نشر أول وثائق رسمية تكشف قرارات «عبدالناصر» استعداداً لحرب أكتوبر.. أصبحت الخدمة فى القوات المسلحة خدمة حرب اعتباراً من 5 يونيو 1967.. ومنح الجنود الحق فى المعاشات والتعويضات


 
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر 
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر



تعيين محافظى القناة والشرقية حكامًا عسكريين لها ومنحهم حق اتخاذ
القرارات التى تحافظ على الأوضاع داخل الأراضى المصرية ولفرض السيطرة
الكاملة

◄ أصبحت الخدمة فى القوات المسلحة خدمة حرب اعتبارًا من 5 يونيو 1967 لمنح الجنود الحقوق فى المعاشات والتعويضات


أعدت وزارة التخطيط مذكرة لكيفية إدارة اقتصاد مصر كاقتصاد حرب بترشيد
وتقليل الإنفاق فى غير متطلبات المعركة ومراقبة كاملة ودقيقة لكل أوجه
الإنفاق والاقتصاد فيها وتوفير كل ما هو ضرورى وحيوى للمعركة


فى 22 يوليو 1967 عين أمين هويدى وزيرا للحربية ومنحه “عبد الناصر”
اختصاصاته لتطبيق النصوص المتعلقة بالتعبئة العامة لسرعة إعداد القوات
المسلحة المصرية لاسترداد الأرض المغتصبة


صدور قرارات وأوامر بمعاقبة كل مقصر فى تأمين وسلامة المنشآت العسكرية ضد
التخريب ومنع ارتداء أية ملابس أو شارات تستخدمها القوات المسلحة.

استيقظت
مصر فى صباح يوم الاثنين 5 يونيو 1967 على قيام القوات الجوية الإسرائيلية
بعدوان غادر على الأراضى المصرية، وبدا من نتائج هذا الهجوم أن القوات
الجوية المصرية قد تم تحييدها وأن سماء مصر أصبحت متاحة للطيران الإسرائيلى
الذى حمى قوات العدوان أثناء سيطرتها على شبه جزيرة سيناء ووصولها لقناة
السويس.

ومع اليوم الأول للعدوان لم تكن مصر بكل ثقلها الحضارى فى
مهب الريح، ولم تكن أبدًا بكل خبراتها فى الحروب وإدارة الأزمات لقمة سائغة
للحظة غدر من دولة لا أمان لها.

وفى اليوم الأول للعدوان أعلنت مصر
حالة الطوارئ فى جميع أراضيها، وكان ذلك بداية مواجهة العدوان، ورغم أن
كفة العدوان قد رجحت، إلا أن الجميع شعبًا وحكومةً أدركوا أن مسار مصر يجب
تصحيحه، وأن الجولة الثالثة من الصراع العربى الإسرائيلى وقد كسبتها
إسرائيل فإن مراجعة النفس وتصحيح الأخطاء أصبحت واجبة وملحة، وأن إعداد
الدولة للحرب واستعادة الأرض المغتصبة والهيبة والكرامة فى المنطقة ضرورة
ملحة مهما تكلف ذلك من عدة وعتاد.

وبعد مرور أربعين عامًا على
انتصار أكتوبر 1973، الذى يحتل مكان الصدارة فى الذاكرة الوطنية المصرية،
ومثل إعجازاً بشرياً يدرس فى أرقى أكاديميات الحرب والسياسة، فلم تكن تتوقع
مراكز التفكير السياسية والعسكرية أنه بعد ما حصدته إسرائيل نتيجة عدوانها
على ثلاث دول عربية مجتمعة يمكن أن تقوم لهم وللعرب أجمعين قائمة أخرى،
أفرجت دار الكتب والوثائق القومية، عن أول وثائق لم يطلع عليها أحد من قبل
حول نصر أكتوبر 1973، وما أطلقت عليه الحكومة المصرية آنذاك، «مشروعات
إعداد الدولة للحرب» وترميم الداخل المصرى والانطلاق نحو تكريس كل جهد وكل
ما تملكه الدولة من مقومات مادية وبشرية لصالح المعركة.
ويتضمن الكتاب
الذى جاء بعنوان «مصر فى قلب المعركة.. قراءة فى وثائق حرب أكتوبر بدار
الوثائق المصرية» وقام بإعداده الدكتور عبدالواحد النبوى رئيس دار الوثائق
القومية، وساعده مجموعة من العاملين بالدار، ثلاثة فصول أولها «إعداد
الدولة للحرب» وثانيها «أيام الحرب»، وأخيرًا «ما بعد الحرب».

ويوضح
«عبدالواحد النبوى» فى قراءته للوثائق أنه يتضح من خلالها أن الإدارة
المصرية لم تفقد توازنها ولا اتزانها ولا سيطرتها ولم يغب عقلها بسبب ذلك
العدوان، وبدأت سريعاً، خطوات ترميم الداخل المصرى واستعادة الدور وإعادة
بناء القوات المسلحة بسرعة متلاحقة، فالشعب المصرى لن يرضى إلا بعودة كل
الأرض.

ولم يكد يمر يومان على العدوان، إلا وتحرك رجال الزعيم
الراحل جمال عبدالناصر، استعداداً للمعركة، حيث أصدر وزير الخزانة المصرى
منشوراً عاما بتاريخ 7 يونيو 1967 لتزويد وزارة الحربية ووزارة الإنتاج
الحربى وفروعهما بكل ما يقع عليه الاختيار فى مخازن الجهات الحكومية بدون
ثمن. وانهالت التبرعات من مختلف أنحاء البلاد والتى شارك فيها المصريون على
اختلاف طوائفهم إدراكاً لما فيه مصر وكانت محافظات القناة، فى حاجة سريعة
لترتيب أوضاعها، وفرض السيطرة الكاملة على جميع أجزائها، خاصة أنها مجاورة
لشبه جزيرة سيناء، التى احتلت وقناة السويس التى وضع العدو يده على الضفة
الشرقية لها؛ فتم تعيين محافظى محافظات القناة ومحافظة الشرقية حكاما
عسكريين لها، وخولهم جمال عبدالناصر حق اتخاذ القرارات التى تحافظ على
الأوضاع داخل الأراضى المصرية. وقد اقتصرت الأوامر العسكرية التى كان من حق
المحافظين إصدارها ونشرها فى الوقائع المصرية على ترتيب أوضاع المحافظات
من الداخل، وخاصة فى توفير المواد التموينية وعدم تهريبها، وتنظيم أعمال
الدفاع المدنى وتيسير سبل الحياة لأهالى هذه المحافظات، وكذلك تنظيم الدخول
والخروج من المحافظات باعتبارها مناطق تواجد للقوات المسلحة وتحركاتها،
وتدريباتها استعداداً للمعركة الفاصلة.

ويوضح عبدالواحد النبوى من
خلال الوثائق أن الوضع الاقتصادى كان عاملاً مهما يمثل حجر زاوية فى
التخطيط للمعركة، وبدا من اللحظة الأولى أن مصر مصرة على الاعتماد على
ذاتها أولاً فى توفير الموارد المالية الملحة لإعداد القوات المسلحة، ففرضت
مجموعة من الإجراءات الضريبية منها: فرض ضريبة إضافية للدفاع وبخاصة على
الأماكن الترفيهية، تخفيض البدلات والرواتب الإضافية والتعويضات التى تمنح
للعاملين المدنيين والعسكريين، وكان عزم مصر قويًا على التخلص مما عملت
إسرائيل عليه؛ بتكريس صورة الهزيمة لمصر لمحاولة قتل روحها ودفعها
للاستسلام والرضا بالأمر الواقع والتنازل عن سيناء، فقامت وزارة التخطيط
بإعداد مذكرة لكيفية إدارة اقتصاد مصر كاقتصاد حرب، وتمحورت الاستراتيجية
التى ارتكزت عليها الإدارة فى توجيه الاقتصاد المصرى وقت الحرب حول الكفاءة
فى إدارة الموارد بترشيد وتقليل الإنفاق فى غير متطلبات المعركة ومراقبة
كاملة ودقيقة لكل أوجه الإنفاق والاقتصاد فيها، وتوفير كل ما هو ضرورى
وحيوى للمعركة.

ولم تكن الحكومة المصرية فى إطار ترتيبها للبيت
المصرى تترك المضارين من جراء العدوان دون تعويض، لذا فقد أصدر «عبدالناصر»
قرارا جمهوريا بتشكيل لجان لحصر الإضرار والخسائر التى وقعت فى النفس
والمال وأعطى للجان حق تقرير معاشات أو إعانات أو قروض لمن أضير بسبب
الأعمال الحربية.

وكان من أهم الخطوات إعادة بناء القوات المسلحة
وتغيير القيادة، فعين فى 22 يوليو 1967 أمين هويدى وزيرا للحربية، كما منحه
رئيس الجمهورية اختصاصاته لتطبيق النصوص المتعلقة بالتعبئة العامة لسرعة
إعداد القوات المسلحة المصرية لاسترداد الأرض المغتصبة، كما أبقى على بعض
القادة ذوى الكفاءة والذين قاموا بدور كبير فى الإعداد للحرب، وبدأت القوات
المسلحة التدريبات الشاقة والعسيرة استعدادا للمعركة الفاصلة، وسال الكثير
من العرق والدم أثناء التدريب، وكانت هناك حالة طوارئ دائمة داخل جميع
الوحدات العسكرية على اختلاف أنواعها، وبدا أن الأمر يستدعى التحفيز المادى
لرجال القوات المسلحة، ومنهم الكثير الذى ترك وظيفته ليؤدى واجبه الوطنى
وانقطع الكثير من رجالات القوات المسلحة عن منازلهم مرابطين على خط النار
انتظارا للحظة الفاصلة، لذا وافق رئيس الجمهورية على تقرير مكافأة ميدان
لجميع رجال القوات المسلحة، كما أصبحت الخدمة فى القوات المسلحة خدمة حرب
اعتباراً من 5 يونيو 1967. وهو ما يعطى لأفراد القوات المسلحة بعض الحقوق
فى المعاشات والتعويضات، كما قررت الحكومة المصرية صرف مرتبات وتعويضات
لذوى الغائبين من أفراد القوات المسلحة سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، إلى
أن يثبت فقدهم أو استشهادهم فتسوى حاتهم طبقاً لذلك. وتقرر أن يصرف
للمجندين أثناء فترة تجنيدهم نسبة 50% مما كان يتقاضاه من عمله الحكومى
ويتساوى به المجند الذى كان يعمل فى القطاع الخاص.

وأنشأت وزارة
الشؤون الاجتماعية، إدارة عامة لرعاية أسر المجندين، وتتبعها إدارات خاصة
فى كل مديرية من مديريات الشؤون الاجتماعية بالمحافظات، لتسيير ومتابعة
حصول أسر المجندين على مختلف الخدمات والمساعدات فى المجالين الحكومى
والأهلى، على أن تصرف مساعدات لهذه الأسر للذين لا يحصلون على معاش أو
مساعدة، طبقاً للوائح وذلك بالتنسيق مع القوات المسلحة.

كما تقرر
إعفاء أبناء وإخوة المفقودين والغائبين فى العمليات الحربية من شرط المجموع
عند القبول بالصفين الأول الإعدادى والثانوى، لقد كانت هذه القرارات فى
النواحى المالية والاجتماعية، من عوامل رفع المعنويات لأفراد القوات
المسلحة وكانت رسالة طمأنينة لأسرهم، وهى ما تكفلت به الدولة لكل فرد من
أفراد القوات المسلحة.

وكان تأمين القوات المسلحة مهمة رئيسية، حتى
تستطيع أن تؤدى مهامها، لذلك صدرت قرارات وأوامر بمعاقبة كل مقصر فى تأمين
وسلامة المنشآت العسكرية ضد التخريب، منها: ميناء الإسكندرية، والذى يعتبر
الميناء الرئيسى لمصر وبه القاعدة البحرية، كما منع ارتداء أية ملابس أو
شارات تستخدمها القوات المسلحة.

ولم يسمح القدر للزعيم جمال
عبدالناصر بأن يكمل مشواره لاسترداد الأرض، حيث رحل عن عالمنا فى 28 سبتمبر
1970 تاركًا رجال القوات المسلحة يكملون ما بدأه، وهو ما حدث بأن تولى
أنور السادات رجل الحرب والسلام قيادة جيش مصر للمعركة، وهو ما تناولته
الوثائق السابقة وأوضحت أخطر قراراته فى استعداده للحرب.

كما توضح
الوثائق التى تتعلق بأيام الحرب أنه عندما سقط جرحى وشهداء ونقلوا إلى
المستشفيات منع إعطاء أية بيانات إلا لرجال المخابرات الحربية، وقررت لجنة
العمل بمجلس الوزراء ضرورة تخفيض عدد العاملين فى الوزارات والأجهزة
المختلفة، تقليلا من آثار الغارات المباشرة على التجمعات السكانية، على أن
ينضم الذين يمكن الاستغناء عنهم من الوزارات المختلفة للتدريب على أعمال
الدفاع المدنى والمقاومة الشعبية وخدمة المعركة، كما فرض على بعض القطاعات
المبيت فى أماكن عملهم مثل العاملين بالمخبز الآلى بالإسماعيلية.

وظلت
مصر بشبابها وشيوخها بنسائها ورجالها طوال أيام المعركة على قلب رجل واحد،
وصدر قرار مجلس الأمن 338 بتاريخ 22 أكتوبر 1973 لوقف إطلاق النار وعلى
التنفيذ العاجل للقرار 242 الذى يتضمن انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية
التى احتلتها فى 5 يونيو 1967 وضمان حق الشعب الفلسطينى. وجرت مفاوضات
الكيلو 101 تحت إشراف الأمم المتحدة للفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية
ووقع اتفاق الفصل فى 8 نوفمبر 1973 وقد نص اتفاق الفصل بين القوات على
انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من منطقة الدفرسوار، وسيطرة القوات المصرية
على جميع المناطق المنسحبة منها القوات الإسرائيلية وبقاء القوات المصرية
فى جميع الأراضى التى سيطرت عليها فى سيناء، كما تبدأ إسرائيل انسحاباً آخر
بعد 40 يوماً إلى منطقة الممرات بسيناء استكمالاً لتطبيق القرار 242، وقد
استقال شارون صاحب ثغرة الدفرسوار من الجيش الإسرائيلى احتجاجاً على اتفاق
الفصل بين القوات.

أما عما بعد الحرب فالوثائق التى يضمها هذا
الكتاب ركزت بشكل كبير على ما يتعلق بالفترة بعد الحرب فإنها ركزت وبشكل
كبير على تكريم من شاركوا فى هذه الحرب المجيدة، حيث أنشئت ميدالية خاصة
بها سميت ميدالية 6 أكتوبر 1973 وتمنح لجميع أفراد القوات المسلحة المصرية
أو المدنيين أو من مواطنى الدول العربية الشقيقة الذين قاموا بدور ممتاز فى
حرب أكتوبر، كما أنشئ وسام نجمة سيناء ويأتى فى المرتبة الثانية مباشرة
بعد وسام الجمهورية (أعلى وسام عسكرى) لوسام نجمة سيناء مزايا نقدية
وعينية، كما صرفت مكافآت نقدية لأفراد القوات المسلحة عسكريين ومدنيين بعد
اتمام مرحلة الفصل بين القوات، واتخذ يوم 6 أكتوبر عيداً للقوات المسلحة
ويوم 24 أكتوبر عيداً لمدينة السويس والمقاومة الشعبية.

وأقيمت
حفلات التكريم للهيئات الطبية والهلال الأحمر والهيئات الشعبية، على ما
بذلوه من جهود أيام المعركة، ومنح من قاموا بأعمال بطولية من المحافظات
والعاملين بالوزارات والهيئات المختلفة النياشين والأوسمة والأنواط، وزادت
معاشات المجندين، كما تم إصدار عملات تذكارية من الذهب والفضة والنيكل
تخليدا لذكرى الحرب.

لكن كان الانشغال الأكبر للحكومة هو العمل على
إعادة المهجرين إلى مدن القناة وتعويضهم عما أصابهم من أضرار، وقد بذلت فى
ذلك وزارة الشؤون الاجتماعية جهوداً كبيرة، ويحفل هذا الكتاب بالكثير من
البيانات والإحصائيات التى تدل على طبيعة العمل.

ودخلت مصر فى مرحلة
طويلة من المفاوضات لعقد معاهدة سلام حتى تم ذلك فى عام 1979 وطوال
السنوات التالية للحرب ظلت القوات المسلحة – ومازالت – على أهبة الاستعداد
لأى اعتداء غادر تقوم به إسرائيل، وكانت الخدمة فى القوات المسلحة تعتبر
خدمة حرب حتى صدر قرار فى 1986 بإنهاء اعتبار الخدمة فى القوات المسلحة
خدمة حرب.

undefined

ماذا تعرف عن الملك فاروق و مصر فى عهد الملك فاروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *