حرف القاف
[قتيلة بنت النضر بن الحارث]
قتيلة بنت النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن مناف بن عبد الدارين قصي القرشية العبدرية.
كان أبوها طبيب العرب وحارب النضر في يوم بدر مع قريش فأسر, ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله فقتل.
قال التبريزي: كان النبي صلى الله عليه وسلم تأذى به فقتله صبراً, وكان من جملة أذاه أنه كان يقرأ الكتب في أخبار العجم على العرب ويقول: إن محمداً يأتيكم بأخبار ثمود وعاد, وأنا منبئكم بأخبار الأكاسرة والقياصرة يريد بذلك القدح بنبوته.
وقال ابن عباس في قول الله تعالى: (ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا) [لقمان: 6 ] إنها نزلت في النضر بن الحارث وكان يشتري كتب الأعجام من فارس والروم وكتب أهل الحيرة فيحدث بها أهل مكة, وإذا سمع القرآن أعرض عنه واستهزأ به, فلما أسر يوم بدر أمر النبي علياً أن يضرب عنقه وعنق عقبة بن أبي معيط صبراً فقتلا فقالت فتيلة ترثي أباها.
وفي بعض الروايات أنها أتت محمداً فأنشدت الأبيات الآتية فرق لها النبي وبكى وقال لها: لو جئتني من قبل لعفوت عنه, ثم قال: لا تقتل قريش صبراً بعد هذا والأبيات رواها كثيرون وشرحها شارح الحماسة وهي:
يا رابكـاً إن الأثـيل مـظـنة | من صبح خامسة وأنت موفق | |
أبلغ به مـيتـاًً فـإن تـحـية | ما أن تزال بها النجائب تعنق | |
مني إليه وعبرة مـسـفـوحة | جادنت لمانحها وأخرى تحنق | |
فليسمعن النضـر إن نـاديتـه | إن كان يسمع ميت أو ينطـق | |
ظلت سيوف بني أبيه تنـوشـه | لله أرحام هنـاك تـشـقـق | |
قسراً يقاد إلى المنية معـتـبـاً | رسف المقيد وهو عان موثق | |
أمحمد أو لست صنـو نـجـيبة | في قومها والفحل فحل معرق | |
ما كان ضرك لو مننت وربمـا | من الفتى وهو المغيظ المحنق | |
لو كنت قابل فـدية لـفـديتـه | بأعز ما يغلو لديك وينـفـق | |
فالنضر أقرب من تركت قرابة | وأحقهم إن كان عتق يعـتـق |
وبعدما انتهت من قصيدتها وقال لها النبي ما قال. قالت تمدحه بقصيدة مطولة -عثرنا منها على هذا البيت-:
الواهب الألف لا يبغي به بـدلاً | إلا الإله ومعروفاً بما اصطنعا |
وهذه القصيدة لعمري إنها من القصائد التي يحق الافتخار بها لأنها صادرة من ذات قناع, وقد علمت قوة قائلتها من انسجام هذا البيت الذي ذكر منها لأنه في غاية الرقة والانسجام.
وتزوجت قتيلة بعبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس فولدت له علياً والوليد ومحمداً وأم الحكم وقد أسلمت بعد قتل أبيها وصارت من الصحابيات المروي عنهن الحديث توفيت في خلافة عمر بن الخطاب.
قلم الصالحية جارية صالح بن عبد الوهاب
كانت جارية صفراء, حلوة حسنة الغناء والضرب, حاذقة. قد أخذت عن إبراهيم وعن ابنه إسحاق ويحيى الملكي, وزبير بن دحمان. وكانت لصالح بن عبد الوهاب, واشتراها الواثق, وكان الواثق قد جمع أرباب الغناء فغنى أحدهم بين يديه لحناً لقلم في شعر محمد بن كناس وهو:
في انقباض وحشـمة فـإذا | صادفت أهل الوفاء والكرم | |
أرسلت نفسي على سجيتهـا | وقلت ما قلت غير محتشم |
فسأل لمن الصنعة فيه فقيل: لقلم الصالحية جارية صالح بن عبد الوهاب فبعث إلى محمد بن عبد الملك الزيات فأحضره فقال: ويلك, من هو صالح بن عبد الوهاب هذا؟ فأخبره به قال: ابعث له فأشخصه هو وجاريته فقدما على الواثق فدخلت قلم فأمرها بالجلوس والغناء فغنت, فاستسحن غناءها, وأمر بابتباعها فقال صالح: أبيعها بمائة ألف دينار وولاية مصر؟ فغضب الواثق من ذلك وردها عليه, ثم غنى بعده زرنب الكبير في مجلس الواثق صوتاً لقلم وهو:
أبت دار الأحبة أن تبينـا | أجدك ما رأيت لها معنياً | |
تقطع نفسه من حب ليلى | نفوساً ما أثبن ولا جزينا |
فسأل لمن الغناء فقيل: لقلم جارية صالح. فبعث إلى ابن الزيات أن أشخص صالحاً ومعه قلم, فلما أشخصها دخلت على الواثق فأمرها أن تغنيه هذا الصوت فغنته فقال لها: الصنعة فيه لك. قالت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: بارك الله فيك. وبعث إلى صالح فأحضر فقال: أما إذا وقعت الرغبة فيها من أمير المؤمنين فما يجوز أن أملك شيئاً له فيه رغبة, وقد أهديتها إلى أمير المؤمنين فإن من حقها على إذا تناهيت في قضائه أن أصيرها ملكه فبارك الله له فيها فقال له الواثق: قد قبلتها.
وأمر ابن الزيات أن يدفع له خمسة آلاف دينار وسماها احتياطاً فلم يعطه لن الزيات المال ومطله به فوجه صالح إلى قلم من أعلمها ذلك فغنت الواثق وقد اصطبح صوتاً فقال لها: بارك الله فيك وفيمن رباك فقالت: يا سيدي, وما نفع من رباني مني إلا التعب والغرم علي والخروج مني صفراً قال: أولم آمر له بخمسة آلاف دينار قالت: بلى.
ولكن ابن الزيات لم يعطه شيئاً فدعا بخادم من خاصة الخدم ووقع إلى ابن الزيات بحمل خمسة آلاف دينار إليه وخمسة آلاف أخرى معها قال صالح: فصرت مع الخادم إليه بكتاب فقربني.
وقال: أما الخمسة آلاف الأول فخذها فقد حضرت والخمسة الآلاف الأخرى أنا أدفعها إليك بعد جمعة, فقمت, ثم تناساني كأنه لم يعرفني وكتبت إليه كتاباً أقتضيه فبعث إلي اكتب لي قبضاً بها (أي وصلاً) وخذها بعد جمعة فكرهت أن أكتب قبضاً بها فلا يحصل لي شيء فاستترت منه في منزل صديق لي, فلما بلغه استتاري خاف أن أشكوه إلى الواثق فبعث إلي بالمال وأخذ كتابي بالقبض, وابتعت بالمال ضيعة, وتعلقت بها وجعلتها معاشي.
قمر جارية إبراهيم بن حجاج اللخمي صاحب إشبيلية
كانت من أهل الفصاحة والبيان والمعرفة بصنعة الألحان وجلبت إليه من بغداد, وجمعت أدباً وظرفاً ورواية وحفظاً مع فهم بارع, وجمال رائع, وكانت تقول الشعر بفضل أدبها ولها في مولاها تمدحه:
ما في المغارب من كريم نرتجي | إلا حليف الجـود إبـراهـيم | |
إني حللت لديه منـزل نـعـمة | كل المنازل مـا عـداه ذمـيم |
ومن قولها تشوقاً إلى بغداد:
آها على بغـدادهـا وعـراقـهـا | وظبائها والسحر في أحـداقـهـا | |
ومحالها عنـد الـفـرات بـأوجـه | تبدو أهلتها عـلـى أطـواقـهـا | |
متبخترات في النـعـيم كـأنـمـا | خلق الهوى العذري من أخلاقهـا | |
نفسي الفداء لها فـأي مـحـاسـن | في الدهر تشرق من سني أشراقها |
ومن حسن صوتها وجمالها وتهذيبها حظيت عند مولاها وبقيت عنده في عز وإقبال إلى أن ماتت فأسف عليها أسفاً شديداً.
حرف الكاف
كاترينا هنريات دوبلذاك دوانتزغ
مركيزة “فرنل” حليلة “هنري الرابع” ملك فرنسا ولدت في أرليان سنة 1579 للميلاد. توفيت في باريس 24 شباط سنة
أما “كاترينا” فكانت بديعة المعاني غاية في الجمال والدلال والذكاء فتنة للناس ذكرها رجال الدولة ل “هنري الرابع” بعد موت عشيقته غبرياله دواستري فهام بها قبل أن يراها ولما التقيا ألقته في شرك الغرام فلم يجد عنها بعد ذلك سلوى وكانت برشاقتها ورقتها تزيده شغفاً بها فأعطاها 500 ألف فرنك وعاهدها خطاً على أن يتزوجها إذا ولدت له ولداً ذكراً, فلما نمى الخبر إلى وزيره “سلي” استشاط غيظاً, ومزق المعاهدة. أما “هنري” فكتبها ثانية وقدمها لها في تشرين الأول سنة
وسنة
أما “ماري دومديشي” فكانت تلح على “هنري الرابع” باسترجاع معاهدة الزواج التي عقدها معها وهي تمانع في ذلك أشد الممانعة, وتريها لكل من يرغب في الاطلاع عليها غير أن تمنعها أوقع بينها وبين هنري خصاماً, فطلبت إليه أن يسمح لها بالذهاب إلى إنكليرا مع أولادها فسمح لها بذلك بشرط أن ترد عليه المعاهدة, ولكنها لم تسلمها إلا بعد أن قبضت 100 ألف فرنك, وعدلت عن السفر إلى إنكلترا فبقيت في فرنسا وواطأت جماعة على خلع الملك من جملتهم أبوها والكونت “دواوفرن” أخوها لأمها.
فلما كشفت المؤامرة حكم عليها بالموت وذلك في شباط سنة
“وغستون هنري دوفرنل” ولد سنة
كاترينا دوماتوفنادشكوف
أميرة روسيا ولدت في سنة
وليس من المحقق أن ما استخدمت من الوسائل لتقوية تلك المؤامرة كان موافقاً للناموس فعند قتله لبست ثوب رجل وامتطت جواداً وقادت فرقة من العساكر ولم تكن المكافأة التي حصلت عليها من الإمبراطورة كافية ورفضت أن تجعلها قائدة للحرس الإمبراطوري وآل ميلها إلى الاستقلال وخشونة طبعها إلى حرمانها من رضا الإمبراطورة, فاعتزلت عن البلاط وأكبت على الدرس والمطالعة ومعاشرة العلماء وبعد وفاة زوجها ساحت في غربي أوروبا.
وسنة
كاترينا إمبراطورة الروسيا الأولى
ولدت كاترينا في شمالي ولاية لبغونيا سنة
ثم اتصلت بالأميرة فشيكوف ورآها عندها الإمبراطور بطرس الأكبر فراعه جمالها, ولطف حديثها فقربها منه وكان قد طلق زوجته لمخالفتها له في المبدأ والرأي فعمد كاترينا في كنيسة الروم وسماها باسم كاترينا الكسيونا وأشهر زواجه بها سنة
فلما رآها لم يتضرر من دخولها لاحتياجه إلى سديد رأيها فأشارت عليه أنه يصالح العثمانيين ويرد لهم البلاد التي أخذها منهم وقالت: إنها تتكفل بإرضاء بلطجي محمد قائد الجيش العثماني فسر منها وفوض إليها تدبير الأمر, فاختارت ضابطاً حكيماً وأرسلته إلى عسكر العثمانيين بهدية سنية من الجواهر الغراء والنقود فعقدت شروط الصلح وأمضاها الفريقان, وقد ارتاب كثيرون من المتأخرين في صحة هذا الخبر وقالوا: إنه لا صحة لما يروى من مداخلة كاترينا في عقد الصلح ومهما يكن من الأمر فلا شبهة في أن الإمبراطور نفسه كان يحسب لها فضلاً في نجاته من الجنود العثمانية هو وجنوده وبعد ثلاث سنوات, ولدت له ابنة ففرح بها فرحاً عظيماً وصنع رتبة القديسة كاترينا إكراماً لزوجته, وجعل لها عيداً كل سنة تذكاراً لها, واتفق أنه تغلب قبيل ذلك على الأسطول الأسوجي, وأسر أميره فأتى بالأسرى في هذا العيد ودخل بهم مدينة بطرس برج باحتفال عظيم.
ثم سافر في ممالك أوروبا لينظر في سياستها ويسبر غور رجالها وأخذ زوجته معه فولدت في أثناء الطريق ولداً لم يعش إلا يوماً واحداً, وكان هو قد سبقها قليلاً فأسرعت إليه وهي نفساء لكي لا يمل من انتظارها, وهذا دليل على أن رفاهية البلاط الكلوكي لم تغير من طباعها ولا أضعفت من همتها, وكانت تتفقد معه الأماكن التي زارها في سياحته الأولى حينما زار أوروبا لكي يتعلم صنائع أهاليها وفنونهم وسنة
وكما فعل الملوك المسيحيون الشرقيون في الأزمان الغابرة كالقيصر “بازلند” الذي توج زوجته “زنوبيا” القيصر “بوستنياتوس” الذي توج زوجته “لويسينا” والقيصر “هرقل” توج زوجته “مرتينا”, والإمبراطور “ليون” الفيلسوف الذي توج زوجته “ماريا”, وكذا جماعة غيرهم من القياصرة قد وضعوا التاج الإمبراطوري على رؤوس نسائهم نسائهم ولا محل لذكرهم هنا جميعهم.
ومن المعلوم أننا طالما خاطرنا بأنفسنا واقتحمنا الشدائد والأهوال مدة الحرب الأخيرة التي مكثت إحدى وعشرين سنة متوالية لحفظ وطننا وقد أنهيت هذه الحروب بعون الله بالشرف الكامل, وبالصلح الذي لم يسبق أنه وقع مثله لدولة روسيا ولم تحز قط من الفخار ما حازته بهذه الحروب, وحيث إن زوجتنا الإمبراطورة كاترينا قد ساعدتنا على الخلاص من ربقة هذه الأخطار في عدة وقائع ولاسيما التي حصلت بينا وبين الجنود العثمانية على نهر بروت حيث تضعضع حال جيوشنا وآل أمرها إلى 22 ألف مقاتل وكانت العساكر العثمانية 270 ألف وأظهرت في تلك الأزمنة غيرة عظيمة وشجاعة فائقة كما هو معلوم عند جيوشنا فبالنظر إلى ذلك وبمقتصى التصرف والنفوذ الموهوب لنا من الله تعالى يتم تتويجها في فصل الشتاء من هذه السنة بمدينة موسكو وقد أعلنا ذلك قبلاً لرعايانا المحبين الأمناء ومحبتنا الإمبراطورة لا تزال لهم بدون نقص ولا تغيير.
ثم ساء ظن الإمبراطور في أواخر سنة
ومن الأعمال العظيمة التي عملتها أنها أبطلت مجلس الأعيان وألغت ألقاب المجمع المقدس وقيدت خدمة الدين ضمن دائرة ضمن دائرة الكتب المقدسة, وعضدت مجلس المعارف, وعينت لأعضائه المرتبات الطائلة, وأناطت أشغال الدولة بمجلس شوراها السري ولكنها لم تخيم حياتها بالخير كما بدأتها إذ يقال: إنها مالت إلى المكر في أواخر أيامها, وعاشت عيشة أسرعت بها إلى القبر فتوفيت في السابع عشر من شهر أيار (مايو) سنة
كاترينا الثانية إمبراطورة روسيا وهي ابنة دوق أنهلت زرسبت
هذه الملكة كانت أديبة عاقلة عالمة بضروب السياسة تبوأت الملك في سنة
ومنهم “غالستن” “وروميانتزف” و”بانيزه” و”أورلوف” و”ستلينكوف” و”سوفادوف” و”تشرنتشيف”, و”بونمكين” وكانت لها اليد الطولى بتقسيم بولونيا في سنة
وسنة
وسنة
ومن ذلك الحين سنة
وسنة
وبالجملة فإن نتيجة اجتهاد هذه الملكة جعلت البلاد في تقدم ظاهر حسدتها عليه باقي الدول, وكانت مع ما هي عليه من سمو الأفكار واتساع المدارك لا تألو جهداً من اشتغالها بفن التطريز والتصوير والنقش والحفر بالمعادن والعاج, وذلك لتعلقها في الصناعة وكانت محبة للعلماء مقربة لهم وأخصهم الفلاسفة المشهورون, وكانت مرة أهدت إلى “فولتير” علبة من العاج من صنع يدها فسر “فولتير” لهذه الهدية, وبعد قليل كافأها بأن قدم لها زوجاً من الجربات الحريرية من صنع يده وأرسل لها رسالة يقول فيها.
“إن جلالتك تكرمت بإهداء ما هو من أعمال الرجال ولكنه مصنوع بأيدي النساء فأهديتك ما هو من أعمال النساء ولكنه مصنوع بأيدي الرجال, وإني أرجو قبول هديتي وعساها أن تنال حظاً لديك”.
ولما وصلت لها هذه الهدية سرت سروراً لا مزيد عليه وأكرمته إكراماً زائداً, وبالجملة فإن هذه الملكة لم يتول تخت روسيا من النساء مثلها.
[كبشة بنت معدي كرب الزبيدي]
كبشة بنت معدي مرب الزبيدي أخت عمرو بن معد يكرب المشهور صاحب الصمصامة.
كانت مشهورة بين نساء زمانها بالحسن والجمال, والذكاء والشجاعة, والإقدام. وكانت تقول الشعر ويغلب على شعرها الحماسة, وطالما كانت تعرض على أخيها عمرو وتفاخره, وكانت تزوجت عبد الله بن منقذ الهلالي وقد ائتلفت معه ائتلافاً شديد وأحبته حباً لا مزيد عليه, ومكثت معه مدة وهما على غاية ما يرام من الراحة والرفاهية حتى كان ذات يوم غزا غزوة في العرب فكان فيها يومه وبلغ الخبر كبشة فشقت عليه الجيوب ولطمت الخدود, ورثته بمرات كثيرة منها قولها:
وأرسل عبد الـلـه إذ حـان يومـه | إلى قومه لا تعقلوا لـهـم دمـي | ||||
ولا تأخذوا منهـم إفـالاً وأبـكـرا | وأترك في بيت بصعدة مظـلـم | ||||
ودع عنك عمراً إن عمراً مسـالـم | وهل بطن عمرو غير شبر لمطعم | ||||
فإن أنتم لم تثـأروا واتـديتـم | فمشوا بآذان النعام المصلـم | ||||
ولا تشربوا إلا فضول نسائكم | إذا ارتملت أعقابهن من الدم | ||||
كبك خاتون زوجة السلطان أوزبك
قال ابن بطوطة “كبك خاتون (بفتح الكاف الأولى وفتح الباء الموحدة) بنت الأمير نغطى. (بنون وغين معجمة وطاء مهملة مفتوحات وياء مسكنة), وأبوها كان مبتلى بعلة النقرس”. قال: “وقد رأيته في غد دخولنا على الملكة دخلنا على هذه الخاتون فوجدناها على مرتبة تقرأ في المصحف الكريم وبين يديها نحو عشر من النساء القواعد ونحو عشرين من البنات يطرزن ثياباً, فسلمنا عليها وأحسنت في السلام والكلام وقرأ قارؤنا فاستحسنته, وأمرت بالقمز فأحضر, وناولتني القدح بيدها كمثل ما فعلته الملكة, وانصرفنا عنها.
وقد أجزلت لنا العطاء وهكذا عادتها فإنها تكرم كل من تسمع به إنه غريب ولها مآثر حسنة وخيرات واسعة ومبرات على الفقراء والمساكين لم يسبقها عليها أحد من نساء زمانها”.
كريمة بنت محمد بن حاتم
جاوزت بمكة المكرمة وروت صحيح البخاري عن الكشميهني وروايتها من أصح روايات البخاري, وروت عن زاهر السرخسي, وكانت تصنف كتبها وتقابل بنسخها وهي في الفهم والنباهة وحدة الذهن بحيث ترحل إليها أفضل العلماء, وكان لها مجلس بمكة المكرمة تجتمع فيه الطلبة والأفاضل من رجال كل علم وهي تلقي على كل نوع مما يطلبه فصيحة المأخذ مفهومة المعنى, وكان أكثر ميلها إلى الحديث حتى بلغت فيه حداً لم يبلغه غيرها ولم تتزوج قط وبلغ عمرها 100 سنة, وتوفيت بمكة المكرمة.
كيلوباتره ملكة مصر
هي من الملوك البطالسة الذين تغلبوا على مصر عقيب دولة الفراعنة اقترنت بأخيها “بطليموس ديوينسيوس” سنة 52 قبل الميلاد وكان في سن الثالثة عشرة وهي في سن السابعة عشرة فراودتها نفسها على الاستئثار بالعرش دونه, فقاومها رجال البلاط وأوصياء زوجها القاصر حتى إذا أعيتها الحيلة عمدت على الاستنصار بأغسطوس قيصر الرومان, فألف ذات بينهما, ولكنها بعد قليل تزوجت بأخيها الثاني ولم يكن قد أتى عليه إحدى عشرة سنة, فنودي به بأمر قيصر ملكاً على مصر.
ثم مات هذا مسموماً بعد زواجه بأربعة أعوام, ولما خلا العرش من ملك بعث أنطنيوس أحد مشتركي دولة الرومان الأربعة, فاستدعى كليوباترة إلى طرسوس حيثما كان ذاهباً إلى محاربة بروتوس الروماني فلبت الدعوة وسارت على أجنحة الرياح حتى بلغت نهر طرسوس, وهنالك اتخذت لها سفينة فاخرة الأثاث أرجوانية السجف والقلاع مزدانة ببديع الأواني ونفائس الجوهر, وأفرغت على قدها الفتان حلة كسروية مدبجة بالدر, وكللت جبينها الوضاح بتاج وهاج, وألبست وصائفها الحور ثياباً خضراً من سندس واستبرق, وتصدرت بينهن كأنها الشمس وكأنهن البدور وهن يضربن بالعيدان والقياثير, ويطلقن البخور والند حتى عبق الشاطئ برياحها, وماج النهر طرباً بنغمات أعوادهن ولألأ محياهن.
فلما لقيها أنطونيوس استطار فؤاده شغفاً وذهب رشده هياماً وكلفاً فما عتم أن عاد معها إلى الإسكندرية, وهنالك زفت عليه حليلة فلم يستطع بعد على فراقها صبراً, فغادر واجباته ومهامه إلى التقادير, وأصبح لا يستفيق من خمرة جبها سكراً.
ولما طار الخبر إلى زوجته الأولى “أوكتافيا” نزغها من شيطان الغيرة نازغ, فأغرت أخاها “أوكتافيوس” أحد الشركاء الأربعة على مخاصمته والانتقام منه. فحشد جيشاً خميساً وقصد به الديار المصرية, فتغلب عليها بعد نزال بشيب لهوله الوليد. ولما حمى الوطيس وأحس “أنطونيوس” بسوء المنقلب سقط في يده ولات حين ندامة, فتناول مدية وطعن بها ثديه فكانت القاضية.
وأما كليوباترة فلما لم تنطل أساليبها على “أوكتافيوس” ولم تقو على اختلابه بما أوتيت من الجمال الباهر واللطف الساحر بفوات عرشها بعد أن أحاطت به جواريها وأترابها, وكانت قد زينت رأسها بالتاج, وأفرغت على جسدها البلوري حلة من نفيس الديباج, ثم زحزحت غلالتها عن نهديها العاجيين وأطلقت حية خبيثة على صفحة صدرها المزري باللجين, فلدغتها لدغة مشوق ملهوف أوردها حياض الحتوف, وكان ذلك سنة 30 قبل المسيح وبموتها قرض الله دولة البطالسة بعد أن حكمت مصر 294 عاماً فسبحانه إذا قضى أمراً فإنه يقول له: كن فيكون.
كانت مدة ملك كليوباترة 22 سنة, وكانت حكيمة متفلسفة مقربة للعلماء معظمة للحكماء, ولها كتب مصنفة في الطب والزينة وغير ذلك من الحكمة مترجمة باسمها منسوبة إليها معروفة عند صنعة الطب. وقال العلامة المسعودي في كتابه المسمى “مروج الذهب ومعادن الجوهر” أن سبب وفاة كليوباترة كانت عند ما جمعت في مجلسها أصناف الرياحين استحضرت حية من الحيات التي تكون بين الحجاز ومصر والشام وهي نوع من الحيات التي تراعي الإنسان حتى إذا تمكنت من النظر إلى عضو من أعضائه قفزت أذرعاً كثيرة كالرمح فلم تخطئ ذلك العضو بعينه حتى تتفل عليه سماً فتأتي على الإنسان ولا يعلم بها لخموده من فوره ويتوهم الناس أنه قد مات حتف أنفه فجاءت بحية وضعتها في إناء بلوري.
ثم لما علمت أن “أغسطس أوكتافيوس” أراد الدخول في قصر ملكها أمرت بعض جواريها ومن أحبت فناءها قبلها, وأن لا يلحقها العذاب بعدها فسمتها بإناء, فخمدت من فورها ثم جلست كليوباترة على سرير ملكها ووضعت تاجها على رأسها وعليها ثيابها وزينة ملكها, وجعلت أنواع الرياحين والزهور والفاكهة والطيب وما يجمع بمصر من عجائب الرياحين وغيرها مبسوطة في مجلسها وأمام سريرها, وعهدت بما احتاجت إليه من أمورها وفرقت حشمها من حولها فاشتغلوا بأنفسهم عن ملكتهم لما قد غشيهم من عدوهم ودخوله عليهم في دار ملكهم, وأدنت يدها من الإناء الزجاج الذي كانت فيه الحية فقربت يدها من فيه فتفلت عليها فجفت مكانها وانسابت الحية وخرجت من الإناء ولم تجد حجراً ولا مذهباَ تذهب فيه لإتقان تلك المجالس بالرخام والمرمر والأصباغ, فدخلت في تلك الرياحين ودخل “أغسطس أوكتافيوس” حتى انتهى إلى المجلس فنظر إليها جالسة والتاج على رأسها فلم يشك في أنها تنطق فدنا منها فتبين أنها ميتة, وأعجب بتلك الرياحين, فمد يده إلى كل نوع منها يلمسه ويتبينه ويعجب خواص من معه به ولم يدر ما سبب موتها, فبينما هو كذلك من تناول تلك الرياحين وشمها إذ قفزت عليه تلك الحية فرمته بسمها فيبس شقه من ساعته, وذهب بصره الأيمن وسمعه, فتعجب من فعلها وقتلها لنفسها واختيارها للموت على الحياة مع الذل.
ثم ما كان من إلقاء الحية بين الرياحين فقال في ذلك شعراً بالرومية يذكر حاله وما نزل به وقصتها, وأقام بعدما نزل به ما ذكرنا يوماً وهلك, ولولا الحية قد أفرغت سمها على الجارية ثم على الملكة لكان “أغسطس أوكتافيوس” قد هلك من ساعته.
وكانت كليوباترة دائماً تحب القصف والخلاعة وتألف الملاهي وطالما تمنت أن يكون لها حبيب تركن إليه وتعول في أمورها عليه. ولها أيام لطيفة, وليال ظريفة, ووقائع حسنة, ونوادر مستحسنة.
كنزة أم شملة بن برد المنقري من ولد قيس
كانت من شاعرات العرب المتقدمات في الأدب, اشتراها برد المنقري وتزوجها فولدت له شملة بن برد, وكان من الشجاعة على جانب عظيم, وطالما اقتحم الحروب وأباد الأقران.
فمن شعرها حينما هجمت عليهم العرب عند غياث ولدها شملة قولها:
إن يك ظني صادقاً وهو صادقـي | بشملة يحبسهم بها محبـسـاً أزلاً | |
فيا شمل شمر واطلب القوم بالـذي | أصبت ولا تقبل قصاصاً ولا عقلاً |
وقالت أيضاً:
لهفي على قومي الذين تجمعـوا | بذي السيد لم يلقوا علياً ولا عمراً | |
فإن يك ظني صادقاً وهو صادقي | بشملة بحبسهم بها محبساً وعراً |
وقد صدق قولها وبلغ الشعر ولدها فقال: والله لأصدقنها قولها. وقصد القوم فقابلهم وأبلى بهم بلاء حسناً واسترد منهم ما سلبوه من قبيلته. ومن شعرها قولها:
ألا حبذا أهل الـمـلا غـير أنـه | إذا ذكرت في فلا حـبـذا هـيا | |
على وجهه مي مسحة من ملاحة | وتحت الثياب الخزي لو كان باديا | |
ألم تر أن الماء يخلف طـعـمـه | وإن كان لون الماء أبيض صافيا | |
إذا ما أتـاه وارد مـن ضـرورة | تولى بأضعاف الذي جاء طامـيا | |
كذلك مي في الـثـياب إذا بـدت | وأثوابها يخفين منها المـخـازيا | |
فلو أن غيلان الشفـي بـدت لـه | مجردة يوماً لمـا قـال ذا لـيا | |
كقول مضى منه ولـكـن لـرده | إلى غير مي أولا لأصبح سالـيا |
كلابة مولاة ثقيف
كانت عند عبد الله بن القاسم الأموي العبلي, وكان يبلغها تشبيب العرجي بالنساء وذكره لهن في شعره وكانت كلابة تكثر أن تقول لشد ما اجترأ العرجي على نساء قريش حين يذكرهن في شعره ولعمري ما لقي أحداً فيه خير ولئن لقيته لأسودن وجهه, فبلغه ذلك عنها.
وكان العلبى نازلاً على ماء لبنى نصر بن معاوية يقال له الضنق على ثلاثة أميال من مكة والعرج أعلاها قليلاً مما يلي الطائف فبلغ العرجي أنه خرج إلى مكة فأتى قصره فأطاف به فخرجت إليه كلابة وكان خلفها في قصره فصاحت به إليك ويلك وجعلت ترميه بالحجارة وتمنعه أن يدنو من القصر فاستسقاها فأبت أن تسقيه.
وقالت: لا يوجد والله أثرك عندي أبداً فيلصق بي منك شر فانصرف. وقال: ستعلمين. وقال هذه الأبيات ليتهمها الناس ويوقع بها أمام سيدها:
حور بهثن رسـولاً فـي مـلاطـفة | ثقفا إذا عقل الـنـسـاءة الـوهـم | |
إلى أن أتـينـا هـدأ إذا عـلـقـت | أمراً سنا وافتضحنا إن همو علمـوا | |
فجئت أمشي على هول أجـشـمـه | تجشم المرء هولاً في الهوى كـرم | |
إذا تخوفت مـن شـيء أقـول لـه | قد جف فامض بشيء قدر القـلـم | |
أمشي كما حـركـت ريح يمـانـية | غصناً من البان رطباً طـلة الـديم | |
في حلة من طاز أكسوس مـثـرية | تعفو بهدابـهـا مـا أثـرت قـدم | |
خلت سبيلي كمـا خـلـت ذا عـذر | إذا رأته عتاق الـخـيل ينـتـجـم | |
وهن في مجلس خـال ولـيس لـه | عين عليهن أخـشـاهـا ولا نـدم | |
حتى جلست إزاء الباب مكـتـتـمـا | وطالب الحاج تحت الليل مكتـتـم | |
أبدين لي أعيناً نجلا كمـا نـظـرت | أدم هجان أتاها مصعـب قـطـم | |
قالت كلابة من هذا فقـلـت لـهـا | أنا الذي أنت من أعدائه زعـمـوا | |
أنا امرؤ جد بي حب فأحـرمـنـي | حتى بليت وحتى شفني الـسـقـم | |
لا تكليني إلى قـوم لـو انـهـمـوا | من بغضنا أطعموا لحمي إذا طعموا | |
وأنعمي نعمة تجزى بأحـسـنـهـا | فطالما نالني من أهلـك الـنـعـم | |
ستر المحبين في الدنيا لعـلـهـمـو | أن يحدثوا توبة فـيهـا إذا أثـمـوا | |
هذي يميني رهن بالـوفـاء لـكـم | فأرضي بها ولأنف الكاشح الرغـم | |
قالت رضيت ولكن جئت في قـمـر | هلا تلبثت حتى تدخـل الـظـلـم | |
فبت أسـق بـأكـواب أعـل بـهـا | من بارد طاب منا الطعم والنـسـم | |
حتى بدا ساطع للفجر نـحـسـبـه | سنا حريق بليل حـين يضـطـرم | |
كغرة الفرس المنسوب قد حـسـرت | عنه الجلال تلالاً وهـو يلـتـجـم | |
ودعتهـن ولا شـيء يراجـعـنـي | إلا البيان وإلا الأعـين الـسـجـم | |
إذا أردن كلامي عنده اعـتـرضـت | من دونه عبرات فانثنى الـكـلـم | |
تكاد إذر من نهضاً للـقـيام مـعـي | أعجازهن من الإنصاف تنقـصـم |
وقد أعطاه العرجي جماعة من المغنين وسألهم أن يغنوا فيه, فصنعوا في أبيات منه عدة ألحان وقال: لا أجد لهذه الأمة شيئاً أبلغ من إيقاعها تحت التهمة عند ابن القاسم ليقطع راتبها من ماله, فلما سمع العبلي بالشعر يغنى به أخرج كلابة واتهمها, ثم أرسل بها بعد زمان على بعير إلى مكة فأحلفها بين الركن والمقام إن العرجي كذب فيما قاله فحلفت سبعين يميناً فرضي عنها وردها فكان بعد ذلك إذا سمع قول العرجي: طالما مسني من أهلها النعم قال: كذب والله ما مسه ذلك قط.