كتاب الدر المنثور فى طبقات ربات الخدور قصص اشهر نساء العالم على مدى التاريخ حرف الهاء

حرف الهاء
هاجر زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام
كانت جارية مصرية ذات هيئة جميلة قد وهبها فرعون ملك مصر لسارة زوجة إبراهيم -عليه السلام- حينما كانت عنده وقد وهبتها سارة لإبراهيم -عليه السلام- وقالت له: إني أراها امرأة وضيئة فخذها لعل الله تعالى يرزقك منها ولدا فتزوجها إبراهيم وقد رزقه الله منها إسماعيل -عليه السلام- وذهب بهما إلى مكة لسبب أن إسحاق بن سارة اقتتل مع إسماعيل ذات يوم كما تفعل الصبيان فغضبت سارة على هاجر وقالت: لا تساكنيني في بلد وأمرت إبراهيم بعزلهما عنها وقد أوحى الله إليه أن يأتي بهما مكة ففعل وأنزلهما موضع الحجر وأمرهما أن تتخذ عريشا ثم قال: (ربنا) (إبراهيم: 37) (إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) (إبراهيم: 37) ثم انصرف فاتبعته هاجر فقالت: إلى من تكلنا؟ فجعل لا يرد عليها شيئاً فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم, قالت: إذا لا يضيعنا. ثم انصرف راجعاً إلى الشام وكان مع هاجر قربة فيها ماء فنفد الماء فعطشت وعطش الصبي, فنظرت إلى الجبال التي أدنى من الأرض فصعدت إلى الصفا وتسمعت لعلها تسمع صوتا أو ترى أنيسا فلم تسمع شيئا ولم تر أحدا, ثم إنها سمعت أصوات سباع الوادي نحو إسماعيل فأقبلت إليه بسرعة لتؤنسه, ثم إنها سمعت صوتا نحو المروة فسعت وما تدري السعي كالإنسان المجهد فهي أول من سعى بين الصفا والمروة. ثم صعدت المروة فسمعت صوتا كالإنسان الذي يكذب سمعه منه حتى استيقنت وجعلت تدعو اسمع اييل -يعني يا الله- قد أسمعتني صوتا فأغثني فقد هلكت ومن معي فإذا هي بجبريل -عليه السلام- فقال لها: من أنت؟ فقالت: سرية إبراهيم -عليه السلام- تركني ههنا. قال: وإلى من وكلكما؟ قالت: وكلنا إلى الله تعالى. قال: فقد وكلكما إلى كاف ثم جاء بهما وقد نفد طعامهما وشرابهما حتى انتهى بهما إلى موضع “زمزم” فضرب بقدمه ففارت عين (فلذلك يقال: لزمزم ركضة جبريل عليه السلام).
فلما نبع الماء أخذت هاجر قربة لها وجعلت تسقى فيها تدخره فقال لها جبريل -عليه السلام-: إنها روى. وجعلت أم إسماعيل تجعلها بئرا بحيث لا يخرج منها الماء إلى خارجها خوفا من نفادها. فقال لها جبريل: لا تخافي الظمأ على أهل هذه البلدة فإنها عين لشرب ضيفان الله تعالى. وقال لها: أما إن أبا هذا الغلام سيجيء فيبنيان لله تعالى بيتا هذا موضعه. قالوا: ومرت رفقة من “جرهم” تريد الشأم فرأوا الطير على الجبل فقالوا: إن هذا الطير لحائم على ماء فأشرفوا فإذا هم سكان مكة حتى شب إسماعيل وماتت هاجر قبل سيدتها سارة ودفنت في الحجز.
هجيمة أم الدرداء
كانت فقيهة عاقلة جليلة. وهي أم بلال بن أبي الدرداء. قيل: خطبها معاوية بعد أن توفي زوجها, فلم تجب وروى عنها جماعة من التابعين الكبار, وكانت تقيم ببيت المقدس ستة أشهر.
وبدمشق ستة أشهر, وكانت تجلس للصلاة في صفوف الرجال, وكانت تحب مجالس العلماء. وكانت تقول: “أفضل العلم المعرفة”. وتقول: “تعلموا الحكمة صغارا تعلموا بها كبارا”.
وكانت لا تفتر عن الصلاة ملازمة للعبادة. وكانت معظمة عند بني أمية, وتوفيت بعد أبي الدرداء بدمشق ودفنت بباب الصغير.
هزيلة الجديسية
كانت بنو طسم بن لوز بن أزهر بن سام بن نوح وبنو جديس بن عامر بن أزهر بن سام بن نوح ساكنين في موضع اليمامة, وكان اسمها حينئذ “جوا”, وكانت من أخصب البلاد وأكثرها خيرا وكان ملكهم أيام ملوك الطوائف عمليقا, وكان ظالما وقد تمادى في الظلم وإن هزيلة هذه طلقها زوجها وأراد أخذ ولدها منها فخاصمته إلى عمليق وقالت: أيها الملك, حملته تسعا ووضعته دفعا وأرضعته شفعا حتى إذا تمت أوصاله ودنا فصاله أراد أن يأخذه مني كرها.
ويتركني بعده ورها. فقال زوجها: أيها الملك, أعطيت مهرها كاملا ولم أصب منها طائلا إلا وليدا خاملا فافعل ما أنت فاعل. فأمر الملك بالغلام فصار في غلمانه وأن تباع المرأة فيعطى زوجها خمس ثمنها ويباع الرجل وتعطى المرأة عشر ثمن زوجها فقالت: هزيلة:
أتينا أخا طسم ليحكـم بـينـنـا فأنفذ حكما في هزيلة طالمـا
لعمري لقد حكمت لا متـورعـا ولا كنت فيمن يبرم الحكم عالما
ندمت ولم أندم وأني بعـتـرتـي وأصبح بعلي في الحكومة نادما

فلما سمع عمليق قولها أمر أن لا تزوج بكر من جديس وتهدى إلى زوجها حتى يفترعها, فلقوا من ذلك بلاء وجهدا وذلا ولم يزل يفعل ذلك حتى تزوجت الشموس وهي عفيرة بنت عفار وقيل: يعفر, وقيل عبار أخت الأسود, فلما أراد حملها إلى زوجها انطلقوا بها إلى عمليق لينالها قبله ومعها الفتيان, فلما دخلت عليه افترعها وخلى سبيلها فخرجت إلى قومها تعتثر في دمائها وقد شقت درعها من قبل ومن دبر والدم يبين وهي في أقبح منظر تقول:
لا أحـد أذل مـن جـــديس أهكذا يفعـل بـالـعـروس
يرضى بذا يا قوم بـعـل حـر أهدى وقد أعطى وسيق المهر
وقالت أيضا لتحريض قومها:
أيجمل ما يؤتى إلـى فـتـيانـكـم وأنتم رجال فيكم عدد, الـنـمـل
وتصبح تمشي في الدماء عـفـيرة جهارا وزفت بالنساء إلى بـعـل
ولو أننا كـنـا رجـالا وكـنـتـم نساء لكنا لا نقر لـذا الـفـعـل
فموتوا كراما أو أميتـوا عـدوكـم وذبو النار الحرب بالحطب الجزل
وإلا فخلوا بطنهـا وتـحـمـلـوا إلى بلد قفر وموتوا من الـهـزل
فللبين خير من مقام عـلـى الأذى وللموت خير من مقام على الـذل
وإن أنتم لم تغضبـوا بـعـد هـذه فكونوا نساء لا تغيب عن الكحـل
ودونكم طيب النـسـاء فـإنـمـا خلقتم لأثواب العروس وللغسـل
فبعدا وسحقا للـذي لـيس دافـعـا ويختال يمشي بيننا مشية الفحـل
فلما سمع أخوها الأسود قولها: وكان سيدا مطاعا. قال لقومه: يا معشر جديس, إن هؤلاء القوم ليسوا بأعز منكم في داركم لا يملك صاحبهم علينا وعليهم ولولا عجزنا لما كان له فضل علينا ولو امتنعنا لانتصفنا منه فأطيعوني فيما آمركم فإنه عز الدهر وقد حمى جديس لما سمعوا من قولها فقالوا: نطيعك ولكن القوم أكثر منا! قال: فإني أصنع للملك طعاما وأدعوه وأهله إليه فإذا جاءوا يرفلون في الحلل أخذنا سيوفنا وقتلناهم. فقالوا: افعل فصنع وجعله التلد ودفن وهو وقومه سيوفهم في الرمل, ودعا الملك وقومه فجاءوا يرفلون في حللهم, فلما أخذوا مجالسهم ومدوا أيديهم يأكلون أخذت جديس سيوفهم وقتلوهم وقتلوا ملكهم وقتلوا بعد ذلك السفلة منهم وقد نجى الله هذه القبيلة بسبب تلك الفتاة.

هند أم سلمة
بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومية وأمها عائلة بنت عامر بن ربيعة كانت امرأة لأبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد وهاجر بها إلى أرض الحبشة في الهجرتين, فولدت له هناك زينب ثم ولدت سلمة ودرة وعمر قيل: إنها لما هاجرت إلى المدينة.
قالت: حينما أجمع أبو سلمة الخروج رحل بعيرا له وحملني وحمل معي ابني سلمة, ثم خرج يقود بعيره, فلما رآه رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتنا هذه علام تترك تسير بها في البلاد ونزعوا خطام البعير من يده وأخذوني وغضبت عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة وأهووا إلى سلمة, وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة وبذلك فرقوا بيني وبين زوجي وولدي, فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح فما أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريبها حتى مر بي رجل من بني عمي من بني المغيرة فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة لزوجها؟ فرقتم بينها وبينه وبين ابنها! فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت.
ولما علم بنو عبد الأسد بذلك ردوا علي ابني فرحلت بعيري ووضعت ابني في حجري, ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة وما معي أحد من خلق الله تعالى فقلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي إذ كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بني عبد الدار فقال: أين ابنة بني أمية؟ فقلت: أريد زوجي بالمدينة فقال: هل معك أحد؟ فقلت: لا والله, وابني هذا. فقال: والله ما لك من منزل.
فأخذ بخطام البعيرة فانطلق معي يقودني فو الله ما صبحت رجلا من العرب كان أكرم منه إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله, ثم تأجر عني وقال: اركبي فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى ننزل, فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي إلى المدينة, فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية وكان أبو سلمة نازلا بها فدخلتها على بركة الله تعالى ثم انصرف راجعا إلى مكة.
وكانت تقول: ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب بيت أبي سلمة وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة وهي أول ظعينة هاجرت إلى المدينة وقيل: إنه لما انقضت عدتها بعث أبو بكر إليها يخطبها عليه فلم تزوجه, فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب يخطبها عليه فقالت: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني امرأة غيرى وأني امرأة مصبية وليس أحد من أوليائي شاهدا. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: “ارجع إليها فقل لها: أما قولك إني امرأة مصبية فستكفين صبيانك وأما قولك ليس أحد من أوليائي شاهدا فليس أحد من أوليائك شاهدا أو عاثبا يكره ذلك. وقولك: إنك امرأة غيرى فسندعو الله يصرف عنك الغيرة”. فلما بلغها ذلك قالت لابنها عمر: قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه.
وحكي عنها أنها قال: في بيتي نزلت: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (الأحزاب: 33) وكانت من أجمل النساء وشهدت غزوة خيبر وتوفيت بعد قتل الحسين أي سنة 61 للهجرة وقيل: بل توفيت سنة 59 (ه) وسند الرأي الأول ما يروى من أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أم سلمة ترابا من تربة الحسين حمله إليه جبريل فقال لها: إذا صار هذا التراب دما فقد قتل الحسين, فحفظته في قارورة عندها, فلما قتل الحسين صار التراب دما, فأعلمت الناس بقتله.
وقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلثمائة حديث وثمانية وعشرين حديثا, وقد عاشت أربعا وثمانين سنة وصلى عليها أبو هريرة ودفنت بالبقيع من أرض الحجاز.
هند بنت النعمان بن بشير
كانت أحسن نساء زمانها خلقا وخلقا, وأدبا ولطفا, وفصاحة. ولها إلمام بالنثر والنظم فوصف للحجاج حسنها فخطبها وبذل لها مالا جزيلا, وتزوج بها وشرط لها عليه بعد الصداق مائتي ألف درهم, وأقام بها بالمعرة مدة طويلة, ثم إنه رحل بها إلى العراق فأقامت معه ما شاء الله ودخل عليها في بعض الأيام, فسمعها تقول وهي واقفة على المرآة:
وما هند إلا مهـرة عـربـية سلالة أفراس تجللها بـغـل
فإن ولدت أنثى فلـلـه درهـا وإن ولدت بغلا فجاء به البغل
فانصرف راجعا ولم تكن علمت به وأراد طلاقها فانفذ إليها عبد الله بن طاهر وأنفذ لها معه مائتي ألف درهم وهي التي كانت لها عليه وقال: يا ابن طاهر طلقها بلكلمتين ولا تزد عليهما فدخل عبد الله بن طاهر فقال لها: يقول لك أبو محمد الحجاج كنت فبنت وهذه المائتا ألف درهم التي كانت لك قبله.
فقالت: اعلم يا ابن طاهر أنا كنا فما حمدنا, وبنا فما ندمنا وهذه المائتا ألف درهم هي لك بشارة بخلاصي من كلب ثقيف, ثم بعد ذلك بلغ عبد الملك بن مروان خبرها ووصف له جمالها فأرسل إليها يخطبها لنفسه فكتبت إليه تقول: بعد الثناء عليه اعلم يا أمير المؤمنين إني لا أجري العقد إلا بشرط فإن قلت: ما الشرط أقول أن يقود الحجاج محملي من المعرة إلى بلدك الذي أنت فيه ويكون ماشيا حافيا بحليته التي كان فيها أولا, فلما قرأ كتابها ضحك ضحكا شديدا.
وأرسل إلى الحجاج بذلك فأجاب ولم يخالف وامتثل الأمر وأرسل إلى هند يأمرها بالتجهيز وسار الحجاج في موكبه حتى وصل المعرة بلد هند فركبت هند في محمل وركب حولها جواريها وخدمها فترجل الحجاج ومشى حافيا, وأخذ بزمام البعير يقوده ويسير بها فأخذت هند تهزأ عليه وتضحك مع الهيفاء دايتها, ثم إنها قالت لدايتها اكشفي لي ستارة المحمل لنشم رائحة النسيم فكشفتها فوقع وجهها في وجهه فضحكت عليه, وأنشدت:
وما نبالي إذا أرواحنا سلـمـت بما فقدناه من مال ومن نشـب
فالمال مكتسب والعز مرتـجـع إذا النفوس وقاها الله من عطب
فلما سمع ذلك منها الحجاج قال مجيبا لها:

فإن تضحكي يا هند يا رب ليلة تركتك فيها تسهرين نواحـا
ولم تزل تلعب وتضحك على أن قربت من بلد الخليفة فرمت من يدها دينارا على الأرض.
وقال: يا جمال, سقط منا درهم فرده إلينا فنظر الحجاج إلى الأرض فلم ير إلا دينارا.
فقال: إنما هو دينار. فقالت: بل درهم. فقال: بل دينار. فقالت: الحمد لله إذ سقط منا درهم فعوضنا الله دينارا فخجل وسكت ولم يرد جوابا, ودخلت على عبد الملك بن مروان فأعجب بها وبجمالها وسفه رأي الحجاج بتخليه عنها ونالت عنده حظوة زائدة.
هند جارية محمد بن عبد الله بن مسلم الشاطبي
كانت أديبة شاعرة كتب إليها أبو عامر بن سعيد يدعوها للحضور عنده بعودها وكانت تحسن ضرب العود بهذين البيتين:
يا هند هل لك في زيارة فـتـية نبذوا المحارم غير شرب السلسل
سمعوا البلابل قد شدت فتذكـروا نغمات عودك في الثقـيل الأول
فكتبت إليه في ظهر رقعته تقول:
يا سيدا حاز العـلا عـن سـادة شم الأنوف من الطـراز الأول
حسبي من الإسراع نحوك أننـي كنت الجواب مع الرسول المقبل
سارت إليه كما ودعته وأتموا ليلة قلما يسمح بمثلها الدهر حتى عاجلهم نور الفجر فتفرقوا وكل منهما يسخط على يوم الفراق ويتمنى أن يكون بعدها التلاق.
هند بنت النعمان
ابن المنذر بن امرئ القيس بن النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عرو بن الحارث بن مسعود بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم.
كانت هند من أجمل نساء أهلها وزمانها وأمها مارية الكندية وكان يهواها عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب الشاعر العبادي ولها يقول:
علق الأحشاء من هند علق مستسر فيه نصب وأرق
وهي قصيدة طويلة وفيها أيضا يقول:
من لقلب مدنف أو معتـمـد قد عصى كل نصوح ومعد
وهي طويلة أيضا وفيها يقول:
يا خليلي يسرا التـعـسـيرا ثم روحا فهجرا تهـجـيرا
واعرجا بي على ديار لهنـد ليس إن عجتما المطي كثيرا
وقد تزوجها وكان سبب عشقه لها أنها خرجت في خميس الفصح تتقرب في البيعة, ولها حينئذ إحدى عشرة سنة, وذلك في ملك المنذر وقد قدم عدي حينئذ بهديته من كسرى إلى المنذر والنعمان يومئذ فتى شاب, فاتفق دخولها البيعة, وقد دخلها عدي ليتقرب.
وكانت مديدة القامة, عبلة الجسم, معتدلة القوام فرآها عدي وهي غافلة فلم تنتبه له حتى تأملها وقد كان جواريها رأين عديا وهو مقبل فلم يقلن لها وذلك كي يراها عدي وإنما فعلن هذا من أجل أمة لهند يقال لها مارية قد كانت أحبت عديا فلم تدر كيف تأتي له.
فلما رأت هند عديا ينظر إليها شق عليها ذلك وسبت جواريها ونالت بعضهن بضرب فوقعت هند في نفس عدي فلبث حولا لا يخبر بذلك أحدا.
فلما كان بعد حول وظنت مارية أن هندا قد أضربت عما جرى وصفت لها بيعة رومية ووصفت لها من فيها من الرواهب ومن يأتيها من جواري الحيرة وحسن بنائها وسرجها وقالت لها: سلي أمك الإذن لك في إتيانها فسألتها ذلك فأذنت لها وبادرت مارية إلى عدي فأخبرته الخبر فبادر فلبس قباء كان أهداه له فرخان “شاه مرد”, وكان مذهبا لم ير مثله حسنا.
وكان عدي حسن الوجه مديد القامة حلو العينين حسن المبسم نقي الثغر وأخذ معه جماعة من فتيان الحيرة فدخل البيعة, فلما رأته مارية قالت لهند: انظري إلى هذا الفتى فهو والله أحسن من كل ما ترين من البرج وغيرها قالت: ومن هو؟ قالت: عدي بن زيد. قالت: أتخافين أن يعرفني إن دنوت منه لأراه من قريب؟ قالت: ومن أين يعرفك وما رآك قط فلا تخافي من حيث يعرفك؟ فدنت هند منه وهو يمازح الفتيان الذين معه وقد برع عليهم بجماله وحسن كلامه وفصاحته وما عليه من الثياب فذهلت لما رأته, وصارت تنظر إليه, وعرفت مارية ما بها وتبينته في وجهها فقالت لها: كلميه, فكلمته وانصرفت وقد تبعته نفسها وهويته, وانصرف هو بمثل حالها, فلما كان الغد تعرضت له مارية.
فلما رآها هش لها وكان قبل ذلك لا يكلمها وقال لها: ما غدا بك؟ قالت: حاجة إليك. قال: اذكريها فو الله لا تسأليني شيئا إلا أعطيتك إياه فعرفته أنها تهواه وأن حاجتها الخلوة به على أن تحتال له في هند وعاهدته على ذلك فأجاب طلبها, ثم أتت هندا فقالت: أما تشتهين أن تري عديا؟ قالت: وكيف لي به؟ قالت: أعده مكان كذا وكذا في ظهر القصر وتشرفين عليه. قالت: أفعل, فواعدته إلى ذلك المكان. فأتاه وأشرفت هند عليه فكادت أن تموت وقالت: إن لم تدخليه إلي هلكت. فبادرت مارية إلى النعمان فأخبرته خبرها وصدقته الخبر وذكرت أنها قد شغفت به وسبب ذلك رؤيتها إياه في يوم الفصح, وأنه لم يزوجها به افتضحت في أمره وماتت فقال لها: ويلك, وكيف أبدؤه بذلك؟ فقالت: هو أرغب من أن تبدأه أنت, وأنا أحتال في ذلك من حيث لا يعلم أنك عرفت أمره, وأتت عديا فأخبرته الخبر وقالت: ادعه فإذا أخذ الشراب منه فاخطب إليه هندا فإنه غير رادك.
قال: أخشى أن يغضبه ذلك فيكون سبب العداوة بيننا. قالت: ما قلت لك هذا حتى فرغت منه معه. فصنع عدي طعاما واحتفل فيه, ثم أتى النعمان بعد الفصح بثلاثة أيام وذلك في يوم الاثنين فسأله أن يتغدى عنده هو وأصحابه ففعل, فلما أخذ منه الشراب خطبها إلى النعمان فأجابه وزوجه وضمها إليه بعد ثلاثة أيام فكانت معه حتى قتله النعمان فترهبت وحبست نفسها في الدير المعروف بدير هند في ظاهر الحيرة حتى ماتت.
وكانت وفاتها بعد الإسلام بزمان طويل في ولاية المغيرة بن شعبة على الكوفة وخطبها المغيرة، وقد مر بدير هند فنزل ودخل عليها بعد أن استأذن عليها، فأذنت له وبسطت له مسحا، فجلس عليه ثم قالت له: ما جاء بك؟ قال: جئتك خاطباً قالت: والصليب لو علمت أن في خصلة من جمال أو شباب رغبتك في لأجبتك، ولكنك أردت أن تقول في المواسم ملكت مملكة النعمان بن المنذر ونكحت ابنته فبحق معبودك أما هذا أردت. قال إي والله. قالت: فلا سبيل إليه. قال لها: إذا سألتك عن أمور هل أنت مجيبة لي عنها؟. قالت: نعم، قل. فقال: أخبريني ما كان أبوك يقول في هذا الحي من ثقيف.
قالت: ينسبهم من أياد وقد افتخر عنده رجلان من ثقيف أحدهما من بني سالم والآخر من بني يسار، فسألهما عن أنسابهما، فانتسب أحدهما إلى هوزان والآخر إلى أياد. فقال أبي: ما لحي معه على أياد فضل. فخرجا وأبي يقول:
إن ثقيفا لم تكن هـوازنـا ولم تناسب عامر أو مازنا
إلا حديثا أثبت المحاسنا فقال المغيرة: أما نحن، فمن هوازن وأبوك أعلم، ثم قال: أخبريني أي العرب كان أحب إلى أبيك، قالت: أطوعهم له قال: ومن أولئك؟ قالت: بكر بن وائل. قال: فأين بنو تميم؟ قالت: مستفتهم في طاعة. قال فقيس. قالت: ما اقتربوا إليه بما يحب إلا استعقبوه بما يكره. قال: فكيف أطاع فارس؟ قالت: كانت طاعتهم إياه فيما يهوى فاكتفى المغيرة بذلك، ثم قام وانصرف، وقال فيها:
أدركت ما منيت نفسي خـالـيا لله درك يا ابنة الـنـعـمـان
فلقد رددت على المغيرة ذهنـه إن الملوك نـقـية الأذهـان
يا هند حسبك قد صدقت فأمسكي فالصدق خير مقالة الإنسـان
هند بنت أثاثة
كان أبوها من أمراء العرب المشهورين بالشجاعة والفروسية والكرم وكانت هي من ذوات الشهامة والمروءة والحكم، أديبة فاضلة، كاملة عاقلة، لها معرفة بالشعر والعروض ومما قالته رثاء في أبيها حين قتل هذه الأبيات:
لقد ضمت العفراء مجداً وسـوددا وحلماً أصيلاً وافرا للب والعقل
عبيدة فابكـيه لأضـياف غـربة وأرملة تهوي لأشعث كالجـذل
وبكيه للأقوام فـي كـل شـتـوة إذا احمر آفاق السماء من المحل
وبكيه للأيتـام والـريح زفـزف وتشيب قدر طالما أزبدت تغلـي
فإن تصبح النيران قد مات ضوءها فقد كان يذكيهن بالحطب الجزل
لطارق الليل أو لملتمس الـقـرى مستنبح أضحى عـلـى رسـل
هند بنت زيد بنت مخرمة الأنصارية
كانت أحسن نساء زمانها جمالا, وأوفرهن عقلا وكمالا, وأفصحهن منطقا ومقالا, لها مقالات بليغة وأشعار بديعة، وكانت مع ما هي عليه من التنعم ثبتة الجنان قوية البنية جريئة على الحروب حضرت جملة وقائع مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأنها كانت من شيعته، وكانت لها غيرة شديدة على علي وأصحابه، وكان كل من قتل ترثيه بمراث جيدة وتحرض القوم على اتباع خطة علي وطالما أراد معاوية أن يوقع بها ولم يتيسر له ذلك.
ولما قتل معاوية حجر بن عدي بن حاتم الطائي أقامت له مآتم ورثته بقصائد طويلة وأشعار غزيرة منها قولها:
ترفع أيها القمـر الـمـنـير تبصر هل ترى حجرا يسير
يسير إلى معاوية بن حـرب ليقتله كمـا زعـم الأمـير
تجبرت الجبائر بعد حـجـر وطاب لها الخورنق والسدير
وأصبحت البلاد لها مـحـولا كأن لم يحييها مزن مطـير
ألا يا حجر حجر بني عـدي تلقتك السلامة والـسـرور
أخاف عليك وما أردى عـدياً وشيخاً في دمشق لـه زئير
يرى قتل الخيار عليه حـقـاً له من شـر أمـتـه وزير
ألا يا ليت حجراً مات مـوتـاً ولم ينحر كما نحر البعـير
فإن يهلك فكـل زعـيم قـوم من الدنيا إلى هلك يصـير
ومنها قولها:
دموع عيني ديمة تقـطـر تبكي على حجر ولا تفتر
لو كانت القوس على أسرة ما حمل السيف له الأعور
ومنها قولها:
لقد مات بالبيضاء من جانب الحـمـى فتى كان زيناً للكواكب والشـهـب
يلوذ به الجاني مخـافة مـا جـنـى كما لاذت العصماء بالشاهق الصعب
تظل بنات العـم والـخـال حـولـه صوادي لا يرون بالبارد الـعـزب
وماتت في خلافة معاوية بعدما وفدت عليه وأكرمها إكراماً زائداً.
هند بن عتبة بن ربيعة بن عبد
شمس بن عبد مناف القرشية
كانت تحت الفاكهة بن المغيرة المخزومي وتزوجت بعده بأبي سفيان ابن حرب وهي أم معاوية.
أسلمت في الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على نكاحها وكان بينهما في الإسلام ليلة واحدة وكانت امرأة نفس وأنفة ورأي وعقل.
وشهدت أحداً كافرة، وكانت تحرض النسا على القتال وترتجز:
نحـــن بـــنــــات طـــــــارق نمشي على النمارقمشي القطا البارق
والـمـسـك فـــي الـــمـــفـــارق والدر في المخانقإن تقبلوا نعـانـق
ونـــفـــرش الـــنـــمــــــارق وتدبروا نفارقفـراق غـير وامـق
وتقول أيضاً:
ويهـا بـنــي عـــبـــد الـــدار ويها حماة الأدبارضرباً بكل بتار
وكان أبو الدجانة الأنصاري أخذ سيفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجم على المشركين وألي بلاء حسناً حتى وصل على هند وهي ترتجز وخلفها النساء يضربن الدفوف خلف فالرجال، فأراد أن يعلوها بالسيف ثم امتنع خشية العار.
ثم أنه لما قتل حمزة مثلت به وشقت به واستخرجت كبده فلاكتها، فلم تطق إساغتها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فدعى عليها وأصابه حزن شديد على ذلك.
ولما بويع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من ضمن كلامه للنساء -وهند معهن-: “تبايعنني على أن لا تشركن بالله شيئاً”.
قالت هند: إنك والله لتأخذ علينا م لا تأخذه على الرجال فسنأتيكه. وقال: “ولا تسرقن”.
قالت: والله إني كنت لأصيب من مال أبي سفيان الهنة والهنة فقال أبو سفيان -وكان حاضراً: أما ما مضى فأنت منه في حل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أهند؟” قالت: أنا هند، فاعف عما سلف عفا الله عنك. قال: “ولا تزنين”. قالت: وهل تزني الحرة؟ قال: “ولا تقتلن أولادكن” قالت: ربيناهم صغاراً وقتلتهم يوم بدر كبار فأت وهم أعلم. فضحك عمر بن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن” قال: والله إن إتيان البهتان لقبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. قال: “ولا تعصينني في معروف”. قالت: ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد أن نعصيك. فقال النبي لعمر: “بايعهن واستغفر لهن” فبايعهن ثم قالت هند للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها. فقال: “خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك”. وبعد ذلك شهدت اليرموك مع زوجها وتوفيت في خلافة عمر سنة ثلاث عشرة للهجرة.
وكانت شاعرة أديبة فصيحة. ولها أشعار كثيرة منها ما قالته في أبيها عتبة حين قتل يوم بدر:
أعينني جود بدمـع سـرب على خير خندف إذ ينقلب
تداعى لـه رهـطة غـدوة بنو هاشم وبنو المطـلـب
يذوقونـه حـد أسـيافـهـم يفلونه بعد ما قد عـطـب
يجرون منه عفير الـتـراب على وجهه عارياً قد صلب
وكان لنـا جـبـلاً راسـياً جميل المراح كثير العشب
وأما بـري فـلـم أعـنـه فأوتى من خير ما يحتسب
وقالت أيضاً:
يريب علينـا دهـنـا فـيسـوءنـا ويأبى فما نأت بشيء نـغـالـبـه
أبعد قتيل مـن لـؤي بـن غـالـب يراع امرؤ إن مات أو مات صاحبه
ألا رب يوم قـد رزئت مـــرزأ تروح وتغدو بالجزيل مـواهـبـه
فأبلغ أبا سفـيان عـنـي مـألـكـاً فإن ألقه يوماً فسـوف أعـاتـبـه
فقد كان حرب يسعر الحـرب إنـه لكل امرئ في الناس مولى يطالبه
وقالت أيضاً:
لله عـينـا مـن رأى هلكا كهلك رجالـيه
يا رب باك لـي غـدا في النائبات وباكـيه
كم غادروا يوم القلـي ب غداة تلك الداعيه
من كل غيث في السني ن إذا الكواكب خاويه
قد كنت أحذر ما أرى فاليوم حق خـداريه
قد كنت أحذر ما أرى فأنا الغداة مـرامـيه
يا رب قـائلة غــداً يا ويح أم مـعـاويه
وقالت أيضاً:
يا عين بكي عتـبة شيخاً شديد الرقبه
يطعم يوم المسغبة يدفع يوم الغلبـه
إني عليه حـربـه ملهوفة مستلبـه
ليهبطـن يثـربـه بغارة منشعبـه
فيه الخيول مقربة كل سواء سلهبه
هند بنت خالد بن نافلة
كانت أشعر نساء زمنها وأحسنهن أدباً، وأكملهن رأياً، وأجملهن وجهاً. قيل: إنها لما قتل ابن أخيها خالد بن حبيب بن خالد ندبته واتبعتها نساء العرب حتى لم ير امرأة من قبيلتها إلا وكانت باكية ورثته بقصائد وأبيات منها قالته يوم مأتمه:
أمسى بواكيك مللن البكـى وشر عهد الناس عهد النسا
فابن حبيب فأبكـيا خـالـداً لجفنة مـلأى وزق روى
وبان حبيب فابكـيا خـالـداً لطعنة يقصر عنها الأسى
إن تبكيا لا تبـكـيا هـينـاً وما بما مسكما من خفـا
إذ تخرج الكعاب من خدرها يومك لا تذكر فيه الحـيا
وقالت ترثي أباها خالداً:
أأميم هيهات الصبا ذهب الصـبـا وأطار عني الحلم جهل غـراب
أين الأولى بالأمس كانـوا جـيرة لأخذت صرف الموت عن أحبابي
ما حيلتي إلا البـكـاء عـلـيهـم إن البكاء سلاح كـل مـصـاب
هند بنت كعب بن عمرو بن ليث الهندي
زوجة عبد الله بن عجلان يتصل نسبها مع نسبه كانت ذات حسن وجمال، وقد واعتدال، وبهاء وكمال.
وسبب زواجها إلى عبد الله بن عجلان أنه خرج يوماً إلى شعب من نجد ينشد ضالة فشارف ماء يقال له: نهر غسان وكانت بنات العرب تقصده فتخلع ثيابها وتغتسل فيه، فلما علا ربوة تشرف على النهر المذكور رآهن على تلك الحالة فمكث ينظر إليهن مستخفياً، فصعدن حتى بقيت هند.
وكانت طويلة الشعر، فأخذت تمشطه وتسبله على بدنها وهو يتأمل شفوف بياض جسمها في خلال سواد الشعر.
ونهض ليركب راحلته فلم يقدر وقعد ساعة. وكان يقال عنه قبل ذلك أن العرب كانت تصف له ثلاثة رواحل قائمة فيحلقها ويركب الرابعة، فعند ذلك داخله من الحب ما أعجزه وعطل حركاته فأنشد فوراً:
لقد كنت ذا باس شديد وهـمة إذا شئت لمساً للثريا لمستهـا
أتتني سهام من لحاظ فارشقت بقلبي ولو أسطيع رداً رددتها
ثم عاد وقد تمكن الهوى منه فأخبر صديقاً له فقال: اكتم ما بك، واخطبها إلى أبيها فإنه يزوجكما وإن أشهرت عشقها حرمتها.
ففعل وخطبها فأجيب وتزوج بها وأقاما على أحسن حال، وأنعم بال لا يزداد فيها إلا غراماً فمضى عليهما ثمان سنين ولم تحمل.
وكان أبوه ذا ثروة وليس له غيره، فأقسم عليه أن يتزوج غيرها ليولد له ولد لحفظ النسب والمال.
فعرض عليها ذلك، فأبت أن تكون مع أخرى فعاود أباه فأمره بطلاقها، فأبى فألح عليه وهو لم يجب إلى أن بلغه يوماً أن عبد الله قد تمكن السكر منه، فعدها فرصة وأرسل إليه يدعوه وقد جلس مع أكابر الحي فمنعته هند، وقالت: والله لا يدعوك لخير وما أظنه إلا عرف أنك سكران فيريد أن يعرض عليك الطلاق ولئن فعلت لتموتن وأظن أنك فاعل. فأبى عبد الله إلا الخروج، فجاذبته ويدها مخلقة بالزعفران فأثرت في ثوبه، فلما جلس مع أبيه وقد عرف أكابر العرب حاله فأقبلوا يعنفونه ويتناوشونه من كل مكان حتى استحى فطلقها، فلما سمعت بذلك احتجبت عنه فوجد وجداً كاد أن يقضي معه وأنشد:
طلقت هنـداً طـائعـاً فندمت بعد فارقـهـا
فالعين تذرف دمعـهـا كالدر من آمـاقـهـا
متحلبـاً فـوق الـردا فتجول في رقراقهـا
خود رداح طـفــلة ما الفحش من أخلاقها
ولق ألـذ حـديثـهـا فأسر عند عناقـهـا
إن كنت ساقية بـبـز ل الأدم أوبحقاقـهـا
فاسقي بنـي نـهـد إذا شربوا خيار زقاقهـا
فالخيل تعلم كيف تـل حقها غداة لحاقـهـا
بأسـنة زرق صـبـح نا القوم حد رقاقـهـا
حتى ترى قصد القـنـا والبيض في أعناقهـا
فلما رجعت هند إلى أبيها خطبها رجل من بني نمير فزوجها أبوها منه، فبنى بها عندهم وأخرجها إلى بلده فلم يزل عبد الله بن عجلان دنفاً سقيماً يقول فيها الشعر ويبكيها حتى مات أسفاً عليها، وعرضوا عليه بناته الحي جميعا، فلمي قبل واحدة منهن.
وقيل: إن بني عامر الذي تزوجت هند منهم كان بينهم وبين نهد مغاورات فجمعت بنو عامر لبني نهد جميعاً فقالت هند لغلام يتيم فقير من بني عامر: لك خمس عشرة ناقة فتنذرهم قبل أن يأتيهم بنو عامر.
فقال: أفعل: فحملته على ناقة لزوجها ناجية وزودته تمراً ووطباً من لبن، فركب وجد في السير ففنى اللبن، فأتاهم والحي خلوف من غزو دميرة، لنزل بهم وقد يبس لسانه، فلما كلموه ولم يقدر أن يجيبهم وأومأ على لسانه، فأمر خراش بن عبد الله بلبن وسمن فاستحسى وساقه إياه، فابتل لسانه وتكلم وقال لهم: أتيتكم وأنا رسول هند إليكم تنذركم.
فاجتمع بنو نهد واستعدت ووافتهم بنو عامر لحوقهم على الخيل فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزمت بنو عامر فقال عبد الله بن عجلان في ذلك:
أعاود عيني نصبهـا وغـرورهـا أهم عناها أم قذاهـا يعـورهـا
أم الدار أمست قد تعفت كـأنـهـا زبور يمان رقشته سطـورهـا
ذكرت بها هنداً وأترابهـا الأولـى بها يكذب الواشي ويعصي أميرها
فما معول تبكي لفقـد ألـيفـهـا إذا ذكرته لا يكـف زفـيرهـا
بأغزر مني عـبـرة إذ رأيتـهـا يحث بها قبل الصباح بعـيرهـا
ألم يأت هنداً كيفما صنع قومـهـا بنو عامر إذ جاء يسعى نذيرهـا
فقالوا لنا إنا نـحـب لـقـاءكـم بصم القنا اللائي الدمار ثميرهـا
فلا غرو أن الخيل تخبط في القنـا تمطر من تحت العوالي ذكورها
وأربابها صرعي بـبـرقة أخـرم يجررهم ضبعانها ونـسـورهـا
فأبلغ أبا الحجاج عـنـي رسـالة مغلغلة لا يفلتنـك بـسـورهـا
فأنت منعت السلم يوم لـقـيتـنـا بكفيك تسدي غـبة وتـثـيرهـا
فذوقوا على ما كان من فرط إحنة حلائبنا إذ غاب عنا نـصـيرهـا
فلما اشتد ما بعبد الله بن العجلان من السقم خرج سراً من أبيه مخاطراً بنفسه حتى أتى أرض بني عامر لا يرهب ما بينهم من الشر والثارات حتى نزل ببني نمير وقصد خباء هند، فلما قارب دارها وهي جالسة على حوض وزوجها يسقي إبلاً له وتعارفا شد كل منهما على صاحبه ودنا منه حتى اعتنقا وسقطا إلى الأرض فجاء زوجها فوجدهما ميتين.
وقيل: إنه أراد المضي إلى بلادهم فمنعه أبوه وخوفه الثارات وقال: نجتمع معهم في الشهر الحرام بعكاظ أو بمكة، ولم يزل يدافعه بذلك حتى جاء الوقت فحج وحج أبوه معه فنظر إلى زوج هند وهو يطوف بالبيت واثر كفها في ثوبه بخلوق فرجع إلى أبيه في منزله وأخبره بما رأى، ثم سقط على وجهه فمات وقيل: إنه خرج في الجاهلية فقال:
ألا إن هنداً أصبحت منك محرماً وأصبحت من أدنى حموتها حما
وأصبحت كالمغمود جفن سلاحه يقلب بالكفين قوساً وأسهـمـا
ثم مد بها صوته فمات والقول الأول على هذا أصح، وله أشعار كثيرة فيها منها قوله:
ألا بلغا هنـداً سـلامـي فـإن نـأت فقلبي مذ شطت بها الدار مـدنـف
ولم أر هنداً بـعـد مـوقـف سـاعة بأنعم فـي أهـل الـديار تـطـوف
أتت بين أتراب تـمـايس إذ مـشـت دبيب القطا أو هن منهـن أقـطـف
يبـاكـرن مـرات جـلـياً وتــارة زكياً وبـالأيدي مـذاب ومـسـوف
أشارت إلينا من خـظـاة ذراعـهـا سراة الضحى مني على الحي موقف
وقالت تباعد يا ابن عمـي فـإنـنـي منيت بذي صـول يغـار ويعـنـف
وقال أيضاً:
خليلي زورا قبل شط النوى هنداً ولا تأمنا من دار ذي لطف بعدا
ولا تعجلا لم يدر صاحب حـاجة أغياً يلاقي في التعجل أم رشدا
ومرا عليها بارك الله فـيكـمـا وإن لم تكن هند لوجهكما قصدا
وقولا لها ليس الضلال أجازنـا ولكننا جزنا لنلقاكـم عـمـدا
هيلانة لويزا أليصابات
قرينة فردينند وابنة البرنس فريدريك لويس دومكلبرغ شورين ولدت في لددغسلت 24 كانون الثاني (يناير) سنة 1814م، وتوفيت في ريتشمند من إنكلترا في 18 أيا مايو سنة 1858م. كانت ذات أخلاق خسنة وذوق سليم مهذبة لطيفة بروستانتية اعتنت بعد وفاة زوجها بتهذيب وليدها “لويس فليب ألبرت” كونت باريس “ووروير فيليب لويس أوجين” و”زينند” دوق “شرتر”، ولما تنحى “لويس فيليب” عن تخت الملك في 24 شباط سنة 1848م وجعل مكانه حفيده كونت باريس قرر نظاماً لوكالة الملك حرمت بموجبه حقها في الوكالة.
ولما عرض النظام المذكور على مجلس الأمة سارت بولديها إلى مجلس النواب محفوفة بمخاطر جسيمة، وكان مجلس النواب قد عزم على تعيينها وكيلة إلا أن الناس اجتمعوا إليه ونادوا بالجمهورية، فقرت بولديها وصهرها دوق “وتيموز” إلى أوتيل “ريزانقاليد”، ثم هربت بهم من هناك إلى بلجيكا وأقامت في “ايسناخ” عند خالها “غراندوق ويمار”، ولما خاب أملها بنجاح “نابليون الثالث” من تولية ابنها تخت فرنسا أخذ اليأس منها كل مأخذ واعتلت صحتها وذهبت إلى انكلترا لزيارة عائلة زوجها، وتوفيت هناك.
هيلانة أم قسطنطين المظفر
وزوجة قسطس صاحب شرطة “دقليطانوس” وهو آخر من عبد الصنم من ملوك الروم، وقسطنطين هو الذي انتقل من رومية إلى بيزنطية فعمر سورها وسماها قسطنطينية وجمع الأساقفة، ووضع شرائع النصرانية وسارت أم هيلانة، وأخرجت من بيت المقدس خشبة الصليب وبنت عدة كنائس منها قمامة وكنيسة حمص وكنيسة الرها.
والحاصل أن هذه الملكة كانت أنموذج دهرها، وفاكهة عصرها. مهدت الملك لولدها، ثم ملكت أولاده الثلاثة بعده. وكانت هيلانة من أهل قرى مدينة الرها قد تنصرت على أيدي أسقف الرها، وتعلمت الكتب، فلما مر بقريتها قسطس رآها فأعجبته فتزوج بها وحملها إلى بيزطية مدينته فولدت فه قسطنطين وكان جميلاً، فأنذر “دقليطانوس” منجموه بأن هذا الغلام -قسطنطين- سيملك الروم وييدل دينهم فأراد قتله ففر منه إلى مدينة الرها، وتعلم بها الحكم اليونانية حتى مات “دقطيانوس” فعاد إلى بزنطية فسلمها إليه أبوه قسطس ومات، فقام بأمرها بعد أبيه.

هيئة بنت اوس بن حارثة بن لام الطائي
حليلة الحارث بن عون بن أبي حارثة. كان سيداً من سادات العرب خطبها من أبيها، فأجابه بعد امتناع وكان عنده ثلاث بنات فدخل على زوجته فقال لها: ادعي لي فلانة أكبر بناته. فأتت فقال لها: أي بنية هذا الحارث بن عون سيد من سادات العرب جاءني خاطباً، وقد أردت أن أزوجك منه فما تقولين؟ قالت: لا تفعل. قال: ولم؟ قالت: لا، في خلقي رداءة، وفي لساني حدة ولست بابنة عمه فيراعي رحمي، ولا هو بجار لك في البلد فيستحي منك، ولا آمن أن يرى مني ما يكره فيطلقني فيكون علي بذلك سبة.
قال لها: قومي بارك الله فيك. ثم دعا ابنته الأخرى فقال لها مثل قوله لأختها فأجابته مثل جوابها. فقال لها: قومي بارك الله فيك.
ثم دعا بالثالثة وكانت أصغرهن سناً فقال مثل ما قال لأختيها. فقالت: أنت وذلك. فقال لها: إني عرضت ذلك على أختيك فأبياه ولم يذكر لها مقالتهما فقالت له: والله أنا الجميلة وجهاً، الرقيقة خلقاً، الحسنة رأياً فإن طلقني فلا أخلف الله عليه. فقال لها: بارك الله فيك، ثم خرج إليه فقال: زوجتك يا حارث بابنتي هنيئة. قال: قبلت نكاحها. وأمر أمها أن تهيئها له، وتصلح شأنها.
ثم أمر ببيت فضربه له وأنزله إياه ثم بعثها إليه، فلما دخلت عليه ودنا منها، قالت: أعند أبي وإخوتي هذا والله لا يكون، ثم أمر بالرحيل فرحل بها، فلما كان بالطريق قرب منها فقالت: أتفعل بي كما يفعل بالأمة السبية الأخيذة لا والله حتى تنحر الجزر وتفخر وتدعو العرب، وتعمل ما يعمل مثلك لمثلي قال: صدقت والله إني لأرى همة وعقلاً.
فلما ورد إلى بلاده أحضر الإبل والغنم ونحر وأولم ثم دخل عليها يريدها فقال لها: قد أحضرت من المال ما تريدين. قالت: والله لقد ذكرت من الشرف بما ليس فيك. قال: ولم ذاك؟ قالت: أتستفرغ لنكاح النساء والعرب يقتل بعضها بعضاً، وكان ذلك في أيام حرب قيس وذبيان قال: فماذا تقولين؟ قالت: اخرج إلى القوم فاصلح بينهم ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتك ما تريد. فقال: والله إني لأرى عقلاً ورأياً سديداً.
قال ابن سنان: فخرج إلينا لاحارث، فقال: اخرج بنا عبد أن أخبرنا بواقعة الحال فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا بينهم بالصلح فأصطلحوا على أن يحسبوا القتلى.
ثم تؤخذ الديت، فحملنا عنهم الديات فكانت ثلاثة آلاف بعير فانصرفنا بأجمل ذكر، ثم دخل عليها.
فقالت له: أما الآن فنعم، فأقامت معه في ألذ عيش وأطيبه، وولدت له بنين وبنات. هكذا فلتكن النساء، فقد أصلحت بين قبيلتين عجز عن إصلاحهما فحول الرجال.
هيلانة بنت ملك إسبارتا
هي على ما ذكر “أوميروس” الشاعر اليوناني بنت بعض ملوك “إسبارتا” كانت أشهر نساء عصرها حسناً وأكثرهن رقة وظرفاً فزوجها أبوها “بميلاس” ملك “لاكونيا” و”مسينيا” فأتي إسبارتا عقب ذلك “باريس بن بريام” ملك “تروادة”.
وكان ذلك في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، فأكرن “منيلاس” وفادته، وأنزله في بلاطه فما كان من باريس إلا أن استهوى هيلانة وفر هارباً بها عبد أن سلب قسماً من مال بعلها فكان ذلك سبب حرب “تروادة” الشهيرة التي دامت فيما قيل عشر سنين وانتهت بخراب تروادة وقتل باريس.
هيفاء بنت صبيح القضاعية
كانت فصيحة اللسان ثبتة الجنان لها معرفة بالشعر وعروضه وتزوجت نوفل بن سمير بن عمر التغلبي، ومكثت عنده حتى قتل في بعض الغزوات وقد شقت عليه الجيوب وخمشت الخدود ورثته بجملة أبيات وقصائد منها:
أبكي وأبكي بأسـفـار وأظـلام على فتى تغلبي الأصل ضرغام
لهفي عليه وما لهفي بنـافـعـه إلا تكافـح فـرسـان وأقـوام
قل للحجيب لحاك الله من رجـل حملت عار جميع الناس من سام
أيقتل ابنك بعلي يا ابن فـاطـمة ويشرب الماء ذا أضغات أحرم
والله لا زلت أبـكـيه وأنـدبـه حتى تزوك أخوالي وأعمامـي
بكل أسمر لدن الكعب معـتـدل وكل أبيض صافي الحد قـقـام
وقالت أيضاً في أبيها:
لم يبـد فـحـشـاً ولـم يهـدد لـمـعـظـــمـــه ولـك مـكـرمة تـلـقــي يســـامـــيهـــا
والـمـسـتـشـار لأمـر الـقـوم يحـزبـــهـــم إذا الـهـنـات أهـم الـقـوم ومــا فـــيهـــا
لا يرهب الجار منه غدوة أبداً وإن ألمت أمور فهو كافيها

ماذا تعرف عن الملك فاروق و مصر فى عهد الملك فاروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *