تاريخ العلامة ابن خلدون المجلد الأول الجزء الثانى

المجلد الأول – من تاريخ العلامة ابن خلدون

مراحل من الجبل ، ويخرج من هذه البحيرة نهران يذهب أحدهما إلى ناحية الشمال على سمته ويمر ببلاد النوبة ثم بلاد مصر فإذا جاوزها تشعب في شعب متقاربة يسمى كل واحد منها خليجاً وتصب كلها في البحر الرومي عند الإسكندرية ويسمى ” نيل مصر ” وعليه الصعيد من شرقية والواحات من غربيه ويذهب الآخر منعطفا إلى المغرب ثم يمر على سمته إلى أن يصب في البحر المحيط وهو ” نهر السودان ” ، وأممهم كلهم على ضفتيه .وأما الفرات فمبدؤه من بلاد أرمينية في الجزء السادس من الإقليم الخامس ويمر جنوباً في أرض الروم وملطية إلى منبج ثم يمر بصفين ثم بالرقة ثم بالكوفة إلى أن ينتهى إلى البطحاء التي بين البصرة وواسط ومن هناك يصب في البحر الحبشى تنجلب إليه في طريقه أنهار كثيرة ويخرج منه أنهار أخرى تصب في دجلة .وأما دجلة فمبدؤها عين ببلاد خلاط من أرمينية أيضاً وتمر على سمت الجنوب بالموصل وأذربيجان وبغداد إلى واسط فتتفرق إلى خلجان كلها تصب في بحيرة البصرة وتفض إلى بحر فارس وهو في الشرق على يمين الفرات وينجلب إليه أنهار كثيرة عظيمة من كل جانب ، وفيما بين الفرات ودجلة من أوله جزيرة الموصل قبالة الشام من عدوتى الفرات وقبالة أذربيجان من عدوة دجلة وأما نهر جيحون فمبدؤه من بلخ في الجزء الثامن من الإقليم الثالث من عيون هناك كثيرة وتجلب إليه أنهار عظام ويذهب من الجنوب إلى الشمال فيمر ببلاد خراسان ثم يخرج منها إلى بلاد خوارزم في الجزء الثامن من الإقليم الخامس فيصب في بحيرة الجر جانية التي بأسفل مدينتها وهى مسيرة شهر في مثله وإليها ينصب نهر فرغانة والشاش الآتى من بلاد الترك وعلى غربى نهر جيحون بلاد خراسان وخوارزم وعلى شرقيه بلاد بخارى وترمذ و سمرقند ، ومن هنالك إلى ما وراءه بلاد الترك وفرغانة والخزلجية وأمم الأعاجم .وقد ذكر ذلك كله بطليموس في كتابه والشريف في كتاب رجار وصوروا في الجغرافيا جميع ما في المعمور من الجبال والبحار والأودية واستوفوا من ذلك

ما لا حاجة لنا به ؛ لطوله ؛ ولأن عنايتنا في الأكثر إنما هى بالمغرب ، الذي هو وطن البربر، وبالأوطان التي للعرب من المشرق ، والله الموفق .
تكملة لهذه المقدمة الثانية
في أن الربع الشمالى من الأرض أكثر عمراناً
من الربع الجنوبي وذكر السبب في ذلك
ونحن نرى بالمشاهدة والأخبار المتواترة أن الأول والثانى من الأقاليم المعمورة أقل عمراناً مما بعدهما وما وجد من عمرانه فيتخلله الخلاء والقفار والرمال والبحر الهندي الذي في الشرق منهما ، وأمم هذين الإقليمين وأناسيهما ليست لهم الكثرة البالغة وأمصاره ومدنه كذلك ، والثالث والرابع وما بعدهما بخلاف ذلك فالقفار فيها قليلة والرمال كذلك أبى معدومة وأممها وأناسيها تجوز الحد من الكثرة وأمصارها ومدنها تجاوز الحد عدداً والعمران فيها مندرج ما بين الثالث والسادس والجنوب خلاء كله وقد ذكر كثير من الحكماء أن ذلك لإفراط الحر وقلة ميل الشمس فيها عن سمت الرؤوس فلنوضح ذلك ببرهانه ويتبين منه سبب كثرة العمارة فيما بين الثالث والرابع من جانب الشمال إلى الخامس والسابع ، فنقول : إن قطبى الفلك الجنوبى والشمالى إذا كانا على الأفق فهنالك دائرة عظيمة تقسم الفلك بنصفين هى أعظم الدوائر المارة من المشرق إلى المغرب وتسمى ” دائرة معدل النهار ” وقد تبين في موضعه من الهيئة أن الفلك الأعلى متحرك من المشرق إلى المغرب حركة يومية يحرك بها سائر الأفلاك التي في جوفه قهراً وهذه الحركة محسوسة ، وكذلك تبين أن للكواكب في أفلاكها حركة مخالفة لهذه الحركة وهي من المغرب إلى المشرق وتختلف آمادها باختلاف حركة الكواكب

السرعة والبطء وممرات هذه الكواكب في أفلاكها توازيها كلها دائرة عظيمة من الفلك الأعلى تقسمه بنصفين وهى ” دائرة فلك البروج” منقسمة باثنى عشر برجاً وهى على ما تبين في موضعه مقاطعة لدائرة معدل النهار على نقطتين متقابلتين من البروج هما : أول الحمل وأول الميزان فتقسمهما دائرة معدل النهار بنصفين نصف مائل عن معدل النهار إلى الشمال وهو من أول الحمل إلى آخر السنبلة، ونصف مائل عنه إلى الجنوب وهو : من أول الميزان إلى آخر الحوت ، وإذا وقع القطبان على الأفق في جميع نواحى الأرض كان على سطح الأرض خط واحد يسامت دائرة معدل النهار يمر من المغرب إلى المشرق ويسمى ” خط الاستواء” ووقع هذا الخط بالرصد على ما زعموا في مبدأ الإقليم الأول من الأقاليم السبعة والعمران كله قى الجهة الشمالية عنه والقطب الشمالى يرتفع عن آفاق هذا المعمور بالتدريج إلى أن ينتهى ارتفاعه إلى أربع وستين درجة وهنالك ينقطع العمران وهو آخر الإقليم السابع .وإذا ارتفع على الأفق تسعين درجة وهى التي بين القطب ودائرة معدل النهار صار القطب على سمت الرءوس وصارت دائرة معدل النهار على الأفق وبقيت ستة من البروج فوق الأفق وهى الشمالية وستة تحت الأفق وهى الجنوبية والعمارة فيما بين الأربعة والستين إلى التسعين ممتنعة ، لأن الحر والبرد حينئذ لا يحصلان ممتزجين لبعد الزمان بينهما فلا يحصل التكوين فإذا الشمس تسامت الرءوس على خط الاستواء في رأس الحمل والميزان ثم تميل عن المسامتة إلى رأس السرطان ورأس الجدى وبكون نهاية ميلها عن دائرة معدل النهار أربعا وعشرين درجة ثم إذا ارتفع القطب الشمالى عن الأفق مالت دائرة معدل النهار عن سمت الرؤوس بمقدار ارتفاعه وانخفض القطب الجنوبى كله بمقدار متساو في الثلاثة وهو المسمى عند أهل المواقيت ” عرض البلد”، وإذا مالت دائرة معدل النهار عن سمت الرءوس علت عليها البروج الشمالية مندرجة في مقدار علوها إلى رأس السرطان وانخفضت البروج الجنوبية من الأفق كذلك إلى رأس الجدى لانحرافها إلى الجانبين في أفق الاستواء كما قلناه فلا يزال الأفق الشمالى يرتفع حتى يصير

أبعد الشمالية وهو رأس السرطان في سمت الرءوس وذلك حيث يكون عرض . البلد أربعاً وعشرين في الحجاز وما يليه ، وهذا هو الميل الذي إذا مال رأس السرطان عن معدل النهار في أفق الاستواء ارتفع بارتفاع القطب الشمالى حتى صار مسامتاً فإذا ارتفع القطب أكثرمن أربع وعشرين نزلت الشمس عن المسامتة ولا تزال في انخفاض إلى أن يكون ارتفاع القطب أربعاً وستين ويكون انخفاض الشمس عن المسامتة كذلك وانخفاض القطب الجنوبى عن الأفق مثلها فينقطع التكوين لإفراط البرد والجمد وطول زمانه غير ممتزج بالحر .ثم إن الشمس عند المسامتة وما يقاربها تبعث الأشعة على الأرض على زوايا قائمة وفيما دون المسامتة على زوايا منفرجة وحادة ، وإذا كانت زوايا الأشعة قائمة عظم الضوء وانتشر بخلافه في المنفرجة والحادة فلهذا يكون الحر عند المسامتة وما يقرب منها كثر منه فيما بعد ؛ لأن الضوء سبب الحر والتسخين .
ثم إن المسامتة في خط الاستواء تكون مرتين في السنة عند نقطتى الحمل والميزان وإذا مالت فغير بعيد ولا يكاد الحر يعتدل في آخر ميلها عند رأس السرطان والجدي إلا إن صعدت إلى المسامتة فتبقى الأشعة القائمة الزوايا تلح على ذلك الأفق ويطول مكثها أو يدوم فيشتعل الهواء حرارة ويفرط في شدتها وكذا ما دامت الشمس تسامت مرتين فيما بعد خط الاستواء إلى عرض أربعة وعشرين فان الأشعة ملحة على الأفق في ذلك بقريب من إلحاحها في خط الاستواء وإفراط الحر يفعل في الهواء تجفيفاً ويبساً يمنع من التكوين ؛ لأنه إذا أفرط الحر جفت المياه والرطوبات وفسد التكوين في المعدن والحيوان والنبات ؛ إذ التكوين لا يكون إلا بالرطوبة ، ثم إذا مال رأس السرطان عن سمت الرءوس في عرض خمسة وعشرين فما بعده نزلت الشمس عن المسامتة فيصير الحر إلى الاعتدال أو يميل عنه ميلاً قليلاً فيكون التكوين ويتزايد على التدريج إلى أن يفرط البرد في شدته لقلة الضوء وكون الأشعة منفرجة الزوايا فينقص التكوين ويفسد إلا أن

فساد التكوين من جهة شدة الحر أعظم منه من جهة شدة البرد ؛ لأن الحر أسرع تأثيراً في التجفيف من تأثير البرد في الجمد ؛ فلذلك كان العمران في الإقليم الأول والثانى قليلاً وفى الثالث والرابع والخامس متوسطا لاعتدال الحر بنقصان الضوء وفى السادس والسابع كثير النقصان الحر ، وأن كيفية البرد لا تؤثر عند أولها في فساد التكوين كما يفعل الحر ؛ إذ لا تجفيف فيها إلا عند الإفراط بما يعرض لها حينئذ من اليبس كما بعد السابع فلهذا كان العمران في الربع الشمالي أكثر وأوفر والله أعلم.ومن هنا أخذ الحكماء خلاء خط الاستواء وما وراءه وأورد عليهم أنه معمور بالمشاهدة والأخبار المتواترة فكيف يتم البرهان على ذلك ؛ والظاهر أنهم لم يريدوا امتناع العمران فيه بالكلية إنما أداهم البرهان إلى أن فساد التكوين فيه قوى بإفراط الحر والعمران فيه إما ممتنع أو ممكن أقلى وهو كذلك ، فان خط الاستواء والذى وراءه وإن كان فيه عمران كما نقل فهو قليل جدا .وقد زعم ابن رشد أن خط الاستواء معتدل وأن ما وراءه في الجنوب بمثابة ما وراء في الشمال فيعمر منه ما عمر من هذا والذى قاله غير ممتنع من جهة فساد التكوين وإنما امتنع فيما وراء خط الاستواء في الجنوب من جهة أن العنصر المائي غمر وجه الأرض هنالك إلى الحد الذي كان مقابله من الجهة الشمالية قابلاً للتكوين ولما امتنع المعتدل لغيبة الماء تبعه ما سواه ،لأن العمران متدرج ويأخذ في التدريج من جهة الوجود لا من جهة الامتناع ، وأما القول بامتناعه في خط الاستواء فيرده النقل المتواتر ، والله أعلم .
ولنرسم بعد هذا الكلام صورة الجغرافيا كما رسمها صاحب كتاب ” رو جار ” ثم نأخذ في تفصيل الكلام عليها إلى آخره .

تفصيل الكلام على هذه الجغرافيا
اعلم أن الحكماء قسموا هذا المعمور كما تقدم ذكره على سبعة أقسام من الشمال إلى الجنوب يسمون كل قسم منها إقليماً فانقسم المعمور من الأرض كله على هذه السبعة الأقاليم كل واحد منها آخذ من الغرب إلى الشرق على طوله .فالأول منها مار من المغرب إلى المشرق مع خط الاستواء بحده من جهة الجنوب وليس وراءه هنالك إلا القفار والرمال وبعض عمارة إن صحت فهى كلا عمارة ويليه من جهة شماليه الإقليم الثانى ثم الثالث كذلك ثم الرابع والخامس والسادس والسابع وهو آخر العمران من جهة الشمال وليس وراء السابع إلا الخلاء والقفار إلى أن ينتهى إلى البحر المحيط كالحال فيما وراء الإقليم الأول في جهة الجنوب إلا أن الخلاء في جهة الشمال أقل بكثير من الخلاء الذي في جهة الجنوب ، ثم إن أزمنة الليل والنهار تتفاوت في هذه الأقاليم بسبب ميل الشمس عن دائرة معدل النهار وارتفاع القطب الشمالى عن آفاقها فيتفاوت قوس النهار والليل لذلك وينتهى طول الليل والنهار في آخر الإقليم الأول وذلك عند حلول الشمس برأس الجدي لليل وبرأس السرطان للنهار كل واحد منهما إلى ثلاث عشرة ساعة وكذلك في آخر الإقليم الثانى مما يلى الشمال فينتهى طول النهار فيه عند حلول الشمس برأس السرطان وهو منقلبها الصيفى إلى ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة ومثله أطول الليل عند منقلبها الشتوى برأس الجدى ويبقى للأقصر من الليل والنهار ما يبقى بعد الثلاث عشرة ونصف من جملة أربع وعشرين الساعات الزمانية لمجموع الليل والنهار وهى دورة الفلك الكاملة وكذلك في آخر الإقليم الثالث مما يلى الشمال أيضا ينتهيان إلى أربع عشرة ساعة وفى آخر الرابع إلى أربع عشرة ساعة

ونصف ساعة وفى آخر الخامس إلى خمس عشرة ساعة وفى آخر السادس إلى خمس عشرة ساعة ونصف وفى آخر السابع إلى ست عثرة ساعة وهنالك ينقطع العمران فيكون تفاوت هذه الأقاليم في الأطول من ليلها ونهارها بنصف ساعة لكل إقليم يتزايد من أوله في ناحية الجنوب إلى آخره في ناحية الشمال موزعة على أجزاء هذا البعد . وأما عرض البلدان في هذه الأقاليم فهو عبارة عن بعد ما بين سمت رأس البلد ودائرة معدل النهار الذي هو سمت رأس خط الاستواء وبمثله سواء ينخفض القطب الجنوبى عن أفق ذلك البلد ويرتفع القطب الشمالى عنه وهو ثلاثة أبعاد متساوية تسمى عرض البلد كما مر ذلك قبل . والمتكلمون على هذه الجغرافيا قسموا كل واحد من هذه الأقاليم السبعة في طوله من المغرب إلى المشرق بعشرة أجزاء متساوية ويذكرون ما اشتمل عليه كل جزء منها من البلدان والأمصار والجبال والأنهار والمسافات بينها نى المسالك ونحن الآن نوجز القول في ذلك ونذكر مشاهير البلدان والأنهار بى البحار في كل جزء منها ونحاذى بذلك ما وقع في كتاب ” نزهة المشتاق ” والذى ألفه العلوي الإدريسي الحموي لملك صقلية من الإفرنج وهو زخار بن زخار عندما كان نازلاًً عليه بصقلية بعد خروج صقلية من إمارة مالقة وكان تأليفه للكتاب في منتصف المائة السادسة وجمع له كتبا جمة للمسعودى وابن خرداذبه والحوقلى والقدرى وابن إسحاق المنجم وبطليموس وغيرهم ونبدأ منها بالإقليم الأول إلى آخرها ، والله سبحانه وتعالى يعصمنا بمنه وفضله .
الإقليم الأول : وفيه من جهة غربية الجزائر الخالدات التي منها بدأ بطليموس يأخذ أطوال البلاد وليست في بسيط الإقليم وإنما هى في البحر المحيط جزر متكثرة كبرها وأشهرها ثلاثة ويقال : إنها معمورة وقد بلغنا أن سفائن من الإفرنج مرت بها في أواسط هذه المائة وقاتلوهم فغنموا منهم وسبوا وباعوا بعض

أسراهم بسواحل المغرب الأقصى وصاروا إلى خدمة السلطان فلما تعلموا اللسان العربى أخبروا عن حال جزائرهم وأنهم يحتفرون الأرض للزراعة بالقرون وأن الحديد مفقود بأرضهم وعيشهم من الشعير وماشيتهم المعز وقتالهم بالحجارة يرمونها إلى خلف وعبادتهم السجود للشمس إذا طلعت ولا يعرفون دينا ولم تبلغهم دعوة ولا يوقف على مكان هذه الجزائر إلا بالعثور لا بالقصد إليها ، لأن سفر السفن في البحر إنما هو بالرياح ومعرفة جهات مهابها وإلى أين يوصل إذا مرت على الاستقامة من البلاد التي في ممر ذلك المهب . وإذا اختلف المهب وعلم حيث يوصل على الاستقامة حوذى به القلع محاذاة يحمل السفينة بها على قوانين في ذلك محصلة عند النواتية والملاحين الذين هم رؤساء السفن في البحر والبلاد التي في حافات البحر الرومي وفى عدوته مكتوبة كلها في صحيفة على شكل ما هى عليه في الوجود وفى وضعها في سواحل البحر على ترتيبها ومهاب الرياح وممراتها على اختلافها مرسوم معها في تلك الصحيفة ويسمونها ” الكنباص ” وعليها يعتمدون في أسفارهم ، وهذا كله مفقود في البحر المحيط فلذلك لا تلج فيه السفن ؛ لأنها إن غابت عن مرأى السواحل فقل أن تهتدى إلى الرجوع إليها مع ما ينعقد في جو هذا البحر وعلى سطح مائه من الأبخرة الممانعة للسفن في مسيرها وهى لبعدها لا تدركها أضواء الشمس المنعكسة من سطح الأرض فتحللها فلذلك عسر الاهتداء إليها وصعب الوقوف على خبرها .وأما الجزء الأول من هذا الإقليم ففيه مصب النيل الآتى من مبدئه عند جبل القمر كما ذكرناه ويسمى نيل السودان وبذهب إلى البحر المحيط فيصب فيه عند جزيرة أوليك وعلى هذا النيل مدينة سلا وتكرور وغانة وكلها لهذا العهد في مملكة ملك مالى من أمم السودان وإلى بلادهم تسافر تجار المغرب الأقصى وبالقرب منها من شماليها بلاد لمتونة وسائر طوائف الملثمين ومفاوز يجولون فيها وفى جنوبى هذا النيل قوم من السودان يقال لهم

لملم وهم كفار ويكتوون في وجوههم وأصداغهم وأهل غانة والتكرور يغيرون عليهم ويسبونهم ويبيعونهم للتجار فيجلبونهم إلى المغرب وكلهم عامة رقيقهم وليس وراءهم في الجنوب عمران يعتبر إلا أناسى أقرب إلى الحيوان العجم من الناطق يسكنون الفيافى والكهوف ويأكلون العشب والحبوب غير مهيأة وربما يكل بعضهم بعضا وليسوا في عداد البشر .وفواكه بلاد السودان كلها من قصور صحراء المغرب مثل توات وتكدرارين ووركلان فكان في غانة فيما يقال : ملك دولة لقوم من العلويين يعرفون ببنى صالح وقال صاحب كتاب “روجار” إنه صالح بن عبد الله بن حسن بن الحسن ولا يعرف صالح هذا في ولد عبد الله بن حسن وقد ذهبت هذه الدولة لهذا العهد وصارت غانة لسلطان “مالى” .وفى شرقى هذا البلد في الجزء الثالث من هذا الإقليم بلد “كوكو” على نهر ينبع من بعض الجبال هنالك ويمر مغربا فيغوص في رمال الجزء الثانى وكان ملك كوكو قائماً بنفسه ثم استولى عليها سلطان مالى وأصبحت في مملكته وخربت لهذا العهد من أجل فتنة وقعت هناك نذكرها عند ذكر دولة مالى في محلها من تاريخ البربر وفى جنوبى بلد كوكو بلاد كاتم من أمم السودان وبعدهم ونغارة على ضفة النيل من شماليه .وفى شرقى بلاد ونغارة وكاتم بلاد زغاوة وتاجرة المتصلة بأرض النوبة في الجزء الرابع من هذا الإقليم وفيه يمر نيل مصر ذاهبا من مبدإه عند خط الاستواء إلى البحر الرومى في الشمال ، ومخرج هذا ،النيل من جبل القمر الذي فوق خط الاستواء بست عشرة درجة واختلفوا في ضبط هذه اللفظة فضبطها بعضهم بفتح القاف والميم نسبة إلى قمر السماء لشدة بياضه وكثرة ضوءه وفى كتاب ” المشترك “، الياقوت بضم القاف وسكون الميم نسبة إلى قوم من أهل الهند وكذا ضبطه ابن سعيد، فيخرج من هذا الجبل عشر عيون تجتمع كل خمسة منها في بجيرة وبينهما ستة أميال ويخرج من كل واحدة من البحيرتين ثلاثة أنهار تجتمع كلها في بطيحة

واحدة في أسفلها جبل معترض يشق البحيرة من ناحية الشمال ، وينقسم ماؤها بقسمين فيمر الغربى منه إلى بلاد السودان مغرباً حتى يصب في البحر المحيط ويخرج الشرقى منه ذاهباً إلى الشمال على بلاد الحبشة، والنوبة وفيها بينهما وينقسم في أعلى أرض مصر فيصب ثلاثة من جداوله في البحر الرومى عند الإسكندرية ورشيد ودمياط ويصب واحد في بحيرة ملحة قبل أن يتصل بالبحر في وسط هذا الإقليم الأول ، وعلى هذا النيل بلاد النوبة والحبشة وبعض بلاد الواحات إلى أسوان وحاضرة بلاد النوبة مدينة دنقلة وهى في غربى هذا النيل وبعدها علوة وبلاق وبعدهما جبل الجنادل على ست مراحل من بلاق في الشمال وهو جبل عال من جهة مصر ومنخفض من جهة النوبة فينفذ فيه النيل ويصب في مهوى بعيد صباً مهولاً فلا يمكن أن تسلكه المراكب بل يحول الوسق من مراكب السودان فيحمل على الظهر إلى بلد أسوان قاعدة الصعيد وكذا وسق مراكب الصعيد إلى فوق الجنادل وبين الجنادل وأسوان اثنتا عشرة مرحلة والواحات في غربيها عدوة النيل وهى الآن خراب وبها آثار العمارة القديمة .وفى وسط هذا الإقليم في الجزء الخامس منه بلاد الحبشة على واد يأتى من وراء خط الاستواء ذاهباً إلى أرض النوبة فيصب هناك في النيل الهابط إلى مصر ، وقد وهم فيه كثير من الناس وزعموا أنه من نيل القمر وبطليموس ذكره في كتاب “الجغرافيا ” وذكر أنه ليس من هذا النيل ، وإلى وسط هذا الإقليم في الجزء الخامس. ينتهى بحر الهند الذي يدخل من ناحية الصين ويغمر عامة هذا الإقليم إلى هذا الجزء الخامس فلا يبقى فيه عمران إلا ما كان في الجزائر التي في داخله وهى متعددة يقال : تنتهى إلى ألف جزيرة أو فيما على سواحله الجنوبية وهى آخر المعمور في الجنوب أو فيما على سواحله من جهة الشمال وليس منها فىء هذا الإقليم الأول إلا طرف من بلاد الصين في جهة الشرق وفى بلاد اليمن .وفى الجزء السادس من هذا الإقليم فيما بين البحرين الهابطين من هذا البحر الهندى إلى جهة الشمال وهما بحر قلزم

وبحر فارس وفيما بينهما جزيرة العرب وتشتمل على بلاد اليمن وبلاد الشحر في شرقيها على ساحل هذا البحر الهندى وعلى بلاد الحجاز واليمامة وما إليهما كما نذكره في الإقليم الثانى وما بعده ، فأما الذي على ساحل هذا البحر من غربيه فبلد زالع من أطراف بلاد الحبشة ومجالات البجة في شمالى الحبشة ما بين جبل العلاقى في أعالى الصعيد وبين بحر القلزم الهابط من البحر الهندى وتحت بلاد زالع من جهة الشمال في هذا الجزء خليج باب المندب يضيق البحر الهابط هنالك بمزاحمة جبل المندب المائل في وسط البحر الهندى ممتداً مع ساحل اليمن من الجنوب إلى الشمال في طول اثنى عشر ميلاً فيضيق البحر بسبب ذلك إلى أن يصير في عرض ثلاثة أميال أو نحوها ويسمى ” باب المندب ” وعليه تمر مراكب اليمن إلى ساحل السويس قربيا من مصر وتحت باب المندب جزيرة سواكن ودهلك وقبالته من غربيه مجالات البجة من أمم السودان كما ذكرناه ومن شرقيه في هذا الجزء تهائم اليمن ومنها على ساحله بلد على بن يعقوب وفى جهة الجنوب من بلد زالع وعلى ساحل هذا البحر من غربيه قرى بربر يتلو بعضها بعضا وينعطف مع جنوبيه إلى آخر الجزء السادس ويليها هنالك من جهة شرقيها بلاد الزنج ثم بلاد سفالة على ساحله الجنوبى في الجزء السابع من هذا الإقليم وفى شرقى بلاد سفالة من ساحله الجنوبى بلاد الواق واق متصلة إلى آخر الجزء العاشر من هذا الإقليم عند مدخل هذا البحر من البحر المحيط . وأما جزائر هذا البحر فكثيرة من أعظمها جزيرة سرنديب مدورة الشكل. وبها الجبل المشهور يقال : ليس في الأرض أعلى منه وهى قبالة سفالة ، ثم جزيرة القمر وهي جزيرة مستطيلة تبدأ من قبالة أرض سفالة وتذهب إلى الشرق منحرفة بكثير إلى الشمال إلى أن تقرب من سواحل أعالى الصين ويحتف بها في هذا البحر من جنوبيها جزائر الواق واق ومن شرقيها جزائر السيلان إلى جزائر أخر في هذا البحر كثيرة العدد ، وفيها أنواع الطيب

والأفاويه وفيها يقال : معادن الذهب والزمرد ، وعامة أهلها على دين المجوسية وفيهم ملوك متعددون ، وبهذه الجزائر من أحوال العمران عجائب ذكرها أهل – الجغرافيا ، وعلى الضفة الشمالية من هذا البحر في الجزء السادس من هذا الإقليم بلاد اليمن كلها فمن جهة بحر القلزم بلد زبيد والمهجم وتهامة اليمن وبعدها بلد صعدة مقر الإمامة الزيدية وهى بعيدة عن البحر الجنوبى وعن البحر الشرقى وفيما بعد ذلك مدينة عدن وفى شماليها صنعاء وبعدهما إلى المشرق أرض الأحقاف وظفار وبعدها أرض حضرموت ثم بلاد الشحر ما بين البحر الجنوبى وبحر فارس ، وهذه القطعة من الجزء السادس هى التي انكشف عنها البحر من أجزاء هذا الإقليم الوسطى وينكشف بعدها قليل من الجزء التاسع وأكثر منه من العاشر فيه أعالى بلاد الصين ومن مدنه الشهيرة خانكو وقبالتها من جهة الشرق جزائر السيلان وقد تقدم ذكرها ، وهذا آخر الكلام في الإقليم الأول ، والله سبحانه وتعالى ولى التوفيق بمنه وفضله .
الإقليم الثانى
وهو متصل بالأول من جهة الشمال وقبالة المغرب منه في البحر المحيط جزيرتان من الجزائر الخالدات التي مر ذكرها وفى الجزء الأول والثانى منه في الجانب الأعلى منهما أرض قنورية وبعدها في جهة الشرق أعالى أرض غانة ثم مجالات زغاوة من السودان وفى الجانب الأسفل منهما صحراء نستر متصلة من الغرب إلى الشرق ذات مفاوز تسلك فيها التجار ما بين بلاد المغرب وبلاد السودان وفيها مجالات الملثمين من صنهاجة وهم شعوب كثيرة ما بين كزولة ولمتونة ومسراتة ولمطة ووريكة.وعلى سمت هذه المفاوز شرقا أرض فزان ثم مجالات أزكار من قبائل البربر ذاهبة إلى أعالى الجزء الثالث على سمتها في الشرق وبعدها من هذا الجزء الثالث وهي جهة. الشمال منه بقية أرض وذان ،وعلى سمتها شرقاً أرض سنترية وتسمى الواحات الداخلة. وفى الجزء الرابع من أعلاه

بقية أرض من الباجويين ثم يعترض في وسط هذا الجزء بلاد الصعيد حافات النيل الذاهب من مبدإه في الإقليم الأول إلى مصبه في البحر فيمر في هذا الجزء بين الجبلين الحاجزين وهما : جبل الواحات من غربيه، وجبل المقطم من شرقيه وعليه من أعلاه بلد إسنا وأرمنت ويتصل كذلك حفافيه إلى أسيوط وقوص ثم إلى صول ويفترق النيل هنالك على شعبين ينتهى الأيمن منهما في هذا الجزء عند اللاهون والأيسر عند دلاص وفيما بينهما أعالى ديار مصر.وفى الشرق من جبل المقطم صحارى عيذاب ذاهبة في الجزء الخامس إلى أن تنتهى إلى بحر السويس وهو بحر القلزم الهابط من البحر الهندى في الجنوب إلى جهة الشمال وفى عدوته الشرقية من هذا الجزء أرض الحجار من جبل يلملم إلى بلاد يثرب، وفى وسط الحجاز مكة شرفها الله وفى ساحلها مدينة جدة تقابل بلد عيذاب في العدوة الغربية من هذا البحر .وفى الجزء السادس من غربيه بلاد نجد أعلاها في الجنوب وتبالة وجرش ألى عكاظ من الشمال وتحت نجد من هذا الجزء بقية أرض الحجاز؛ وعلى سمتها في الشرق بلاد نجران وخيبر وتحتها أرض اليمامة وعلى سمت نجران في الشرق أرض سبأ ومأرب ثم أرض الشحر. وينتهى إلى بحر فارس وهو البحر الثانى الهابط من البحر الهندى إلى الشمال كما مر ، ويذهب في هذا الجزء بانحراف إلى الغرب فيمر ما بين شرقيه وجوفيه قطعة مثلثة عليها من أعلاه مدينة قلهات وهى ساحل الشحر ثم تحتها على ساحله بلاد عمان ثم بلاد البحرين وهجر منها في آخر الجزء وفى الجزء السابع في الأعلى من غربيه قطعة من بحر فارس تتصل بالقطعة الأخرى في السادس ويغمر بحر الهند جانبه الأعلى كله وعليه هنالك بلاد السند إلى بلاد مكران ويقابلها بلاد الطوبران وهى من السند أيضاً فيتصل السند كله في الجانب الغربى من هذا الجزء وتحول المفاوز بينه وبين أرض الهند ويمر فيه نهره الآتى من ناحية بلاد الهند ويصب في البحر الهندى في الجنوب وأول بلاد الهند على ساحل البحر الهندى وفى سمتها شرقاً بلاد بلهرا وتحتها الملتان بلاد الصنم

المعظم عندهم، ثم إلى أسفل من السند، ثم إلى أعالى بلاد سجستان. وفى الجزء الثامن من غربيه بقية بلاد بلهرا من الهند وعلى سمتها شرقاً بلاد القندهار ثم بلاد منيبار وفى الجانب الأعلى على ساحل البحر الهندى وتحتها في الجانب الأسفل أرض كابل وبعدها شرقا إلى البحر المحيط بلاد القنوج ما بين قشمير الداخلة وقشمير الخارجة عند آخر الإقليم.وفى الجزء التاسع ثم في الجانب الغربى منه بلاد الهند الأقصى ويتصل فيه إلى الجانب الشرقى فيتصل من أعلاه إلى العاشر وتبقى في أسفل ذلك الجانب قطعة من بلاد الصين فيها مدينة شيغون ثم تتصل بلاد الصين في الجزء العاشر كله إلى البحر المحيط ،والله ورسوله أعلم وبه سبحانه التوفيق وهو ولى الفضل والكرم .
الإقليم الثالث

وهو متصل بالثاني من جهة الشمال. ففي الجزء الأول منه وعلى نحو الثلث من
أعلاه جبل درن معترض فيه من غربيه عند البحر المحيط إلى الشرق عند آخره. ويسكن هذا الجبل من البربر أمم لا يحصيهم إلا خالقهم حسبما يأتي ذكره. وفي القطعة التي بين هذا الجبل والإقليم الثاني وعلى البحر المحيط منها رباط ماسة، ويتصل به شرقاً بلاد سوس ونول، وعلى سمتها شرقاً بلاد درعة، ثم بلاد سجلماسة ثم قطعة من صحراء نستر المفازة التي ذكرناها في الإقليم الثاني. وهذا الجبل مطل على هذه البلاد كلها في هذا الجزء، وهو قليل الثنايا والمسالك في هذه الناحية الغربية إلى أن يسامت وادي ملوية فتكثر ثناياه ومسالكه إلى أن ينتهي. وفي هذه الناحية منه أمم المصامدة ثم هنتانة ثم تينملك، ثم كدميوة، ثم مشكورة وهم آخر المصامدة فيه، ثم قبائل صنهاجة وهم صنهاجة. وفي آخر هذا الجزء منه بعض قبائل زناتة. ويتصل به هنالك من جوفيه جبل اوراس وهو جبل كتامة. وبعد ذلك أمم أخرى من البرابرة نذكرهم في أماكنهم. ثم إن جبل درن هذا من جهة غربيه فط ل على بلاد المغرب الأقصى وهي في جوفيه ففي

الناحية الجنوبية منها بلاد مراكش وأغمات وتادلا.وعلي البحر المحيط منها رباط اسفى ومدينة سلا. وفي الجوف عن بلاد مراكش بلاد فاس ومكناسة وتازا وقصر كتامة. وهذه هي التي تسمى المغرب الأقصى في عرف أهلها. وعلى ساحل البحر المحيط منها بلدان: أصيلا؛ والعرايش. وفي سمت هذه البلاد شرقاً بلاد المغرب الأوسط وقاعدتها تلمسان، وفي سواحلها على البحر الرومي بلد هنين ووهران والجزائر. لان هذا البحر الرومي يخرج من البحر المحيط من خليج طنجة في الناحية الغربية من الإقليم الرابع، ويذهب مشرقاً فينتهي إلى بلاد الشام، فإذا خرج من الخليج المتضايق غير بعيد انفسح جنوبا وشمالاً فدخل في الإقليم الثالث والخامس. فلهذا كان على ساحله من هذا الإقليم الثالث الكثير من بلاده. ثم يتصل ببلاد الجزائر من شرقيها بلاد بجاية في ساحل البحر، ثم قسطنطينية في الشرق منها. وفي آخر الجزء الأول، وعلى مرحلة من هذا البحر في جنوب هذه البلاد ومرتفعاً إلى جنوب المغرب الأوسط بلد أشير، ثم بلد المسيلة ثم الزاب وقاعدتها بسكرة تحت جبل اوراس المتصل بدرن كما مر. وذلك عند آخر هذا الجزء من جهة الشرق.والجزء الثاني من هذا الإقليم على هيئة الجزء الأول، ثم جبل درن على نحو الثلث من جنوبه ذاهباً فيه من غرب إلى شرق فيقسمه بقطعتين. ويغمر البحر الرومي مسافة من شماله. فالقطعة الجنوبية عن جبل درن غربيها كله مفاوز، وفي الشرق منها بلد عذامس ، و في سمتها شرقاً أرض ودان التي بقيتها في الإقليم الثاني كما مر. والقطعة الجوفية عن جبل درن ما بينه وبين البحر الرومي في الغرب منها جبل اوراس وتبسة والأوبس. وعلى ساحل البحر بلد بونة. ثم في سمت هذه البلاد شرقاً بلادأ قريقية فعلى ساحل البحر مدينة تونس، ثم سوسة؛ ثم المهدية. وفي جنوب هذه البلاد تحت جبل درن بلاد الجريد: توزر؛ وقفصة؛ ونفزاوة. وفيما بينها وبين السواحل مدينة القيروان وجبل وسلات وسبيطلة. وعلى سمت هذه البلاد

كلها شرقا بلد طرابلس على البحر الرومي. وبإزائها في الجنوب جبل دمر ونقرة من قبائل هوارة متصلة بجبل درن، وفي مقابلة غذامس التي مر ذكرها في آخر القطعة الجنوبية. وآخر هذا الجزء في الشرق سويقة ابن مشكورة على البحر. وفي جنوبها مجالات العرب في أرض ودان
وفي الجزء الثالث من هذا الإقليم يمر أيضاً فيه جبل درن، إلا انه ينعطف عند
آخره إلى الشمال ويذهب على سمته إلى أن يدخل في البحر الرومي ويسمى هنالك طرف أوثان. والبحر الرومي من شماليه يغمر طائفة منه إلى أن يضايق ما بينه وبين جبل درن. فالذي وراء الجبل في الجنوب وفي الغرب منه بقية ارض ودان ومجالات العرب فيها، ثم زويلة ابن الخطاب، ثم رمال وقفار إلى آخر الجزء في الشرق. وفيما بين الجبل والبحر في الغرب منه بلد سرت على البحر. ثم خلاء وقفار تجول فيها العرب. ثم أجدابية، ثم برقة عند منعطف الجبل ثم طلمسة على البحر هنالك، ثم في شرق المنعطف من الجبل مجالات هيب ورواحة إلى آخر الجزء وفي الجزء الرابع من هذا الإقليم وفي الأعلى من غربيه صحارى برقيق، وأسفل منها بلاد هيب ورواحة. ثم يدخل البحر الرومي في هذا الجزء فيغمر طائفة منه إلى الجنوب، حتى يزاحم طرفه الأعلى، ويبقى بينه وبين آخر الجزء قفار تجول فيها العرب. وعلى سمتها شرقا بلاد الفيوم وهي على مصب أحد الشعبين من النيل الذي يمر على اللاهون من بلاد الصعيد في الجزء الرابع من الإقليم الثاني. ويصب في بحيرة فيوم وعلى سمته شرقا ارض مصر ومدينتها الشهيرة على الشعب الثاني الذي يمر بدلاص من بلاد الصعيد عند آخر الجزء الثاني. ويفترق هذا الشعب افتراقة ثانية من تحت مصر على شعبين آخرين من شنطوف وزفتي. وينقسم الأيمن منهما من قرمط بشعبين آخرين ويصب

جميعها في البحر الرومي. فعلى مصب الغربي من هذا الشعب بلد الإسكندرية، وعلى مصب الوسط بلد رشيد، وعلى مصب الشرقي بلد دمياط. وبين مصر والقاهرة، وبين هذه السواحل البحرية أسافل الديار المصرية كلها محشوة عمرانا وفلجاً وفي الجزء الخامس من هذا الإقليم بلاد الشام، وأكثرها على ما أصف، وذلك
لأن بحر القلزم ينتهي من الجنوب وفي الغرب منه عند السويس، لأنة في ممر؛ مبتدىء من البحر الهندي إلى الشمال ينعطف آخذاً إلى جهة الغرب، فتكون قطعة من انعطافه في هذا الجزء طويلة فينتهي في الطرف الغربي منه إلى السويس. وعلى هذه القطعة بعد السويس فاران ثم جبل الطور ثم أيلة مدين ثم الحوراء في آخرها. ومن هنالك ينعطف بساحله إلى الجنوب في ارض الحجاز كما مر في الإقليم الثاني في الجزء الخامس منه. وفي الناحية الشمالية من هذا الجزء قطعة من البحر الرومي غمرت كثيراً من غربيه عليها الفرما والعريش، وقارب طرفها بلد القلزم، فيضايق ما بينهما من هنالك، وبقي شبه الباب مفضيا إلى ارض الشام. وفي غربي هذا الباب فحص التيه أرض جرداء لا تنبت؛ كانت مجالاً لبني إسرائيل بعد خروجهم من مصر وقبل دخولهم إلى الشام أربعين سنة كما قضه القرآن. وفي هذه القطعة من البحر الرومي في هذا الجزء طائفة من جزيرة قبرص وبقيتها في الإقليم الرابع كما نذكره. وعلى ساحل هذه القطعة عند الطرف المتضايق لبحر السويس بلد العريش، وهو آخر الديار المصرية، وعسقلان؛ وبينهما طرف هذا البحر ثم تنحط هذه القطعة في انعطافها من هنالك إلى الإقليم الرابع عند طرابلس وغزة. وهنالك ينتهي البحر الرومي في جهة الشرق. وعلى هذه القطعة اكثر سواحل الشام. ففي شرقه غزة ثم عسقلان، وبانحراف يسير عنها إلى الشمال بلد قيسارية. ثم كذلك بلد عكاء ثم صور ثم صيدا ثم ينعطف البحر إلى الشمال في الإقليم الرابع. ويقابل هذه البلاد الساحلية من هذه القطعة في هذا الجزء جبل عظيم يخرج من ساحل أيلة من بحر

القلزم، ويذهب في ناحية الشمال منحرفاً إلى الشرق إلى أن يجاوز هذا الجزء ويسمى جبل اللكام؛ وكأنه حاجز بين ارضي مصر والشام. ففي طرفه عند أيلة العقبة التي يمر عليها الحجاج من مصر إلى مكة، ثم بعدها في ناحية الشمال مدفن الخليل عليه الصلاة والسلام عند جبل السراة يتصل من عند جبل اللكام المذكور من شمال العقبة ذاهبا على سمت الشرق، ثم ينعطف قليلا. وفي شرقه هنالك بلد الحجر وديار ثمود وتيماء ودومة الجندل وهي أسافل الحجاز. وفوقها جبل رضوى، وحصون خيبر في جهة الجنوب عنها. وفيما بين جبل السراة وبحر القلزم صحراء تبوك. وفي شمال جبل السراة مدينة القدس عند جبل اللكام ثم الأردن ثم طبرية. وفي شرقيها بلاد الغور إلى أذرعات. وفي سمتها شرقا دومة الجندل آخر هذا الجزء وهي آخر الحجاز. وعند منعطف جبل اللكام إلى الشمال من آخر هذا الجزء مدينة دمشق مقابلة صيدا وبيروت من القطعة البحرية، وجبل اللكام يعترض بينها وبينها. وعلى سمت دمشق في الشرق مدينة بعلبك، ثم مدينة حمص في الجهة الشمالية آخر الجزء عند منقطع جبل اللكام. وفي الشرق عن بعلبك وحمص بلد تدمر ومجالات البادية إلى آخر الجزء وفي الجزء السادس من أعلاه مجالات الإعراب تحت بلاد نجد واليمامة ما بين جبل العرج والصمان إلى البحرين وهجر على بحر فارس. وفي أسافل هذا الجزء تحت المجالات بلد الحيرة والقادسية ومغايض الفرات. وفيما بعدها شرقاً مدينة البصرة. وفي هذا الجزء ينتهي بحر فارس عند عبادان والأبلة من أسافل الجزء من شماله. ويصب فيه عند عبادان نهر دجلة بعد أن ينقسم بجداول كثيرة وتختلط به جداول أخرى من الفرات، ثم تجتمع كلها عند عبادان وتصب في بحر فارس. وهذه القطعة من البحر متسعة في أعلاه متضايقة في آخره في شرقيه وضيقة عند منتهاه مضايقة للحد الشمالي منه. وعلى عدوتها الغربية منه أسافل البحرين وهجر والأحساء، وفي غربها أخطب والصمان وبقية ارض اليمامة، وعلى عدوته الشرقية سواحل فارس من أعلاها، وهو من عند آخر الجزء من الشرق

على طرف قد امتد من هذا البحر مشرقاً. ووراءه إلى الجنوب في هذا الجزء جبال القفص من كرمان وتحت هرمز على الساحل بلد سيراف ونجيرم على ساحل هذا البحر. وفي شرقيه إلى آخر هذا الجزء وتحت هرمز بلاد فارس مثل سابور ودار أبجرد ونسا واصطخر والشاهجان وشيراز وهي قاعدتها كلها. وتحت بلاد فارس إلى الشمال عند طرف البحر بلاد خوزستان، ومنها الأهواز وتستر وصدى وسابور والسوس ورام هرمز؛ وغيرها وأرجان وهي حد ما بين فارس وخوزستان. وفي شرقي بلاد خوزستان جبال الأكراد متصلة إلى نواحي أصبهان وبها مساكنهم ومجالاتهم وراءها في ارض فارس، وتسمى الرسوم.وفي الجزء السابع في الأعلى منه من المغرب بقية جبال القفص، ويليها من الجنوب والشمال بلاد كرمان ومكران، ومن مدنها الرودان والشيرجان وجيرفت ويزدشير والبهرج. وتحت ارض كرمان إلى الشمال بقية بلاد فارس إلى حدود أصبهان، ومدينة أصبهان في طرف هذا الجزء ما بين غربه وشماله. ثم في المشرق عن بلاد كرمان وبلاد فارس ارض سجستان وكوهستان في الجنوب. وأرض كوهستان في الشمال عنها. ويتوسط بين كرمان وفارس وبين سجستان وكوهستان، في وسط هذا الجزء المفاوز العظمى القليلة المسالك لصعوبتها. ومن مدن سجستان بست والطاق. وأما كوهستان فهي من بلاد خراسان. ومن مشاهير بلادها سرخس وقوهستان آخر الجزء.وفي الجزء الثامن من غربه وجنوبه مجالات الحلج من أمم الترك متصلة بأرض سجستان من غربها وبأرض كابل الهند من جنوبها. وفي الشمال عن هذه المجالات جبال الغور وبلادها وقاعدتها غزنة فرضة الهند. وفي آخر الغور من الشمال بلاد أستراباذ، ثم في الشمال غرباً إلى آخر الجزء بلاد هراة أوسط خراسان. وبها أسفراين وقاشان وبوشنج ومرو الروذ والطالقان والجوزجان. وتنتهي خراسان هنالك إلى نهر

جيحون. وعلى هذا النهر من بلاد خراسان من غربيه مدينة بلخ، وفي شرقيه مدينة ترمذ، ومدينة بلخ كانت كرسي مملكة الترك. وهذا النهر، نهر جيحون، مخرجه من بلاد وجار في حدود بذخشان مما يلي الهند. ويخرج من جنوب هذا الجزء وعند آخره من الشرق فينعطف عن قرب مغرباً إلى وسط الجزء، ويسمى هنالك نهر خرناب؛ ثم ينعطف إلى الشمال حتى يمر بخراسان، ويذهب على سمته إلى أن يصب في بحيرة خوارزم في الإقليم الخامس كما نذكره. ويمده عند انعطافه في وسط الجزء من الجنوب إلى الشمال خمسة أنهار عظيمة من بلاد الختل والوحش من شرقيه، وانهار أخرى من جبال البتم من شرقيه أيضاً وجوفي الجبل حتى يتسع ويعظم بما لا كفاء له، ومن هذه الأنهار الخمسة الممدة له نهر وخشاب، يخرج من بلاد التبت، وهي بين الجنوب والشرق من هذا الجزء فيمر مغرباً بانحراف إلى الشمال إلى أن يخرج إلى الجزء التاسع قريبا من شمال هذا الجزء يعترضه في طريقه جبل عظيم يمر من وسط الجنوب في هذا الجزء، ويذهب مشرقاً بانحراف إلى الشمال، إلى أن يخرج إلى الجزء التاسع قريباً من شمال هذا الجزء، فيجوز بلاد التبت إلى القطعة الشرقية الجنوبية من هذا الجزء. ويحول بين الترك وبين بلاد الختل؛ وليس فيه إلا مسلك واحد في وسط الشرق من هذا الجزء جعل فيه الفضل بن يحيى سدا وبنى فيه باباً كسد يأجوج ومأجوج. فإذا خرج نهر وخشاب من بلاد التبت واعترضه هذا الجبل فيمر تحته في مدى بعيد إلى أن يمر في بلاد الوخش، ويصب في نهر جيحون عند حدود بلخ، ثم يمر هابطاً إلى الترمذ في الشمال إلى بلاد الجوزجان. وفي الشرق عن بلاد الغور فيما بينها وبين نهر جيحون بلاد الناسان من خراسان. وفي العدوة الشرقية هنالك من النهر بلاد الختل وأكثرها جبال، وبلاد الوخش، ويحدها من جهة الشمال جبال البتم تخرج من طرف خراسان غربي نهر جيحون، وتذهب مشرقة إلى أن يتصل طرفها بالجبل العظيم الذي خلفه بلاد التبت. ويمر تحته نهر وخشاب كما قلناه فيتصل

به عند باب الفضل بن يحيى. ويمر نهر جيحون بين هذه الجبال، وأنهار أخرى تصب فيه منها نهر بلاد الوخش يصب فيه من الشرق تحت الترمذ إلى جهة الشمال، ونهر بلخ يخرج من جبال البتم من مبدإه عند الجوزجان ويصب فيه من غربيه. وعلى هذا النهر من غربيه بلاد آمد من خراسان. وفي شرقي النهر من هنالك أرض الصغد وأسروشنة من بلاد الترك، وفي شرقها ارض فرغانة أيضاً إلى اخر الجزء شرقاً. وفي بلاد الترك تحوزها جبال البتم إلى شمالها.وفي الجزء التاسع من غربيه أرض التبت إلى وسط الجزء، وفي جنوبيها بلاد الهند وفي شرقيها بلاد الصين إلى آخر الجزء. وفي أسفل هذا الجزء شمالا عن بلاد التبت بلاد الخزلجية من بلاد الترك إلى آخر الجزء شرقاً وشمالا. ويتصل بها من غربيها ارض فرغانة أيضاً إلى آخر الجزء شرقاً، ومن شرقيها أرض التغرغر من الترك إلى آخر الجزء شرقاً وشمالا.وفي الجزء العاشر في الجنوب منه جميعا بقية الصين وأسافله. وفي الشمال بقية بلاد التغرغر. ثم شرقاً عنهم بلاد خرخير من الترك أيضاً إلى آخر الجزء شرقاً. وفي الشمال من ارض خرخير بلاد كتمان من الترك. وقبالتها في البحر المحيط جزيرة الياقوت في وسط جبل مستدير لا منفذ منه إليها ولا مسلك؛ والصعود إلى أعلاه من خارجه صعب في الغاية. وفي الجزيرة حيات قتالة وحصى من الياقوت كثيرة؛ فيحتال أهل تلك الناحية في استخراجه بما يلهمهم الله إليه. وأهل هذه البلاد في هذا الجزء التاسع والعاشر- فيما وراء خراسان والجبال كلها مجالات للترك- أمم لا تحصى؛ وهم ظواعن رحالة أهل إبل وشاة وبقر وخيل للنتاج والركوب والأكل وطوائفهم كثيرة لا يحصيهم إلا خالقهم وفيهم مسلمون مما يلي بلاد النهر- نهر جيحون- ويغزون الكفار منهم الدائنين بالمجوسية، فيبيعون رقيقهم لمن يليهم ويخرجون إلى بلاد خراسان والهند والعراق.

ماذا تعرف عن الملك فاروق و مصر فى عهد الملك فاروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *