطفى كمال يضع إصبعه بصراحة على بداية العقد النفسية عند مصطفى كمال حينما يشير إلى الزواج الثاني لوالدته من أحد الروديسيين الميسورين، وانقطاعه عن زيارتها ولجوئه إلى أصحابه من الرهبان المقدونيين، الذين تلقفوه فلقنوه مبادئ اللغة الفرنسية، مع صديقه المقدوني ” فتحي “. فإلتهما كتب فولتير وروسو ومؤلفات هوبز وجون ستيورات ميل وغيرها من الكتب الممنوعة، حتى أصبح ينظم الشعر الملتهب بمشاعر القومية ويخطب في ملائه بالكلية العسكرية، فيحدثهم عن فساد السلطان، قبل أن يتجاوز العشرين من العمر، ثم انتقل إلى استانبول وانغمس في ملاهيها وحاناتها، وراح يشرب ويقامر ويغازل، قبل أن يسجن لانضمامه إلى ( جمعية وطن )([32]).
ويشهد ارمسترونج بعلاقة الاتحاد والترقي بالدونمة والماسونية في معرض تأريخه لحياة مصطفى كمال فيذكر كيف ( دعي لحضور أحد اجتماعاتها في بيوت بعض اليهود المنتمين للجنسية الايطالية، والجمعيات الماسونية الايطالية إذ أن جنسيتهم هذه تحميهم بحكم المعاهدات والامتيازات الأجنبية وقد دأب الاتحاديون على الاحتماء بحصانة اليهود، فكانوا يجتمعون في بيوتهم آمنين من كل خطر، وكان بعضهم كفتحي المقدوني صديق كمال القديم، قد انضم إلى جماعة الماسون ( البنائين الأحرار ) ويروي كيف استعانوا على تأليف جمعيتهم الثورية وتنظيمها باقتباس أساليب المنظمات الماسونية، وصاروا يتلقون الإعانات المالية الوافرة من مختلف الجهات ويتصلون باللاجئين السياسيين الذين نفاهم السلطان إلى خارج البلاد.
ويكشف ارمسترونج كيف وقع الاختيار على مصطفى كمال وحده، من دون بقية أقرانه، لتنفيذ آخر خطوة في الخطة البريطانية فيقول: ( ان طبيعته كانت تميل إلى أن يكون الآمر الناهي، فلم يظهر أي احترام لزعماء الاتحاديين، وتشاجر مع : أنور وجمال وجاويد اليهودي الأصل، ونيازي الألماني المتوحش، وطلعت الدب الكبير، الذي كان موظفاً صغيراً في مصلحة البريد.
وبعد أن تحول مصطفى كمال من مجرد ضابط صغير ثائر على الأوضاع الى قائد عسكري يملك رصيداً من الأمجاد والانتصارات لقبت بـ(الغازي) بفضل نفوذ رجال الاستخبارات البريطانية، ويذكرنا أرمسترونج صفحة جديدة من حياته الخاصة بعد كشفه عن مجونه وفسقه، وأهليته لنسف الخلافة الاسلامية ، فيتطرق الى زواجه الاسطوري من (لطيفة) تلك الفتاة الاميرية الموسرة التي عادت لتوها من باريس لتقدم خبراتها الادارية وثقافتها العصرية وإجادتها لعدة لغات فضلاً عن أنوثتها وسحرها مع قصر أبيها الفاخر في أزمير الى الغازي مصطفى كمال ، الذي أوقعته في حبائلها بتمنعها ودلالها فتخلص من (فكرية ) التي أرسلها الى ميونخ للعلاج من المرض الذي نقله إليها، ثم دبر أمر انتحارها كما تخلص من (صالحة) ليقوم بزواج خاطف من (لطيفة) بعد أفسد حياة (سعادت) وعشرات البنات والنساء والغلمان وغيرها، كما تؤكد ذلك الوثائق التي تركها أحد زملائه من الضباط المتقاعدين([33]). وقد كانت لطيفة نفسها ضحية من ضحاياه، فيما بعد، حيث طلقها بقرار وزاري ، وتركها فريسة للأمراض والأوجاع، بعد تحذيرها للصمت من كل شذوذه، ولم تبق بجانبه إلا (عفت) ، تلك الفنانة التي كانت له معلمة ومؤرخة، حتى استطاعت أن تقود ذلك الوحش -على حد تعبير – بأسلوب الخضوع والعبودية له.
ولكن (لطيفة) هانم أشاكي كيل لك يمنعها قانون حماية مطصفى كمال من أي هجوم أو نقد من التلميح بين سطور مذكراتها التي نشرتها صحيفة (الحرية) التركية في حزيران (يونيو) عام 1973من تسليط بعض الأضواء على حياة أتاتورك الخاصة وأفراطه في الشرب، محاولة إلقاء المسؤولية على اصحابه وزملائه أمثال: (قلج علي) و(نوري جنكر) ، و(رجب هدى) الذي كانوا يتعمدون اهدار وقته وهم مجموعة من القتلة والاشقياء المعروفين الذين ضمهم الى حاشيته ولحراسته وأصبح بعضهم يرفع الكلفة معه الى أبعد الحدود بعد تنفيذهم للعديد من المهمات الاجرامية التي كلفهم بها للتخلص من بعض خصومه([34]).
إن تلك الأخلاق العفنة التي اشتهر بها مصطفى كمال لاتستغرب منه خصوصاً عندما نعلم أن أصله من يهود الدونمة.
فقد جاء في دائرة المعارف اليهودية : (لقد أكد الكثير من اليهود سلانيك أن كمال آتاتورك كان أصله من الدونمة، وهذا هو أيضاً رأي الاسلاميين المعارضين لكمال آتاتورك، ولكن الحكومة تنكر ذلك)([35]).
ويعلق تويني على نسب مصطفى كمال قائلاً: (إن دماً يهودياً يجري في عروق الأسرة الكمالية. فقد كانت سلانيك مهبط اليهود أيام محنتهم. وقد درؤوا عقائدهم باعتناق الاسلام . ولكن طبائع مصطفى كمال ولون عينه وتكوينه الجسمي يبعده عن أن يكون متأثراً بدماء يهودية)([36]).
ويقول أسامة عيناي : (أن الدونمة يعتزون كثيراً بآتوتورك ويعتقدون اعتقاداً راسخاً أنه منهم وحجتهم في ذلك أن أتاتورك أسفر عن نياته ضد الاسلام حين تولى الحكم)([37]).
إن افعال مصطفى كمال دلت على بغضه للاسلام فيما بعد، فبينما كان في عام 1337هـ عندما انتصر على اليونان في أنقرة يعلن أمام الشعب: (إن كل التدابير التي ستتخذ لا يقصد منها غير الاحتفاظ بالسلطنة والخلافة وتحرير السلطان والبلاد من الرق الأجنبي)([38])، نجده بعد أن تمكن من العباد والبلاد في عام 1341هـ/1923م تعلن الجمعية الوطنية التركية بزعامته عن قيام الجمهورية التركية وانتخب مصطفى كمال أول رئيس لها، وتظاهر بالاحتفاظ مؤقتاً بالخلافة فاختير عبدالمجيد بن السلطان عبدالعزيز خليفة بدلاً من محمد السادس الذي غادر البلاد على بارجة بريطانية الى مالطة ولم يمارس السلطان عبدالمجيد أي سلطات للحكم([39]).
كان الخليفة عبدالمجيد رجلاً مهذباً مثقفاً كما يليق بسلالة بني عثمان، وقد اصبح في نظر الاتراك الصلة الحية بالتراث والتاريخ العثماني الاسلامي ، وكانت جماهير استانبول تهرع لإلقاء نظرة عليه وتحيته كل جمعة وهو في طريقه لأداء الفريضة، وكان الخليفة مدركاً تمام الإدراك مكانة منصبه السامية، وعراقة السلالة التي ينتمي إليها، فكان مرة يرتدي عمامة محمد الفاتح وثانية يتقلد لسيف السلطان سليمان القانوني.
استشاط مصطفى كمال غيظاً فما كان ليطيق أن يرى أو يسمع عن محبة الناس وتعلقهم بآل عثمان وبالخلافة والسلطنة، فمنع الخليفة من الخروج للصلاة ثم خفض مخصصاته للنصف وحكم مصطفى كمال البلاد بالحديد والنار، وضمن تأييد الدول العظمى لسياسته التعسفية.
دعا مصطفى كمال الجمعية التأسيسية إلى اجتماع في 3 آذار/ مارس 1924م، وكان على ثقة تامة من أن أحداً في الجمعية التأسيسية – التي لم يبقى منها سوى اسمها – لن يجرؤ على معارضته، وطرح على الجمعية مشروع قرار بإلغاء الخلافة التي أسماها ” هذا الورم من القرون الوسطى “([40])، وقد أجيز القرار الذي شمل نفي الخليفة في اليوم التالي دون مناقشة، وانطفأت على يد مصطفى كمال شعلة الخلافة التي كان المسلمون طيلة القرون يستمدون من بقائها رمز وحدتهم واستمرار كيانهم([41]).
لقد كان مصطفى كمال ينفذ مخططاً مرسوماً له في المعاهدات التي عقدت مع الدول الغربية، فقد فرضت معاهدة لوزان سنة 1340هـ/1923م على تركيا فقبلت شروط الصلح والمعروفة بشروط كرزون الأربع ” وهو رئيس الوفد الانجليزي في مؤتمر لوزان ” وهي:
1- قطع كل صلة لتركيا بالإسلام.
2- إلغاء الخلافة الإسلامية إلغاءً تاماً.
3- إخراج الخليفة وأنصار الخلافة والإسلام من البلاد ومصادرة أموال الخليفة.
4- اتخاذ دستور مدني بدلاً من دستور تركيا القديم([42]).
وعم الاستياء الشديد العالم الإسلامي، فشوقي الذي مدحه سابقاً بكى الخلافة فقال:
عادت أغاني العرس رَجْعَ نواح
ونُعيتِ بين معالم الأفراح
كُفِنتِ في ليلِ الزِفاف بثوبه
ودُفنتِ عند تَبَلُج الإصباحِ
ضَجَتْ عليك مآذن ومنابر
وبكيت عليك ممالكُ ونواحِ
الهندُ والهة، ومصر حزينة
تبكي عليك بمدمع سحاحِ
والشام تسأل، والعراق وفارسٌ
أمَحا من الأرض الخلافة ماحِ
ياللرجال لحُرةٍ مؤودة
قُتِلتْ بغير جريرة وَجُناحِ

ثم انبرى شوقي بوجه التقريع والنقد الشديد الى اتاتورك الذي يريد بجرة قلم وبالحديد والنار أن ينقل الاتراك رغم أنوفهم من آسيا الى أوروبا ، ومن جذورهم العميقة في الشرق الى الانتظار على أبواب الغرب:
بَكتِ الصلاة وتلك فِتنةُ عابثٍ
بالشرع عربيدِ القضاء وَقاحِ
أفتى خُزَعبلةٍ وقال ضلالة
وأتى بكفر في البلاد بُواحِ
إن الذين جرى عليهم فِقْهُهُ
خُلقِوا لفِقِهِ كتبية وسِلاحِ
نَقَل الشرائعَ والعقائد والقُرى
والناسَ نَقْلَ كتائب في الساحِ
تركته كالشبح المؤلة أمه
لم تَسْلُ بَعْدُ عبادة الأشباحِ
غرته طاعات الجموع ودولة
وَجَد السواد لها هوى المرتاح([43])
ولم يترك شوقي أن يبين سبب ظهور هؤلاء المتسلطين الى جهل الشعوب واستسلامها للطغاة المستبدين فقال:
مجدُ الأمور زواله في زَلةٍ
لا ترْج لا سمك بالأمور خلوداً
خلعته دون المسلمين عِصابةُ
لم يجعلوا للمسلمين وجوداً
يقضون ذلك عن سواد غافل
خُلِقَ السواد مضَلَلا ومَسْودا
إلـيّ نظرت الى الشعوب فلم أجد
كالجهل داءً للشعوب مُبيْدا
وإذا سبي الفردُ المسلط مجلساً
ألفيت أحرار الرجال عبيداً([44])
لقد نفذ مصطفى كمال المخطط كاملاً وابتعد عن الخطوط الاسلامية ودخلت تركيا لعمليات التغريب البشعة؛ فألغيت وزارة الأوقاف سنة 1343هـ/1924م، وعهد بشؤونها الى وزارة المعارف. وفي عام 1344هـ/1925م أغلقت المساجد وقضت الحكومة في قسوة بالغة على كل تيار ديني وواجهت كل نقد ديني لتدبيرها بالعنف. وفي عام (1350-1351هـ/1931-1932م) حددت عدد المساجد ولم تسمح بغير مسجد واحد في كل دائرة من الأرض يبلغ محيطها 500متر وأعلن أن الروح الاسلامية تعوق التقدم.
وتمادى مصطفى كمال في تهجمه على المساجد فخفض عدد الواعظين الذين تدفع لهم الدولة أجورهم الى ثلاثمائة واعظ ، وأمرهم أن يفسحوا في خطبة الجمعة مجالاً واسعاً للتحدث على الشؤون الزراعية والصناعية وسياسة الدولة وكيل المديح له. وأغلق أشهر جامعين في استانبول وحول أولهما وهو مسجد آيا صوفيا الى متحف، وحول ثانيهما وهو مسجد الفاتح الى مستودع.
أما الشريعة الاسلامية فقد استبدلت وحل محلها قانون مدني أخذته حكومة تركيا عن القانون السويسري عام 1345هـ/1926م. وغيرت التقويم الهجري واستخدمت التقويم الجريغوري الغربي، فأصبح عام 1342هـ ملغياً في كل أنحاء تركيا وحل محله عام 1926م.
· وفي دستور عام 1347هـ/1928م أغفل النص على أن تركيا دولة إسلامية، وغير نص القسم الذي يقسمه رجال الدولة عند توليهم لمناصبهم، فأصبحوا يقسمون بشرفهم على تأدية الواجب بدلاً من أن يحلفوا بالله كما كان عليه الأمر من قبل.
· وفي عام 1935م غيرت الحكومة العطلة الرسمية فلم يعد الجمعة، بل أصبحت العطلة الرسمية للدولة يوم الاحد، وأصبحت عطلة نهاية الاسبوع تبدأ منذ ظهر يوم السبت وتستمر حتى صباح يوم الاثنين.
· وأهملت الحكومة التعليم الديني كلية في المدارس الخاصة، ثم تم إلغاءه بل أن كلية الشريعة في جامعة استانبول بدأت تقلل من أعداد طلابها التي أغلقت عام 1352هـ/1933م.
· وامعنت حكومة مصطفى كمال في حركة التغريب فأصدرت قراراً بإلغاء لبس الطربوش وأمرت بلبس القبعة تشبهاً بالدول الأوروبية([45]).
· وفي عام 1348هـ/1929م بدأت الحكومة تفرض إجبارياً استخدام الأحرف اللاتينية في كتابة اللغة التركية بدلاً من الأحرف العربية. وبدأت الصحف والكتب تصدر بالأحرف اللاتينية وحذفت من الكليات التعليم باللغة العربية واللغة الفارسية، وحرم استعمال الحرف العربي لطبع المؤلفات التركية واما الكتب التي سبق لمطابع استانبول أن طبعتها في العهود السالفة، فقد صدرت الى مصر، وفارس، والهند، وهكذا قطعت حكومة تركيا مابين تركيا وماضيها الاسلامي من ناحية، ومابينها وبين المسلمين في سائر البلدان العربية والاسلامية من ناحية اخرى([46]).
· وأخذ أتاتورك ينفخ في الشعب التركي روح القومية، واستغل مانادى به بعض المؤرخين من أن لغة السومريين أصحاب الحضارة القديمة في بلاد مابين النهرين كانت ذات صلة باللغة التركية فقال: بأن الأتراك هم أصحاب أقدم حضارة في العالم ليعوضهم عما أفقدهم إياه من قيم بعد أن حارب كل نشاط إسلامي وخلع مصطفى كمال على نفسه (أتاتورك) ومعناه أبو الأتراك([47]).
· وعملت حكومته على الاهتمام بكل ماهو أوروبي فازدهرت الفنون واقيمت التماثيل لأتاتورك في ميادين المدن الكبرى كلها، وزاد الاهتمام بالرسم والموسيقى ووفد الى تركيا عدد كبير من الفنانين اغلبهم من فرنسا والنمسا([48]).
· وعملت حكومته على إلغاء حجاب المرأة وأمرت بالسفور ، وألغي قوامة الرجل على المرأة وأطلق لها العنان باسم الحرية والمساواة، وشجع الحفلات الراقصة والمسارح المختلطة والرقص.
· وفي زواجه من لطيفة هانم ابنه أحد أغنياء أزمير الذين كانوا على صلة كبيرة مع اليهود من سكان أزمير، أجرى مراسم الزواج على الطريقة الغربية كي يشجع على نبذ العادات الاسلامية واصطحبها وطاف بها أرجاء البلاد وهي بادية المفاتن تختلط مع الرجال وترتدي أحدث الأزياء المعينة على التبرج الصارخ([49]).
· وأمر بترجمة القرآن الى اللغة التركية ففقد كل معانيه ومدلولاته، وأمر أن يكون الأذان باللغة التركية([50]).
· عمل على تغيير المناهج الدراسية وأعيد كتابة التاريخ من أجل إبراز الماضي التركي القومي، وجرى تنقية اللغة التركية من الكلمات العربية والفارسية، وأستبدلت بكلمات أوروبية أو حثية قديمة.
· وأعلنت الدولة عزمها في التوجيه نحو أوروبا وانفصلت عن العالم الاسلامي والعربي، وامعنت حكومتها من استدبار الاسلام حتى حاربت بقسوة أي محاولة ترمي الى إحياء المبادئ الاسلامية([51]).
وكان خطوات مصطفى كمال هذه بعيدة الأثر في مصر وأفغانستان وإيران والهند الاسلامية، وتركستان وفي كل مكان من العالم الاسلامي، إذ أتاحت الفرصة لدعاة التغريب وخدام الثقافة الاستعمارية أن ينفذوا الى مكان الصدارة وأن يضربوا المثل بتركيا في مجال التقدم والنهضة المزعومة، فقد هللت له صحف مصر -الاهرام، والسياسة والمقطم- ذات الاتجاهات المضادة للاسلام ، والمدعومة النفوذ الغربي واليهودي والماسوني.
لقد بررت تلك الصحف تصرفات كمال أتاتورك ووافقت عما ابتدعه، ونشرت له أقوال:(ليس لتركيا الجديدة علاقة بالدين). وأنه -اي مصطفى كمال- : (ألقى القرآن ذات يوم في بده فقال : ان ارتقاء الشعوب لايصلح أن ينفذ بقوانين وقواعد سنت في العصور الغابرة).
لقد كانت حكومة تركيا العلمانية الكمالية -هي كما وصفها الأمير شكيب أرسلان- ليست حكومة دينية من طراز فرنسا والانكلترا فحسب، بل هي دولة مضادة للدين كالحكومة البلشفية في روسيا سواء بسواء، إذ أنه حتى الدول اللادينية في الغرب بثوراتها المعروفة لم تتدخل في حروف الاناجيل وزي رجال الدين وطقوسهم الخاصة وتلغى الكنائس([52]).
وكان للاعلام اليهودي دور كبير في الترويج لهذه الردة ، مثلما كان له دوره البارز في تشجيع أتاتورك على البطش بأية معارضة اسلامية ، وكانت تزين له أن مايقوم به من المذابح والوحشية ضد المسلمين ليست سوى معارك بطولية، كما كانت منبراً لكل دعوات التشبه بالغرب الصليبي والمناداة بالحرية الفاجرة للمرأة التركية، والترويج لفنون الانحلال الخلقي معتبرة أن شرب الخمر والمقامرة والزنا ليست إلا مظاهر للتمدن والتحضر([53]).
إن الحقيقة المرة أن مصطفى كمال أصبح نموذجاً صارخاً للحكام في العالم الاسلامي وكان لأسلوبه الاستبدادي الفذ أثره في سياسات من جاء بعده منهم، كما أنه أعطى الاستعمار الغربي مبرراً كافياً للقضاء على الاسلام فإن فرنسا مثلاً بررت حرصها على تنصير بلاد شمال الأفريقي وأخراجها من دينها وعقيدتها واسلامها بأنه لايجب عليها أن تحافظ على الاسلام أكثر من الأتراك المسلمين أنفسهم([54]).
لقد أصبح مصطفى كمال زعيماً روحياً لكثير من الحكام الذين باعوا آخرتهم بدنياهم الزائلة.
قاد المسلمون ثورات مسلحة ضد الحكم العلماني التركي المعادي للاسلام وظهرت أهم الثورات في المنطقة الجنوبية الشرقية عام 1344هـ، ثم في منيمين عام 1349هـ وقد قمعها الكماليون بشدة منقطعة النظير وذهب ضحيتها عدد كبير من العلماء، وأهملت المنطقة اقتصادياً وعلمياً.
وقامت حركة النور بزعامة الشيخ بديع الزمان سعيد النورس وتلاميذه من بعده، وقد كتب العديد من الرسائل الاسلامية تحت عنوان (رسائل النور) في سبيل التوعية الاسلامية ومقاومة مبادئ الكماليين والعلمانية، ولم تعمد حركته الى حمل السلاح واقتصر جهادها على اللسان. وقد حاول أتاتورك استمالته ونافشه واستنكر دعوته الناس الى الصلاة مدعياً أنها تثير الفرقة بين أعضاء المجلس فاجابه:
(إن أعظم حقيقة تتجلى بعد الاسلام إنما هي في الصلاة، وان الذي لايصلي خائن وحكم الخائن مردود)([55]).
فسجنه ثم نفاه بعد أن اتهمه بمؤامرة لقلب نظام الحكم، ولكن دعوته استمرت في الانتشار سراً بين صفوف الجامعين ومعسكرات الجيش ودوائر الدولة، ومثل للمحاكمة مرة أخرى بتهمة أتاتورك بالدجال، فوقف أمام المحكمة وقال:
(إنني لأعجب كيف يتهم أناس يتبادلون فيما بينهم تحية القرآن وبيانه ومعجزاته باتباعهم للسياسة والجمعيات السرية، على حين يحق للمارقين الافتراء على القرآن وحقائقه في وقاحة وإصرار، ثم يعد ذلك أمراً مقدساً لأنه حرية. أما نور القرآن الذي يأبى إلا أن يشع في أفئدة ملايين المسلمين المرتبطين بدستوره ، فهو خطورة ينهال عليها جميع ألفاظ الشر والخبث والسياسة…
أسمعوا يامن بعتم دينكم بدنياكم وتنكستم في الكفر المطلق: إنني أقول بمنتهى ما أعطاني الله من قوة إفعلوا مايمكنكم فعله فغاية مانتمناه أن نجعل رؤسنا فداءً لأصغر حقيقة من حقائق الاسلام….)([56]).
فأعيد الى منفاه وبقي حتى عام 1367هـ حين بدأت الحكومة تضطر للاستجابة لمطالب الشعب المسلم بخصوص النشاط الديني([57]).
لقد تجلت سياسة أتاتورك العلمانية في برنامج حزبه (حزب الشعب الجمهوري ) لعام 1349هـ مرة وعام 1355هـ مرة ثانية والتي نص عليها الدستور التركي وهي المبادئ الستة التي رسمت بشكل ستة أسهم على علم الحزب وهي : القومية ، الجمهورية ، الشعبية ، العلمانية، الثورة، سلطة الدولة)([58]).
توفي أتاتورك عام 1356هـ بعد أن حقق علمانية تركيا رغم أنف المسلمين. لقد أصيب مصطفى كمال بمرض قبل وفاته بسنين بمرض عضال في الكلية لم تعرف كنهته. وكان يتعرض لآلام مبرحة مزمنة لاتطاق، كانت السبب في إدمانه على شرب الخمر مما أدى الى إصابته بتليف الكبد والتهاب في أعصابه الطرفيه وتعرضه لحالات من الكآبة والانطواء -وقد تدهور في المستويات العليا للمخ- لذلك كان هذا الديكتاتور مثلاً فريد في القسوة والتنكيل والأنانية المدمرة([59]).
([1]) انظر: اليهود والدولة العثمانية، ص168.
([2])انظر: العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص50.
([3]) انظر: السلطان عبدالحميد الثاني، ص282،283.
([4]) انظر: السلطان عبدالحميد الثاني، ص283.
([5]) انظر: العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص50.
([6]) انظر: صحوة الرجل المريض، ص410.
([7]) المصدر السابق نفسه، ص410.
([8]) انظر: العثمانيون في التاريخ والحضارة، ص51.
([9]) انظر: اليهود والدولة العثمانية، ص219.
([10]) المصدر السابق نفسه، ص220.
([11]) المصدر السابق نفسه، ص221.
([12]) المصدر السابق نفسه، ص223.
([13]) انظر: اليهود والدولة العثمانية، ص223.
([14]) انظر: السلطان عبدالحميد الثاني، ص88.
([15]) انظر: اليهود والدولة العثمانية، ص228.
([16]) المصدر السابق نفسه، ص229.
([17]) المصدر السابق نفسه، ص229.
([18]) انظر: اليهود والدولة العثمانية، ص229.
([19]) المصدر السابق نفسه، ص230.
([20]) انظر: الدولة العثمانية ، د. الشناوي (2/1018-1023).
([21]) المصدر السابق نفسه (2/1061).
([22]) انظر: تاريخ الدولة العثمانية ، د. علي حسون، ص249.
([23]) انظر: حاضر العالم الاسلامي ،د. جميل المصري (1/109).
([24]) المصدر السابق نفسه (1/110).
([25]) انظر: حاضر العالم الاسلامي (1/110)
([26]) المصدر السابق نفسه (1/110)
([27]) المصدر السابق نفسه (1/111).
([28]) انظر: العلمانية ، د. سفر الحوالي ، ص569.
([29]) انظر: حاضر العالم الاسلامي (1/111).
([30]) انظر: حاضر العالم الاسلامي (1/111).
([31]) انظر: تاريخ الدولة العثمانية، ص277.
([32]) انظر: صحوة الرجل المريض، ص265،266.
([33]) انظر: صحوة الرجل المريض، ص267.
([34]) المصدر السابق نفسه، ص267.
([35]) انظر: يهود الدونمة، د.النعيمي، ص87 الى 89.
([36]) المصدر السابق نفسه، ص90.
([37]) المصدر السابق نفسه، ص94.
([38]) انظر: حاضر العالم الاسلامي (1/112).
([39]) انظر: حاضر العالم الاسلامي (1/112).
([40]) انظر: التاريخ العثماني في شعر أحمد شوقي لمحمد ابوغدة ، ص110.
([41]) المصدر السابق نفسه، ص110.
([42]) انظر: تاريخ الدولة العثماني، د.علي حسون ،ص287.
([43]) انظر : التاريخ العثماني في شعر أحمد شوقي، ص112.
([44]) انظر: الشوقيات ديوان احمد شوقي (1/112).
([45]) انظر: حاضر العالم الاسلامي (1/115).
([46]) المصدر السابق نفسه (1/115).
([47]) انظر: حاضر العالم الاسلامي (1/115).
([48]) انظر : المسألة الشرقية للدسوقي ، ص428-432.
([49]) انظر: حاضر العالم الاسلامي (1/116).
([50]) المصدر السابق نفسه (1/116).
([51]) انظر: الاتجاهات الوطنية لمحمد حسين (2/100).
([52]) انظر : العلمانية ، د. سفر الحوالي ، ص573.
([53]) انظر: حاضر العالم الاسلامي (1/117).
([54]) انظر: العلمانية، د.سفر الحوالي، ص573.
([55]) انظر: حاضر العالم الاسلامي (1/117).
([56]) انظر: حاضر العالم الاسلامي (1/122).
([57]) المصدر السابق نفسه (1/122).
([58]) المصدر السابق نفسه (1/116).
([59]) انظر: المسألة الشرقية ، محمد ثابت الشاذلي ، ص242.

ماذا تعرف عن الملك فاروق و مصر فى عهد الملك فاروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *