تاريخ العلامة ابن خلدون المجلد الأول الجزء الخامس عشر

المجلد الأول – تاريخ ابن خلدون
ص 669

# يقول سبيتي ويحمد ربه مصل على هادٍ إلى الناس أرسلا #محمد المبعوث خاتم الأنبيا ويرضى عن الصحب ومن لهم
# إلا هذه زايرجة العالم الذي تراه بحيكم وبالعقل قد حلا
# فمن أحكم الوضع فيحكم جسمه ويدرك أحكاماً تدبرها العلا
# ومن أحكم الربط فيدرك قوة ويدرك للتقوى وللكل حصلا
# ومن أحكم التصريف يحكم سره ويعقل نفسه وصح له الــولا
# وفي عالم الأمر تراه محققاً وهذا مقام من بالأذكار كملا
# فهذي سرائر عليكم بكتمها أقمها دوائر وللحاء عدلا
# فطاء لها عرش وفيه نقوشنا بنظمٍ ونثرٍ قد تراه مجدولا
# ونسب دوائرٍ كنسبة فلكها وارسم كواكباً لأدراجها العلا
# وأخرج لأوتار وارسم حروفها وكور بمثله على حد من خلا
# أقم شكل زيرهم وسو بيوته وحقق بهامهم ونورهم جلا
# وحصل علوماً للطباع مهندساً وعلماً لموسيقى والأرباع مثلا
# وسو لموسيقى وعلم حروفهم وعلم بآلاتٍ فحقق وحصلا
# وسو دوائرها ونسب حروفها وعالمها أطلق والإقليم جدولا
# أمير لنا فهو نهاية دولٍة زناتيةٍ آبت وحكم لها خلا
# وقطرٍ لأندلس فابنٍ لهودهم وجاء بنو نصرٍ وظفرهم تلا
# ملوك وفرسان وأهل لحكمةٍ فإن شئت نصبهم وقطرهم حلا
# ومهدي توحيدٍ بتونس حكمهـم ملوك وبالشرق بالأوفاق نزلا
# واقسم على القطر وكن متفقـداً فإن شئت للروم فبالحر شكـلا
# ففنش وبرشنون الراء حرفهـم وإفرنسهم دال وبالطاء كمــلا
# ملوك كناوةٍ دلواً لقافهـــــم وإعراب قومنا بترقيق أعمـــلا
# فهند حباشي وسند فهرمـس وفرس ططاري وما بعدهم طلا

# وقيصرهم جاء ويزد جردهــم لكاف وقبطيهم بلامه طـــولا
# وعباس كلهم شريف معظـــــم ولكن تركي بذا الفعل عطـــلا
# فإن شئت تدقيق الملوك وكلهـم فختم بيوتاً ثم نسب وجــــولا
# على حكم قانون الحروف وعلمهـا وعلم طبائعها وكله مثـــــلا
# فمن علم العلوم تعلم علمنــا ويعلم أسرار الوجود وأكمـــلا #فيرسخ علمه ويعرف ربــــــــــه وعلم ملاحيم بحاميم فصـــلا
# وحيث أتى اسم والعروض يشقــــه فحكم الحكيم فيه قطعا ليقتـــلا
# وتأتيك أحرف فسو لضربهــــــــــا وأحرف سيبويه تأتيك فيصــلا
# فمكن بتنكيرٍ وقابل وعوضــــــــن بترنيمك الغالي للأجزاء خلخـلا
# وفي العقد والمجزور يعرف غالباً وزد لمح وصفيه في العقل فعـلا
#واختر لمطلع وسويه رتبـــــــــــــةٍ واعكس بجذريه وبالدور عـــــلا؟
# ويدركها المرء فيبلغ قصــــــــه وتعطي حروفها وفي نظمها انجـلا
# إذا كان سعد والكواكب أسعـــدت فحسبك في الملك ونيل اسمه العلا
# وإيقاع دالهم بمرموز ثممـــــــــــةٍ فنسب دنادينا تجد فيه منهــــــــلا
# وأوتار زيرهم فللحاء بمهـــــــــم ومثناهم المثلث بجيمه قد جـــــــلا
# وأدخل بأفلاكٍ وعدل بجــــــدولٍ وأرسم أبا جاد وباقيه جمـــــــــــلا
# وجوز شذوذ النو تجري ومثلـــه أتى في عروض الشعر عن جملة ملا
# فأصل لديننا وأصل لفقهنـــــــــا وعلم لنحونا فاحفظ وحصــــــــــلا
# فادخل لفسطاطٍ على الوفق جذره وسبح باسمه وكبر وهلـــــــــــلا
#فتخرج أبياتاً وفي كل مطلـــــب بنظم طبيعي وسر من العـــــــــــلا
# وتفنى بحصرها كذا حكم عدهـــم فعلم الفواتيح ترى فيه منهــــــــلا
# فتخرج أبياتا وعشرون ضعفـــت من الألف طبعياً فيا صاح جدولا
# تريك صنائعاً من الضرب أكملت فصح لك المنى وصح لك العـــلا

# وسجع بزيرهم وأثني بنقــــــــــرة أقمها دوائر الزير وحصـــــــــــلا
# أقمها بأوفاق وأصل لعدهـــــــــــا من أسرار أحرفهم فعذبه سلســـلا
الكلام علي استخراج نسبة الأوزان وكيفياتها ومقادير المقابل منها وقوة الدرجة المتميزة بالنسبة إلى موضع المعلق من امتزاج طبائع وعلم طب أو صناعة الكيميا:
# أيا طالباً للطب مع علم جابــــر وعالم مقدار المقادير بالــــــــولا
#إذا شئت علم الطب لا بد نسبــة لأحكام ميزان تصادف منهـــــــلا
# فيشفى عليلكم والأكسير محكم وأمزاج وضعكم بتصحيح انجــلا
الطب الروحاني:
# وشئت إيلاوش 565 ودهنه بحـــلا لبهرام برجيس وسبعة أكملا
# لتحليل أوجاع البوارد صححــــــوا كذلك والتركيب حيث تنقـــــلا
مطاريح الشعاعات في مواليد الملوك وبنيهم:
# وعلم مطاريح الشعاعات مشكـل وضلع قسيها بمنطقة جــــــــــــلا
# ولكن في حج مقام إمامنــــــــــــا ويبدو إذا عرض الكواكب عـــدلا
# بدال مراكز بين طول وعرضها فمن أدرك المعنى علا ثم فوضلا
# مواقع تربيع وسه مسقــــــــــــط لتسديسهم تثليث بيت التي تــــــلا

# يزاد لتربيع وهذا قياســــــــــــــــه يقينا وجذره وبالعين أعمـــلا
# ومن نسبة الربعين ركب شعاعك بصاد وضعفه وتربيعه أنجلا
اختص صح صحـ عـ8 سع وى هذا العمل هنا للملوك والقانون مطرد عمله لم ير أعجب منه .
مقامات الملوك المقام الأول 5 المقام الثاني
ع ع و المقام الرابع للح المقام الخامس لاى المقام السادس بير المقام السابع عره
خط الاتصال والانفصال
خط الاتصال
خط الانفصال
الوتر للجميع وتابع الجرر التام
الاتصال والانفصال
الواجب التام في الاتصالات
إقامة الأنوار
الجزر المجيب في العمل
إقامة السوال عن الملوك
مقام الأولا نورعه ي مقام بها حج لا
الانفعال الروحاني والانقياد الرباني:
#أيا طالب السر لتهليل ربــــــــــــــه لدى أسمائه الحسنى تصادف منهلا
# تطيعك أخيار الأنام بقلبهــــــــــــم كذلك ريسهم وفي الشمس أعمـــلا

# ترى عامة الناس إليك تقيــــــــدوا وما قلته حقا وفي الغير أهمــــــــلا # طريقك هذا السيل والسبل الـــــذي أقوله غيركم ونصركمـــوا اجتــــــلى
# إذا شئت تحيا في الوجود مع التقى ودينا متينا أو تكن متوصـــــــــــلا
# كذي النون والجنيد مع سر صنعة وفي سر بسطام أراك مسربلا
# وفي العالم العلوي تكون محدثا كذا قالت الهند وصوفية الملا
# طريق رسول الله بالحق ساطع وما حكم صنع مثل جبريل أنزلا
# فبطشك تهليل وقوسك مطلع ويوم الخميس البدء والأحد انجلى
# وفي جمعة أيضا بالأسماء مثله وفي اثنين للحسنى تكون مكملا
# وفي طائه سر في هائه إذا أراك بها مع نسبة الكل أعطلا
# وساعة سعد شرطهم في نقوشها وعود ومصطكى بخور تحصلا
# وتتلو عليها آخر الحشر دعوة والإخلاص والسبع المثاني مرتلا
(اتصال أنوار الكواكب) بلعاني لا هي ى لا ظ غ لدسع ق صح هـ ف و ى
# وفي يدك اليمنى حديد وخاتــــــــــــم وكل برأسك وفي دعوة فــــــــــــلا
# وآية حشر فاجعل القلب وجههــــــــا وأتلو إذا نام الأنام ورتــــــــــــــــلا
# هي السر في الأكوان لاشيء غيرها هي الآية العظمى فحقق وحصـــلا
# تكون بها قطباً إذ جدت خدمــــــــــة وتدرك أسراراً من العالم العـــــــلا
# سري بها ناجى ومعروف قبلـــــــــه وباح بها الحلاج جهراً فأعقـــــلا؟
# وكان بها الشبلي يدأب دائمــــــــــــاً إلى أن رقى فوق المريدين واعتلى
# فصف من الأدناس قلبك جاهـــــدا ولازم لأذكار وصم وتنقـــــــــــــلا
# فما نال سر القوم إلا محقــــــــــــق عليم بأسرار العلوم محصـــــــــــلا

مقامات المحبة وميل النفوس والمجاهدة والطاعة والعبادة وحب وتعشق وفناء الفناء وتوجه ومراقبة وخلة وأئمة:
الانفعال الطبيعي:
# لبرجيس في المحبة الوفق صرفوا بقزديرأو نحاس الخلط أكملا
# وقيل بفضة صحيحاً رأيتــــــــــــه فجعلك طالعاً خطوطه ماعلا
# توخ به زيادة النور للقمــــــــــــــر وجعلك للقبول شمسه أصــلا
# ويومه والبخور عود لهندهـــــــــم ووقت لساعة ودعـــــوته ألا
# ودعوته بغاية فهي أعملــــــــت وعن طسيمان دعوة ولها جـــــلا
# وقيل بدعوة حروف لوضعهــــا بحر هواء أو مطالب أهـــــــــــلا
# فتنقش أحرفا بدال ولامهـــــــــا وذلك وفق للمربع حصــــــــــــلا
# إذا لم يكن يهوى هواك دلالهـــا فدال ليبدو واو زينب معطــــــــلا
# فحسن لبائه وبائهــــــــــــــم إذا هواك وباقيهم قليلة جمــــــــــــلا
# ونقش مشاكل بشرط لوضعهــم وما زدت أنسبه لفعلك عـــــــدلا
# ومفتاح مريم ففعلهما ســــــــوا فبوري وبسطامي بسورتها تــلا
# وجعلك بالقصد وكن متفقــــــداً أدلة وحشي لقبضة ميــــــــــــلا
# فاعكس بيوتها بألف ونيـــــــفٍ فباطنها سر وفي سرها انجــــلا
فصل في المقامات للنهاية:
# لك الغيب صورة من العالم العــــــــــلا وتوجدها دار أو ملبسها الحــــــــلا
# ويوسف في الحسن وهذا شبيهـــــــــــه بنثر وترتيلٍ حقيقة أنـــــــــــــــزلا
# وفي يده طول وفي الغيب ناطـــــــــــق فيحكى إلى عود يجاوب بلبــــــلا
# وقد جن بهلول بعشق جمالهـــــــــــــــا وعند تجليها لبسطام أخـــــــــــذلا
# ومات أجليه وأشرب حبهـــــــــــــــــــا جنيد وبصرى والجسم أهمــــــــلا
# فتطلب في التهليل غايته ومــــــــــــــن بأسمائه الحسنى بلا نسبة خـــــــلا
# ومن صاحب الحسنى له الفوز بالمنــى ويسهم بالزلفى لدى جيرة العـــــلا
# وتخبر بالغيب إذا جدت خدمـــــــــــــةً تريك عجائباً بمن كان موئـــــــــلا
# فهذا هو الفوز وحسن تنالـــــــــــــــــه ومنها زيادات لتفسيرها تـــــــــــلا
الوصية والتختم والإيمان والإسلام والتحريم والأهلية:
# فهذا قصيدنا وتسعون عــــــــــده وما زاد خطبة وختما وجــــــــدولا
# عجبت لأبيات وتسعون عدهـــــا تولد أبياتاً وما حصرها انجــــــــلا
# فمن فهم السر فيفهم نفســــــــــــه ويفهم تفسيراً تشابه أشكـــــــــــــلا
# حرام وشرعي لإظهار سرنــــــا لناس وإن خصوا وكان التأهـــــلا
# فإن شئت أهليه فغلظ يمينهــــــــم وتفهم برحلة ودين تطــــــــــــــوَّلا
# لعلك أن تنجو وسامع سرهـــــــم من القطع والافشا فترأس بالعــــلا
# فنجل لعباس لسره كاتـــــــــــــــم فنال سعادات وتابعه عــــــــــــــلا
# وقام رسول الله في الناس خاطباً فمن يرأس عرشاً فذلك أكمـــــــلا
# وقد ركب الأرواح أجساد مظهـر فآلت لقتلهم بدق تطــــــــــــــــــوَّلا
# إلى العالم العلوي يفنى فناؤنـــــا ويلبس أثواب الوجود على الــــولا
# فقد تم نظماً وصلى إلهنـــــــــــــا على خاتم الرسل صلاة بها العــلا
# وصلى إله العرش ذو المجــــــد والعلا على سيد ساد الأنام وكمــلا
# محمد الهادي الشفيع إمامنـــــــا وأصحابه أهل المكارم والعــــــــلا

كيفية العمل في استخراج أجوبة المسائل من زايرجة العالم بحول الله منقولا عمن لقيناه من القائمين عليها:
السؤال له ثلثمائة وستون جواباً عدة الدرج، وتختلف الأجوبة عن سؤالٍ واحدٍ في
طالعٍ مخصوصٍ باختلاف الأسئلة المضافة إلى حروف الأوتار، وتناسب العمل من استخراج الأحرف من بيت القصيد.
(تنبيه)- تركيب حروف الأوتار والجدول على ثلاثة أصول: حروف عربية تنقل
على هيآتها، وحروف برسم الغبار. وهذه تتبدل: فمنها ما ينقل على هيئته متى لم تزد الأدوار عن أربعةٍ، فإن زادت عن أربعةٍ نقلت إلى المرتبة الثانية من مرتبة العشرات، وكذلك لمرتبة المئين على حسب العمل كما سنبينه؛ ومنها حروف برسم الزمام كذلك، غير أن رسم الزمام يعطي نسبة ثانية، فهي بمنزلة واحد ألفٍ وبمنزلة عشرةٍ، ولها نسبة من خمسةٍ بالعربي، فاستحق البيت من الجدول أن توضع فيه ثلاثة حروفٍ في هذا الرسم وحرفان في الرسم، فاختصروا من الجدول بيوتاً خاليةً. فمتى كانت أصول الأدوار زائدة على أربعةٍ حسبت في العدد في طول الجدول، وإن لم تزد على أربعةٍ لم يحسب إلا العامر منها.
والعمل في السؤال يفتقر إلى سبعة أصولٍ: عدة حروف الأول وحساب أدوارها
بعد طرحها، إثني عشر إثني عشر؛ وهي ثمانية أحرفٍ في الكامل وستة في الناقص أبداً-. ومعرفة درج الطالع وسلطان البرج، والدور الأكبر الأصلي، وهو واحد أبداً. وما يخرج من إضافة الطالع للدور الأصلي، وما يخرج من ضرب الطالع والدور في سلطان البرج. وإضافة سلطان البرج للطالع والعمل جميعه ينتج عن ثلاثة أدوارٍ مضروبةٍ في أربعة، تكون إثني عشر دوراً. ونسبة هذه الثلاثة

الأدوار التي هي كل دور من أربعةٍ نشأة ثلاثية، كل نشأة لها ابتداء. ثم إنها تضرب أدواراً رباعية أيضاً ثلاثية. ثم إنها من ضرب ستة في إثنين، فكان لها نشأة، يظهر ذلك في العمل. ويتبع هذه الأدوار الإثني عشر نتائج، وهي في الأدوار، إما أن تكون نتيجة أو أكثر إلى ستة.
فأول ذلك نفرض سؤالاً عن الزايرجة؛ هل هي علم قديم، أو محدث بطالع أول
درجةٍ من القوس أثناء حروف الأوتار؟ ثم حر وف السؤال. فوضعنا حروف وتر رأس القوس ونظيره من رأس الجوزاء. وثالثه وتر رأس الدلو إلى حد المركز، وأضفنا إليه حروف السؤال، ونظرنا عدتها وأقل ما تكون ثمانية وثمانين، وأكثر ما تكون ستة وتسعين، وهي جملة الدور الصحيح؛ فكانت في سؤالنا ثلاثة وتسعين. ويختصر السؤال إن زاد عن ستة وتسعين، بأن يسقط جميع أدواره الإثني عشرية، ويحفظ ما خرج منها وما بقي، فكانت في سؤالنا سبعة أدوار، الباقي تسعة، أثبتها في الحروف ما لم يبلغ الطالع إثنتي عشرة درجة، فإن بلغها لم تثبت لها عدة ولا دور.
ثم تثبت أعدادها أيضاً إن زاد الطالع عن أربعة وعشرين في الوجه الثالث، ثم
تثبت الطالع وهو واحد؛ وسلطان الطالع وهو أربعة، والدور الأكبر وهو واحد؛ واجمع ما بين الطالع والدور وهو إثنان في هذا السؤال، واضرب ما خرج منهما في سلطان البرج يبلغ ثمانية، وأضف السلطان للطالع فيكون خمسة، فهذه سبعة أصول. فما خرج من ضرب الطالع والدور الأكبر في سلطان القوس، مما لم يبلغ إثني عشر فيه تدخل في ضلع ثمانية من أسفل الجدول صاعداً؛ وإن زاد على إثني عشر طرح أدواراً، وتدخل بالباقي في ضلع ثمانية، وتعلم على منتهى العدد والخمسة المستخرجة من السلطان والطالع، يكون الطالع في ضلع السطح المبسوط الأعلى من الجدول؛ وتعد متوالياً خمساتٍ أدواراً، وتحفظها إلى أن يقف العدد على حرفٍ من أربعةٍ، وهي ألف أو باء أو جيم أو زاي. فوقع العدد في عملنا

على حرف الألف وخلف ثلاثة أدوارٍ، فضربنا ثلاثةً في ثلاثةٍ كانت تسعة، وهو عدد الدور الأول. فأثبته واجمع ما بين الضلعين: القائم والمبسوط يسكن في بيت ثمانية في مقابلة البيوت العامرة بالعدد من الجدول؛ وإن وقف في مقابلة الخالي من بيوت الجدول على أحدها، فلا يعتبر وتستمر على أدوارك. وأدخل بعدد ما في الدور الأول، وذلك تسعة في صدر الجدول مما يلي البيت الذي اجتمعا فيه، وهي ثمانية، ماراً إلى جهة اليسار؛ فوقع على حرف لام ألفٍ ولا يخرج منها أبداً حرف مركب.وإنما هو إذن حرف تاء أربعمائة برسم الزمام، فعلم عليها بعد نقلها من بيت القصيد، واجمع عدد الدور للسلطان يبلغ ثلاثة عشر، أدخل بها في حروف الأوتار، وأثبت ما وقع عليه العدد وعلم عليه من بيت القصيد. ومن هذا القانون تدري كم تدور الحروف في النظم الطبيعي، وذلك أن تجمع حروف الدور الأول وهو تسعة لسلطان البرج وهو أربعة تبلغ ثلاثة عشر، أضعفها بمثلها تكون ستة وعشرين، أسقط منها درج الطالع وهو واحد في هذا السؤال الباقي خمسة وعشرون.
فعلى ذلك يكون نظم الحروف الأول، ثم ثلاثة وعشرون مرتين، ثم إثنان وعشرون مرتين، على حسب هذا الطرح إلى أن ينتهي للواحد من آخر البيت المنظوم. ولا تقف على أربعة وعشرين لطرح ذلك الواحد أولاً. ثم ضع الدور الثاني وأضف حروف الدور الأول إلى ثمانية، الخارجة من ضرب الطالع والدور في السلطان تكن سبعة عشر الباقي خمسة. فاصعد في ضلع ثمانيةٍ بخمسةٍ من حيث انتهيت في الدور الأول وعلم عليه، وأدخل في صدر الجدول بسبعة عشر، ثم بخمسة. ولا تعد الخالي، والدور عشرون، فوجدنا حرف ثاء خمسمائةٍ؛ وإنما هو نون لأنّ دورنا في مرتبة العشرات، فكانت الخمسمائة بخمسين لأّن دورها سبعة عشر فلو لم تكن سبعة عشر لكانت مئين. فأثبت نوناً ثم أدخل بخمسةٍ أيضاً من أوله. وانظر ما حاذى ذلك من السطح تجد واحداً، فقهقر العدد واحداً يقع على

خمسةٍ، أضف لها واحداً لسطح تكن ستة. أثبت واواً وعلّم عليها من بيت القصيد أربعة؛ وأضفها للثمانية الخارجة من ضرب الطالع مع الدور في السلطان تبلغ إثني عشر؛ أضف لها الباقي من الدور الثاني وهو خمسة تبلغ سبعة عشر، وهو ما للدور الثاني. فدخلنا بسبعة عشر في حروف الأوتار، فوقع العدد على واحد. أثبت الألف وعلم عليها من بيت القصيد وأسقط من حروف الأوتار ثلاثة حروفٍ عدة الخارج من الدور الثاني، وضع الدور الثالث وأضف خمسةً إلى ثمانية تكن ثلاثة عشر، الباقي واحد. انقل الدور في ضلع ثمانية بواحدٍ وأدخل في بيت القصيد بثلاثة عشر، وخذ ما وقع عليه العدد وهو (ق) وعلّم عليه. وأدخل بثلاثة عشر في حروف الأوتار وأثبت ما خرج، وهو سين، وعلّم عليه من بيت القصيد، ثم أدخل مما يلي السين الخارجة بالباقي من دور ثلاثة عشر وهو واحد، فخذ مما يلي حرف سين من الأوتار فكان (ب) أثبتها وعلم عليها من بيت القصيد. وهذا يقال له: الدور المعطوف، وميزانه صحيح، وهو أن تضعف ثلاثة عشر بمثلها، وتضيف إليها الواحد الباقي من الدور تبلغ سبعة وعشرين، وهو حرف باء المستخرج من الأوتار من بيت القصيد. وأدخل في صدر الجدول بثلاثة عشر، وانظر ما قابله من السطح وأضعفه بمثله، وزد عليه الواحد الباقي من ثلاثة عشر؛ فكان حرف جيم، وكانت للجملة سبعة، فذلك حرف زاي فأثبتناه وعلمنا عليه من بيت القصيد. وميزانه أن تضعف السبعة بمثلها وزد عليها الواحد الباقي من ثلاثة عشر يكن خمسة عشر، وهو الخامس عشر من بيت القصيد وهذا آخر أدوار الثلاثيات، وضع الدور الرابع وله من العدد تسعة بإضافة الباقي من الدور السابق، فاضرب الطالع مع الدور في السلطان، وهذا الدور آخر العمل في البيت الأول من الرباعيات.
فاضرب على حرفين من الأوتار واصعد بتسعة في ضلع ثمانيةٍ وأدخل بتسعةٍ من
دور الحرف الذي أخذته آخراً من بيت القصيد، فالتاسع حرف راء، فأثبته

وعلّم عليه. وأدخل في صدر الجدول بتسعة وانظر ما قابلها من السطح يكون (ج)، قهقر العدد واحداً يكون ألف وهو الثاني من حرف الراء من بيت القصيد فأثبته وعلّم عليه. وعدّ مما يلي الثاني تسعة يكون ألف أيضاً أثبته وعلّم عليه وأضرب على حرفٍ من الأوتار، وأضعف تسعة بمثلها تبلغ ثمانية عشر، أدخل بها في حروف الأوتار تقف على حرف راء، أثبتها وعلّم عليها من بيت القصيد ثمانية وأربعين. وأدخل بثمانية عشر في حروف الأوتار تقف على (س) أثبتها وعلّم عليها إثنين، وأضف إثنين إلى تسعة تكون أحد عشر. أدخل في صدر الجدول بأحد عشر تقابلها من السطح ألف أثبتها وعلّم عليها ستة، وضع الدور الخامس وعدته سبعة عشر الباقي خمسة. إصعد بخمسة في ضلع ثمانية واضرب على حرفين من الأوتار وأضعف خمسة بمثلها، وأضفها إلى سبعة عشر عدد دورها الجملة سبعة وعشرون؛ أدخل بها في حروف الأوتار تقع على (ب) أثبتها وعلّم عليها إثنين وثلاثين واطرح من سبعة عشر إثنين التي هي في رأس إثنين وثلاثين الباقي خمسة عشر. أدخل في حروف الأوتار تقف على (ق) أثبتها وعلّم عليها ستة وعشرين، وأدخل في صدر الجدول بست وعشرين تقف على إثنين بالغبار، وذلك حرف (ب) أثبته وعلّم عليه أربعة وخمسين، وأضرب على حرفين من الأوتار وضع الدور السادس، وعدته ثلاثة عشر، الباقي منه واحد، فتبين إذ ذاك أن دور النظم من خمسة وعشرين، فإن الأدوار خمسة وعشرون وسبعة عشر وخمسة وثلاثة عشر وواحد؛ فاضرب خمسة في خمسة تكن خمسة وعشرين، وهو الدور في نظم البيت، فانقل الدور في ضلع ثمانية بواحد. ولكن لم يدخل في بيت القصيد بثلاثة عشر كما قدمناه، لأنه دور ثان من نشأة تركيبية ثانية؛ بل أضفنا الأربعة التي من أربعة وخمسين الخارجة على حروف (ب) من بيت القصيد إلى الواحد تكون خمسة، تضيف خمسة إلى ثلاثة عشر التي للدور تبلغ ثمانية عشر، أدخل بها في صدر الجدول وخذ ما قابلها من السطح وهو ألف، أثبته وعلم عليه من

بيت القصيد إثني عشر واضرب على حرفين من الأوتار. ومن هذا الجدول تنظر أحرف السؤال؛ فما خرج منها زده مع بيت القصيد من آخره وعلّم عليه من حروف السؤال ليكون داخلاً في العدد في بيت القصيد، وكذلك تفعل بكل حرف بعد ذلك مناسباً لحروف السؤال؛ فما خرج منها زده على بيت القصيد من آخره وعلّم عليه، ثم أضف إلى ثمانية عشر ما علمته على حرف الألف من الآحاد، فكان إثنين تبلغ الجملة عشرين. أدخل بها في حروف الأوتار تقف على حرف راء، أثبته وعلّم عليه من بيت القصيد، ستة وتسعين وهو نهاية الدور في الحرف الوتري. فاضرب على حرفين من الأوتار وضع الدور السابع، وهو إبتداء لمخترع ثان ينشأ من الإختراعين. ولهذا الدور من العدد تسعة، تضيف لها واحداً تكون عشرة للنشأة الثانية، وهذا الواحد تزيده بعد إلى إثني عشر دوراً، إذا كان من هذه النسبة، أو تنقصه من الأصل تبلغ الجملة خمسة عشر. فاصعد في ضلع ثمانية وتسعين وأدخل في صدر الجدول بعشرة تقف على خمسمائة، وإنما هي خمسون، نون مضاعفة بمثلها؛ وتلك (ق) أثبتها وعلّم عليها من بيت القصيد إثنين وخمسين، وأسقط من إثنين وخمسين إثنين، وأسقط تسعة التي للدور؛ الباقي واحد وأربعون؛ فأدخل بها في حروف الأوتار تقف على واحد أثبته. وكذلك أدخل بها في بيت القصيد تجد واحداً، فهذا ميزان هذه النشأة الثانية فعلم عليه من بيت القصيد علامتين. علامة على الألف الأخير الميزاني؛ وأخرى على الألف الأولى فقط، والثانية أربعة وعشرون واضرب على حرفين من الأوتار، وضع الدور الثامن وعدته سبعة عشر الباقي خمسة، أدخل في ضلع ثمانية وخمسين وأدخل في بيت القصيد بخمسة تقع على عين بسبعين، أثبتها وعلّم عليها. وأدخل في الجدول بخمسة، وخذ ما قابلها من السطح، وذلك واحد، أثبته وعلّم عليه من البيت ثمانية وأربعين، وأسقط واحداً من ثمانية وأربعين للأس الثاني وأضف إليها خمسة، الدور. الجملة إثنان وخمسون. أدخل بها في صدر الجدول تقف

على حرف (ب) غبارية وهي مرتبة مئينية لتزايد العدد، فتكون مائتين وهي حرف راء، أثبتها وعلّم عليها من القصيد أربعة وعشرين، فانتقل الأمر إلى ستة وتسعين إلى الابتداء وهو أربعة وعشرون، فأضف إلى أربعة وعشرين خمسة، الدور، وأسقط واحداً تكون الجملة ثمانية وعشرين. أدخل بالنصف منها في بيت القصيد تقف على ثمانية، أثبت (2) وعلّم عليها وضع الدور التاسع، وعدده ثلاثة عشر الباقي واحد، إصعد في ضلع ثمانية بواحد. وليست نسبة العمل هنا كنسبتها في الدور السادس لتضاعف العدد، ولأنه من النشأة الثانية، ولأنه أول الثلث الثالث من مربعات البروج وآخر الستة الرابعة من المثلثات. فاضرب ثلاثة عشر التي للدور في أربعة التي هي مثلثات البروج السابقة، الجملة إثنان وخمسون، أدخل بها في صدر الجدول تقف على حرف إثنين غبارية، وإنما هي مئينية لتجاوزها في العدد عن مرتبتي الآحاد والعشرات، فأثبته مائتين راء، وعلم عليها من بيت القصيد ثمانية وأربعين، وأضف إلى ثلاثة عشر، الدور، واحد الأس، وأدخل بأربعة عشر في بيت القصيد تبلغ ثمانية، فعلم عليها ثمانية وعشرين، واطرح من أربعة عشر سبعة يبقى سبعة إضرب على حرفين من الأوتار، وأدخل بسبعة تقف على حرف لام، أثبته وعلم عليه من البيت. وضع الدور العاشر وعدده لسعة، وهذا ابتداء المثلثة الرابعة، واصعد في ضلع ثمانية بتسعة، تكون خلاء، فاصعد بتسعة ثانية تصير في السابع من الابتداء. اضرب تسعة في أربعة لصعودنا بتسعتين، وإنما كانت تضرب في إثنين، وأدخل في الجدول بستة وثلاثين تقف على أربعة زمامية وهي عشرية؛ فأخذناها أحادية لقلة الأدوار، فأثبت حرف دال؛ وإن أضفت إلى ستة وثلاثين واحد الأس كان حدها من بيت القصيد، فعلم عليها؛ ولو دخلت بالتسعة لا غير من ضرب في صدر الجدول لوقف على ثمانية، فاطرح من ثمانية أربعة الباقي أربعة وهو المقصود. ولو دخلت في صدر الجدول بثمانية عشر التي هي تسعة في إثنين لوقف على واحدٍ زمامي وهو عشري، فاطرح

منه إثنين تكرار التسعة، الباقي ثمانية نصفها المطلوب. ولو دخلت في صدر الجدول بسبعة وعشرين بضربها في ثلاثة لوقعت على عشرة زمامية، والعمل واحد. ثم أدخل بتسعة في بيت القصيد وأثبت ما خرج وهو ألف، ثم اضرب تسعة في ثلاثة التي هي مركب تسعة الماضية وأسقط واحداً وأدخل في صدر الجدول بستة وعشرين، وأثبت ما خرج وهو مائتان بحرف راء وعلّم عليه من بيت القصيد ستة وتسعين. واضرب على حرفين من الأوتار وضع الدور الحادي عشر وله سبعة عشر الباقي خمسة، إصعد في ضلع ثمانية بخمسة وتحسب ما تكرر عليه المشي في الدور الأول، وأدخل في صدر الجدول بخمسة تقف على خال؛ فخذ ما قابله من السطح وهو واحد، فأدخل بواحد في بيت القصيد تكن سين، أثبته وعلم عليه أربعة. ولو يكون الوقف في الجدول على بيت عامر لأثبتنا الواحد ثلاثة. وأضعف سبعة عشر بمثلها وأسقط واحداً وأضعفها بمثلها وزدها أربعة تبلغ سبعة وثلاثين، أدخل بها في الأوتار تقف على سنة أثبتها وعلّم عليها، وأضعف خمسة بمثلها. وأدخل في البيت تقف على لام أثبتها وعلّم عليها عشرين، واضرب على حرفين من الأوتار. وضع الدور الثاني عشر وله ثلاثة عشر الباقي واحد، إصعد في ضلع ثمانية بواحد، وهذا الدور آخر الأدوار وآخر الإختراعين وآخر المربعات الثلاثية وآخر المثلثات الرباعية. والواحد في صدر الجدول يقع على ثمانين زمامية، وإنما هي آحاد ثمانية، وليس معنا من الأدوار إلا واحد، فلو زاد عن أربعة من مربعات إثني عشر أو ثلاثة من مثلثات إثني عشر لكانت (ح)، وإنما هي (د)؛ فأثبتها وعلّم عليها من بيت القصيد أربعة وسبعين؛ ثم انظر ما ناسبها من السطح تكن خمسة، أضعفها بمثلها للأس تبلغ عشرة، أثبت (ى) وعلم عليها، وانظر في أي المراتب وقعت: وجدناها في الرابعة، دخلنا بسبعة في حروف الأوتار، وهذا المدخل يسمى التوليد الحرفي فكانت (ف)، أثبتها وأضف إلى سبعة واحد الدور، الجملة ثمانية. أدخل بها في الأوتار تبلغ (س)

أثبتها وعلّم عليها ثمانية، واضرب ثمانية في ثلاثة الزائدة على عشرة الدور؛ فإنها آخر مربعات الأدوار بالمثلثات تبلغ أربعة وعشرين، أدخل بها في بيت القصيد وعلم على ما يخرج منها وهو مائتان وعلامتها ستة وتسعون، وهو نهاية الدور الثاني في الأدوار الحرفية، واضرب على حرفين من الأوتار وضع النتيجة الأولى ولها تسعة. وهذا العدد يناسب أبدا الباقي من حروف الأوتار بعد طرحها أدواراً وذلك تسعة، فاضرب تسعة في ثلاثة التي هي زائدة على تسعين من حروف الأوتار، وأضف لها واحداً الباقي من الدور الثاني عشر تبلغ ثمانية وعشرين، فادخل بها في حروف الأوتار تبلغ ألفاً، أثبته وعلّم عليه ستة وتسعين. وإن ضربت سبعة التي هي أدوار الحروف التسعينية في أربعة وهي الثلاثة الزائدة على تسعين، والواحد الباقي من الدور الثاني عشر كان كذلك، واصعد في ضلع ثمانية بتسعة وأدخل في الجدول بتسعة تبلغ إثنين زمامية. واضرب تسعة فيما ناسب من السطح، وذلك ثلاثة، وأضف لذلك سبعة، عدد الأوتار الحرفية، واطرح واحداً الباقي من دور إثني عشر تبلغ ثلاثة وثلاثين؛ أدخل بها في البيت تبلغ خمسة، فأثبتها وأضف تسعة بمثلها وأدخل في صدر الجدول بثمانية عشر، وخذ ما في السطح وهو واحد، أدخل به في حروف الأوتار تبلغ (م) أثبته وعلّم عليه، واضرب على حرفين من الأوتار. وضع النتيجة الثانية ولها سبعة عشر الباقي خمسة، فاصعد في ضلع ثمانية بخمسة واضرب خمسة في ثلاثة الزائدة على تسعين تبلغ خمسة عشر، أضف لها واحداً الباقي من الدور الثاني عشر تكن تسعة، وأدخل بستة عشر في بيت القصيد تبلغ (ت) أثبته وعلّم عليه أربعة وستين، وأضف إلى خمسة الثلاثة الزائدة على تسعين، وزد واحداً الباقي من الدور الثاني عشر يكن تسعة، أدخل بها في صدر الجدول تبلغ ثلاثين زمامية، وانظر ما في السطح تجد واحداً أثبته وعلّم عليه من بيت القصيد وهو التاسع أيضاً من البيت، وأدخل بتسعة في صدر الجدول تقف على ثلاثة وهي عشرات، فأثبت(لام) وعلّم

عليه وضع النتيجة الثالثة وعددها ثلاثة عشر الباقي واحد. فانقل في ضلع ثمانية. بواحد وأضف إلى ثلاثة عشر الثلاثة الزائدة على التسعين، وواحد الباقي من الدور الثاني عشر تبلغ سبعة عشر، وواحد النتيجة تكن ثمانية عشر، أدخل بها في حروف الأوتار تكن لاماً أثبتها فهذا آخر العمل.
والمثال في هذا السؤال السابق: أردنا أن نعلم أن هذه الزايرجة علم محدث أو قديم، بطالع أول درجة من القوس، أثبتنا حروف الأوتار، ثم حروف السؤال، ثم الأصول، وهي عدة الحروف ثلاثة وتسعون أدوارها سبعة الباقي منها تسعة، الطالع واحد، سلطان القوس أربعة، الدور الأكبر واحد، درج الطالع مع الدور إثنان، ضرب الطالع مع الدور في السلطان ثمانية، إضافة السلطان للطالع خمسة بيت القصيد.
# سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن غرائب شك ضبطه الجد مثلا
حروف الأوتار: ص ط ه ر ث ك ه م ص ص و ن ب ه س ا ن ل م ن ص ع ف و ر س ك ل م ن ص ع ف ض ق ر س ت ث ح ذ ط غ ش ط ي ع ح ص ر و ح ر و ح ل ص ك ل م ن ص ا ب ج د ه و ز ح ط ى .
(حروف السؤال) : ا ل ز ا ى ر ج ع ل م م ح د ث ا م ق ى م الدور الأول 9 الدور الثانى 17 الباقى 5 الدور الثالث 13 الباقى 1 الدور الرابع 9 الدور الخامس 17 الباقى 5 الدور السادس 13 الباقى 1 الدور السابع 9 الدور الثامن 17 الباقى 5 الدور التاسع 13 الباقى 1 الدور العاشر 13 الدور الحادي عشر 17 الباقى 5 الدور الثانى عشر 13 الباقى 1 النتيجة الأولى 9 النتيجة الثانية 17 الباقى 5 النتيجة الثالثة 13 الباقى 1 .

هـ ع حج و66 في ا ى 6 ذ 210000
س 10000 ن220000
و 20000 غ230000
ا30000 ر240000
ل 40000 ا250000
ع 50000 ي260000
ظ 60000 ب270000
ي70000 ش280000
م 80000 ك290000
ا90000 ض300000
ل100000 ب 310000
خ 110000 ط320000
ل 120000 ه330000
ق 130000 ا340000
ح140000 ل350000
ز150000 ج360000
ت160000 د370000
ف 170000 م380000
ص180000 ث390000
ن 190000 ل400000
ا 200000 4100001
ف و ز ا س رر ا ا س ا ب ا ر ق ا ع ا ر ص ح ر ح ل د ا ر س ا ل د ى و س ر ا د م ن ا ل ل

دورها على خمسة وعشرين ثم على ثلاثة وعشرين مرتين ثم على واحد وعشرين
مرتين إلى أن تنتهي إلى الواحد من آخر البيت وتنتقل الحروف جميعاً والله أعلم ن ف رو ح ر و ح ا ل ود س ا د ر ر س ر ه ا ل د رى س وان س د رواب لا ا م رب وا ا ل ع ل ل.
هذا آخر الكلام في استخراج الأجوبة من زايرجة العالم منظومة. وللقوم طرائق أخرى من غير الزايرجة يستخرجون بها أجوبة المسائل غير منظومة. وعندهم أن السر في استخراج الجواب منظوماً من الزايرجة، إنما هو مزجهم بيت مالك بن وهيب وهو: سؤال عظيم الخلق البيت، ولذلك يخرج الجواب على رويه. وأما الطرق الأخرى فيخرج الجواب غير منظوم. فمن طرائقهم في استخراج الأجوبة ما ننقله عن بعض المحققين منهم.
2-فصل في الاطلاع علي الأسرار الخفية من جهة الارتباطان الحرفية:
إعلم أرشدنا الله وإياك أن هذه الحروف أصل الأسئلة في كل قضية، وإنما تستنتج الأجوبة على تجزئته بالكلية، وهي ثلاثة وأربعون حرفاً كما ترى والله علام الغيوب ا ول ا ع ظ س ال م خ ى دل زق ت ارذص ف ن غ ش اك ك ى ب م ض ب ح ط ل ج ه دن ل ث ا.
وقد نظمها بعض الفضلاء في بيت جعل فيه كل حرف مشدد من حرفين وسماه
القطب فقال:
# سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن غرائب شك ضبطه الجد مثلا

فإذا أردت استنتاج المسألة فاحذف ما تكرر من حروفها واثبت ما فضل منه. ثم احذف من الأصل وهو القطب لكل حرف فضل من المسألة حرفاً يماثله، وإثبت ما فضل منه. ثم امزج الفضلين في سطر واحد تبدأ بالأول من

فضله، والثاني من فضل المسألة. وهكذا إلى أن يتم الفضلان أو ينفد أحدهما قبل الآخر؛ فتضع البقية على ترتيبها. فإذا كان عدد الحروف الخارجة بعد المزج موافقاُ لعدد حروف الأصل قبل الحذف فالعمل صحيح، فحينئذ تضيف إليها خمس نونات لتعدل بها الموازين الموسيقية وتكمل الحروف ثمانية وأربعين حرفاً، فتعمر بها جدولاً مربعا يكون آخر ما في السطر الأول أول ما في السطر الثاني، وتنقل البقية على حالها، وهكذا إلى أن تتم عمارة الجدول. ويعود السطر الأول بعينه وتتوالى الحروف في القطر على نسبة الحركة، ثم تخرج وتركل حرف بقسمة مربعة على أعظم جزء يوجد له، وتضع الوتر مقابلا لحرفه، ثم تستخرج النسب العنصرية للحروف الجدولية، وتعرف قوتها الطبيعية وموازينها الروحانية وغرائزها النفسانية وأسوسها الأصلية من الجدول الموضوع لذلك، وهذه صورته:

ثم تأخذ وتر كل حرف بعد ضربه في أسوس أوتاد الفلك الأربعة، واحذر ما يلي الأوتاد وكذلك السواقط لأن نسبتها مضطربة. وهذا الخارج هو أول رتب السريان. ثم تأخذ مجموع العناصر وتحط منها أسوس المولدات، يبقى أس عالم الخلق بعد عروضه للمدد الكونية، فتحمل عليه بعض المجردات عن المواد وهي عناصر الإمداد، يخرج أفق النفس الأوسط؛ وتطرح أول رتب السريان من مجموع العناصر يبقى عالم التوسط.وهذا مخصوص بعوالم الأكوان البسيطة لا المركبة. ثم تضرب عالم التوسط في أفق النفس الأوسط يخرج الأفق الأعلى، فتحمل عليه أول رتب السريان، ثم تطرح من الرابع. أول عناصر الإمداد الأصلي يبقى ثالث ركبة السريان؛ فتضرب مجموع أجزاء العناصر الأربعة أبداً في رابع مرتبة السريان، يخرج أول عالم التفصيل؛ والثاني في الثاني يخرج ثاني عالم التفصيل، والثالث في الثالث يخرج ثالث عالم التفصيل، والرابع في الرابع يخرج رابع عالم التفصيل. فتجمع عوالم التفصيل وتحط من عالم الكل، تبقى العوالم المجردة، فتقسم على الأفق الأعلى يخرج الجزء الأول، ويقسم المنكسر على الأفق الأوسط يخرج الجزء الثاني، وما انكسر فهو الثالث، ويتعين الرابع هذا في الرباعي. وإن شئت أكثر من الرباعي فتستكثر من عوالم التفصيل ومن رتب السريان ومن الأوفاق بعد الحروف. والله يرشدنا وإياك. وكذلك إذا قسم عالم التجريد على أول رتب السريان خرج الجزء الأول من عالم التركيب، وكذلك إلى نهاية الرتبة الأخيرة من عالم الكون. فافهم وتدبر والله المرشد المعين.
ومن طريقهم أيضاً في استخراج الجواب، قال بعض المحققين منهم: إعلم أيدنا الله وإياك بروح منه، أن علم الحروف جليل يتوصل العالم به لما لا يتوصل بغيره من العلوم المتداولة بين العالم، وللعمل به شرائط تلتزم. وقد يستخرج العالم أسرار الخليقة وسرائر الطبيعة؛ فيطلع بذلك على نتيجتي

الفلسفة، أعني السيميا وأختها، ويرفع له حجاب المجهولات ويطلع بذلك على مكنون خبايا القلوب. وقد شهدت جماعة بأرض المغرب، ممن اتصل بذلك، فأظهر الغرائب وخرق العوائد وتصرف في الوجود بتأييد الله.
واعلم أن ملاك كل فضيلة الاجتهاد وحسن الملكة مع الصبر، مفتاح كل خير؛
كما أن الخرق والعجلة راس الحرمان، فأقول: إذا أردت أن تعلم قوة كل حرف من حروف الفا بيطوس أعني أبجد إلى آخر العدد، وهذا أول مدخل هن علم الحروف، فانظر ما لذلك الحرف من الأعداد، فتلك الدرجة التي هي مناسبة للحرف هي قوته في الجسمانيات. ثم اضرب العدد في مثله تخرج لك قوته في الروحانيات وهي وتره.وهذا في الحروف المنقوطة لا يتم بل يتم لغير المنقوطة، لان المنقوطة منها مراتب لمعان يأتي عليها البيان فيما بعد.
واعلم أن لكل شكل من أشكال الحروف شكلاً في العالم العلوي أعني الكرسي، ومنها المتحرك والساكن والعلوي والسفلي كما هو مرقوم في أماكنه من الجداول الموضوعة في الزيارج.
واعلم أن قوى الحروف ثلاثة أقسام: الأول وهو أقلها قوة تظهر بعد كتابتها؛ فتكون كتابته لعالم روحاني مخصوص بذلك الحرف المرسوم؛ فمتى خرج ذلك الحرف بقوة نفسانية وجمع همة كانت قوى الحروف مؤثرة في عالم الأجسام. الثاني تؤتها في الهيئة الفكرية وذلك ما يصدر عن تصريف الروحانيات لها، فهي قوة في الروحانيات العلويات، وقوة شكلية في عالم الجسمانيات. الثالث وهو يجمع الباطن، أعني القوة النفسانية على تكوينه؛ فتكون قبل النطق به صورة في النفس، بعد النطق به صورة في الحروف وقوة في النطق.
وأما طبائعها فهي الطبيعيات المنسوبة للمتولدات في الحروف وهي الحرارة

واليبوسة، والحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة والبرودة والرطوبة؛ فهذا سر العدد اليماني، والحرارة جامعة للهواء والنار وهما: (أ هـ ط م ف ش ذ ج زك س ق ث ظ)، والبرودة جامعة للهواء والماء (ب و ى ن ص ت ض د ح ل ع رخ غ) واليبوسة جامعة للنار والأرض (أ هـ ط م ف ش ذب و ى ن ص ت ض) فهذه نسبة حروف الطبائع وتداخل أجزاء بعضها في بعض. وتداخل أجزاء العالم فيها علويات وسفليات بأسباب الأمهات الأول، أعني الطبائع الأربع المنفردة؛ فمتى أردت استخراج مجهول من مسئلة ما، فحقق طالع السائل أو طالع مسئلته واستنطق حروف أوتارها الأربعة: الأول والرابع والسابع والعاشر مستوية مرتبة، واستخرج أعداد القوى والأوتار كما سنبين، واحمل وانسب واستنتج الجواب يخرج لك المطلوب، إما بصريح اللفظ أو بالمعنى. وكذلك في كل مسئلة تقع لك. بيانه: إذا أردت أن تستخرج قوى حروف الطالع، مع إسم السائل والحاجة، فاجمع أعدادها بالجمل الكبير؛ فكان الطالع الحمل رابعه السرطان سابعه الميزان عاشره الجدي، وهو أقوى هذه الأوتاد، فأسقط من كل برج حرفي التعريف، وانظر ما يخص كل برج من الأعداد المنطقة الموضوعة في دائرتها، واحذف أجزاء الكسر في النسب الاستنطاقية كلها وأثبت تحت كل حرف ما يخصه من ذلك، ثم أعداد حروف العناصر الأربعة وما يخصها كالأول. وارسم ذلك كله أحرفاً ورتب الأوتاد والقوى والقرائن سطراً ممتزجاً. وكسر واضرب ما يضرب لاستخراج الموازين، واجمع واستنتج الجواب يخرج لك الضمير وجوابه. مثاله إفرض أن الطالع الحمل كما تقدم، ترسم (ح م ل): فللحاء من العدد ثمانية لها النصف والربع والثمن (د ب أ) الميم لها من العدد أربعون، لها النصف والربع والثمن والعشر ونصف العشر إذا أردت التدقيق (م ك ى هـ د ب) اللام لها من العدد ثلاثون، لها النصف والثلثان والثلث والخمس والسدس والعشر

(ك ى وهـ ج). وهكذا تفعل بسائر حروف المسألة والإسم من كل لفظ يقع لك. وأما استخراج الأوتار فهو أن تقسم مربع كل حرف على أعظم جزء يوجد له. مثاله: حرف (د) له من الأعداد أربعة مربعها ستة عشر، إقسمها على أعظم جزء يوجد لها وهو إثنان يخرج وتراً لدال ثمانية. ثم تضع كل وترٍ مقابلاً لحرفه. ثم تستخرج النسب العنصرية، كما تقدم في شرح الاستنطاق، ولها قاعدة تطرد في استخراجها من طبع الحروف وطبع البيت الذي يحل فيه من الجدول كما ذكر الشيخ لمن عرف الاصطلاح. والله أعلم.
فصل في الاستدلال علي ما في الضمائر الخفية بالقوانين الحرفية:
وذلك لو سأل سائل عن عليل لم يعرف مرضه ما علته، وما الموافق لبرئه منه؛ فَمُر
السائل أن يسمي ما شاء من الأشياء على إسم العلة المجهولة، لتجعل ذلك الإسم قاعدة لك. ثم استنطق الإسم مع إسم الطالع والعناصر والسائل واليوم والساعة إن أردت التدقيق في المسئلة، وإلا اقتصرت على الإسم الذي سماه السائل، وفعلت به كما نبين. فأقول مثلا: سمى السائل فرساً فاثبت الحروف الثلاثة مع أعدادها المنطقة. بيانه: أن للفاء من العدد ثمانين ولها (م ك ي ح ب) ثم الراء لها من العدد مائتان (ق ن ك ى) ثم السين لها من العدد ستون ولها (م ل ك) فالواو عدد تام له (د ي ب) والسين مثله ولها (م ل ك). فإذا بسطت حروف الأسماء وجدت عنصرين متساويين، فاحكم لأكثركما حروفاً بالغلبة على الآخر، ثم احمل عدد حروف عناصر إسم المطلوب وحروفه دون بسط، وكذلك إسم الطالب واحكم للأكثر والأقوى بالغلبة.
وصفة قوى استخراج العناصر.
فتكون الغلبة هنا للتراب وطبعه البرودة، واليبوسة طبع السوداء، فتحكم

على المريض بالسوداء. فإذا ألفت من حروف الإستنطاق كلاماً على نسبة تقريبية خرج موضع الوجع في الحلق، ويوافقه من الأدوية حقنة، ومن الأشربة شراب الليمون. هذا ما خرج من قوى أعداد حروف إسم فرس وهو مثال تقريبي مختصر. وأما استخراج قوى العناصر من الأسماء العلمية فهو أن تسمي مثلاً محمداً، فترسم أحرفه مقطعة، ثم تضع أسماء العناصر الأربعة على ترتيب الفلك، يخرج لك ما في كل عنصر من الحروف والعدد. ومثاله:

فتجد أقوى هذه العناصر من هذا الإسم المذكور عنصر الماء، لان عدد حروفه عشرون حرفاً، فجعلت له الغلبة على بقية عناصر الإسم المذكور، وهكذا يفعل بجميع الأسماء. حينئذ تضاف إلى أوتارها، أو للوتر المنسوب للطالع في الزايرجة، أو لوتر البيت المنسوب لمالك بن وهيب، الذي جعله قاعدة لمزج الأسئلة وهو هذا:
# سُؤَال عظيمُ الخلق حزت فصن إذن غرائب شك ضبطه الجد مثلا
وهو وتر مشهور لاستخراج المجهولات، وعليه كان يعتمد ابن الرقام وأصحابه.وهو عمل تام قائم بنفسه في المثالات الوضعية. وصفة العمل بهذا الوتر المذكور أن ترسمه مقطعاً ممتزجاً بألفاظ السؤال على قانون صنعة التكسير.

وعدة حروف هذا الوتر أعني البيت ثلاثة وأربعون حرفاً، لأن كل حرف مشدد من حرفين.
ثم تحذف ما تكرر عند المزج من الحروف ومن الأصل، لكل حرفٍ فضل من المسئلة حرف يماثله، وتثبت الفضلين سطراً ممتزجاً بعضه ببعض الحروف. الأول من فضلة القطب والثاني من فضلة السؤال، حتى يتم الفضلتان جميعاً، فتكون ثلاثة وأربعين، فتضيف إليها خمس نونات ليكون ثمانية وأربعين، لتعدل بها الموازين الموسيقية. ثم تضع الفضلة على ترتيبها فإن كان عدد الحروف الخارجة بعد المزج يوافق العدد الأصلي قبل الحذف فالعمل صحيح، ثم عمر بما مزجت جدولاً مربعاً يكون آخر ما في السطر الأول أول ما في السطر الثاني.
وعلى هذا النسق حتى يعود السطر الأول بعينه، وتتوالى الحروف في القطر على نسبه الحركة. ثم تخرج وتركل حرف كما تقدم تضعه مقابلاً لحرفه، ثم تستخرج النسب العنصرية للحروف الجدولية، لتعرف قوتها الطبيعية وموازينها الروحانية وغرائزها النفسانية وأسوسها الأصلية من الجدول الموضوع لذلك. وصفة استخراج النسب العنصرية هو أن تنظر الحرف الأول من الجدول ما طبيعته وطبيعة البيت الذي حل فيه؛ فإن اتفقت فحسن، وإلا فاستخرج بين الحرفين نسبة. ويتسع هذا القانون في جميع الحروف الجدولية. وتحقيق ذلك سهل على من عرف قوانينه كما هو مقرر في دوائرها الموسيقية. ثم تأخذ وتر كل حرف بعد ضربه في أسوس أوتاد الفلك الأربعة كما تقدم. واحذر ما يلي الأوتاد. وكذلك السواقط لأن نسبتها مضطربة. وهذا الذي يخرج لك هو أول مراتب السريان. ثم تأخذ مجموع العناصر وتحط منها أسوس المولدات يبقى أس عالم الخلق بعد عروضه للمدد الكونية، فتحمل عليه بعض المجردات عن المواد وهي عناصر الإمداد، يخرج أفق النفس الأوسط. وتطرح أول رتب السريان من

مجموع العناصر يبقى عالم التوسط. وهذا مخصوص بعوالم الأكوان البسيطة لا المركبة. ثم تضرب عالم التوسط في أفق النفس الأوسط يخرج الأفق الأعلى، فتحمل عليه أول رتب السريان، ثم تطرح من الرابع أول عناصر الإمداد الأصلي يبقى ثالث رتبة السريان. ثم تضرب مجموع أجزاء العناصر الأربعة أبداً في رابع رتب السريان يخرج أول عالم التفصيل، والثاني في الثاني يخرج ثاني عالم التفصيل، وكذلك الثالث والرابع، فتجمع عوالم التفصيل وتحط من عالم الكل، تبقى العوالم المجردة؛ فتقسم على الأفق الأعلى يخرج الجزء الأول. ومن هنا يطرد العمل في التامة. وله مقامات في كتب ابن وحشية والبوني وغيرهما. وهذا التدبير يجري على القانون الطبيعي الحكمي في هذا الفن وغيره من فنون الحكمة الإلهية، وعليه مدار وضع الزيارج الحرفية والصنعة الإلهية والنيرجات الفلسفية. والله الملهم وبه المستعان وعليه التكلان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الفصل الثلاثون
في علم الكيمياء
وهو علم ينظر في المادة التي يتم بها كون الذهب والفضة بالصناعة، ويشرح العمل الذي يوصل إلى ذلك، فيتصفحون المكونات كلها بعد معرفة أمزجتها وقواها لعلهم يعثرون على المادة المستعدة لذلك، حتى من الفضلات الحيوانية كالعظام والريش والبيض والعذرات فضلا عن المعادن. ثم يشرح الأعمال التي تخرج بها تلك المادة من القوة إلى الفعل، مثل حلّ الأجسام إلى أجزائها الطبيعية بالتصعيد والتقطير وجمد الذائب منها بالتكليس، وإمهاء الصلب بالقهر والصلابة وأمثال ذلك. وفي زعمهم أنه يخرج بهذه الصناعات كلها جسم طبيعي يسمونه الإكسير، وأنه يلقى منه على الجسم المعدني المستعد لقبول صورة الذهب أو الفضة

بالاستعداد القريب من الفعل، مثل الرصاص والقصدير والنحاس بعد أن يحمى بالنار فيعود ذهباً إبريزاً. ويكنون عن ذلك الإكسير إذا ألغزوا اصطلاحاتهم بالروح، وعن الجسم الذي يلقى عليه بالجسد. فشرح هذه الاصطلاحات وصورة هذا العمل الصناعي الذي يقلب هذه الأجساد المستعدة إلى صورة الذهب والفضة هو علم الكيمياء.وما زال الناس يؤلفون فيها قديماً وحديثاً. وربما يعزى الكلام فيها إلى من ليس من أهلها. وإمام المدونين فيها جابر بن حيان حتى إنهم يخصونها به فيسمونها: علم جابر؛ وله فيها سبعون رسالة كلها شبيهة بالألغاز. وزعموا أنه لا يفتح مقفلها إلا من أحاط علماً بجميع ما فيها. والطغرائي من حكماء المشرق المتأخرين له فيها دواوين ومناظرات مع أهلها وغيرهم من الحكماء. وكتب فيها مسسلمة المجريطي من حكماء الأندلس كتابه الذي سماه رتبة الحكيم، وجعله قريناً لكتابه الأخر في السحر والطلسمات الذي سماه غاية الحكيم. وزعم أن هاتين الصناعتين هما نتيجتان للحكمة وثمرتان للعلوم، ومن لم يقف عليهما فهو فاقد ثمرة العلم والحكمة أجمع.وكلامه في ذلك الكتاب، وكلامهم أجمع في تآليفهم، هي ألغاز يتعذر فهمها على من لم يعان اصطلاحاتهم في ذلك. ونحن نذكر سبب عدولهم إلى هذه الرموز والألغاز. ولابن المغيربي من أئمة هذا الشان كلمات شعرية، على حروف المعجم، من أبدع ما يجيء في الشعر، ملغوزة كلها لغز الأحاجي والمعاياة، فلا تكاد تفهم. وقد ينسبون للغزالي رحمه الله بعض التآليف فيها، وليس بصحيح، لأن الرجل لم تكن مداركه العالية لتقف عن خطإ ما يذهبون إليه، حتى ينتحله. وربما نسبوا بعض المذاهب والأقوال فيها لخالد بن يزيد بن معاوية ربيب مروان بن الحكم. ومن المعلوم البين أن خالداً من الجيل العربي، والبداوة إليه أقرب، فهو بعيد عن العلوم والصنائع بالجملة؛ فكيف له بصناعة غريبة المنحى مبنية على معرفة طبائع المركبات وأمزجتها وكتب الناظرين في ذلك من الطبيعيات والطب لم تظهر بعد ولم تترجم، اللهم إلا أن

يكون خالد بن يزيد آخر من أهل المدارك الصناعية تشبه باسمه فممكن.وأنا أنقل لك هنا رسالة أبي بكر بن بشرون، لأبي السمح في هذه الصناعة، وكلاهما من تلاميذ مسلمة، فيستدل من كلامه فيها على ما ذهب إليه في شأنها إذا أعطيته حقه من التأمل. قال ابن بشرون بعد صدرٍ من الرسالة خارج عن الغرض: والمقدمات التي لهذه الصناعة الكريمة، قد ذكرها الأولون واقتص جميعها أهل الفلسفة، من معرفة تكوين المعادن وتخفق الأحجار والجواهر وطباع البقاع والأماكن؛ فمنعنا اشتهارها من ذكرها. ولكن أبين لك من هذه الصنعة ما يحتاج إليه فنبدأ بمعرفته. فقد قالوا: ينبغي لطلاب هذا العلم أن يعلموا أولا ثلاث خصال: أولها هل تكون؟ والثانية من أي تكون؟ والثالثة من أي كيف تكون؟ فإذا عرف هذه الثلاثة واحكمها فقد ظفر بمطلوبه وبلغ نهايته من هذا العلم. فأما البحث عن وجودها والاستدلال عن تكونها فقد كفيناكه بما بعثنا به إليك من الإكسير. وأما من أي شيء تكون؛ فإنما يريدون بذلك البحث عن الحجر الذي يمكنه العمل، وإن كان العمل موجوداً من كل شيء بالقوة لأنها من الطبائع الأربع، منها تركبت ابتداء وإليها ترجع انتهاء. ولكن من الأشياء ما يكون فيه بالقوة ولا يكون بالفعل، وذلك أن منها ما يمكن تفصيلها ومنها ما لا يمكن تفصيلها. فالتي يمكن تفصيلها تعالج وتدبر وهي التي تخرج من القوة إلى الفعل؛ والتي لا يمكن تفصيلها لا تعالج ولا تدبر لأنها فيها بالقوة فقط، وإنما لم يمكن تفصيلها لاستغراق بعض طبائعها في بعض، وفضل قوة الكبير منها على الصغير. فينبغي لك- وفقك الله- أن تعرف أوفق الأحجار المنفصلة التي يمكن فيها العمل وجنسه وقوته وعمله وما يدبر من الحل والعقد والتنقية والتكليس والتنشيف والتقليب، فإن من لم يعرف هذه الأصول التي هي عماد هذه الصنعة، لم ينجح ولم يظفر بخير أبداً.وينبغي لك أن تعلم هل يمكن أن يستعان عليه بغيره أو يكتفي به وحده، وهل هو واحد في الابتداء أو شاركه غيره فصار في التدبير واحداً فسمي حجراً. وينبغي لك أن تعلم كيفية عمله وكمية

أوزانه وأزمانه وكيف تركيب الروع فيه وإدخال النفس عليه؟ وهل تقدر النار على تفصيلها منه بعد تركيبها؟ فإن لم تقدر فلأي علةٍ وما السبب الموجب لذلك؟ فإن هذا هو المطلوب فافهم.واعلم أن الفلاسفة كلها مدحت النفس وزعمت أنها المدبرة للجسد والحاملة له والدافعة عنه والفاعلة فيه. وذلك أن الجسد إذا خرجت النفس منه مات وبرد؛ فلم يقدر على الحركة والامتناع من غيره، لأنه لا حياة فيه ولا نور. وإنما ذكرت الجسد والنفس، لأن هذه الصفات شبيهة بجسد الإنسان الذي تركيبه على الغداء والعشاء، وقوامه وتمامه بالنفس الحية النورانية، التي بها يفعل العظائم والأشياء المتقابلة التي لا يقدر عليها غيرها بالقوة الحية التي فيها. وإنما انفعل الإنسان لاختلاف تركيب طبائعه، ولو اتفقت طبائعه لسلمت من الأعراض والتضاد، ولم تقدر النفس على الخروج من بدنه، ولكان خالداً باقياً. فسبحان مدبر الأشياء تعالى.واعلم أن الطبائع التي يحدث عنها هذا العمل كيفية دافعة في الابتداء، فيضية، محتاجة إلى الانتهاء. وليس لها إذا صارت في هذا الحد أن تستحيل إلى ما منه تركبت كما قلناه آنفا في الإنسان؛ لأن طبائع هذا الجوهر قد لزم بعضها بعضاً، وصارت شيئاً واحداً، شبيها بالنفس في قوتها وفعلها، وبالجسد في تركيبه ومجسته؛ بعد أن كانت طبائع مفردة بأعيانها. فيا عجباً من أفاعيل الطبائع، أن القوة للضعيف الذي يقوى على تفصيل الأشياء وتركيبها وتمامها، فلذلك قلت: قوي وضعيف. وإنما وقع التغيير والفناء في التركيب الأول للاختلاف، وعدم ذلك في الثاني للاتفاق. وقد قال بعض الأولين: التفصيل والتقطيع في هذا العمل حياة وبقاء، والتركيب موت وفناء. وهذا الكلام دقيق المعنى لان الحكيم أراد بقوله: حياة وبقاء خروجه من العدم إلى الوجود، لأنه ما دام على تركيبه الأول، فهو فان لا محالة؛ فإذا ركب التركيب الثاني عدم الفناء. والتركيب الثاني لا يكون إلا بعد التفصيل والتقطيع. فإذا التفصيل والتقطيع في هذا العمل خاصة. فإذا بقي الجسد المحلول انبسط فيه لعدم الصورة، لأنه قد صار

في الجسد بمنزلة النفس التي لا صورة لها، وذلك أنه لا وزن له فيه. وسترى ذلك إن شاء الله تعالى.وقد ينبغي لك أن تعلم أن اختلاط اللطيف باللطيف أهون من اختلاط الغليظ، وإنما أريد بذلك التشاكل في الأرواح والأجساد، لأن الأشياء تتصل بأشكالها. وذكرت لك ذلك لتعلم أن العمل أوفق وأيسر من الطبائع اللطائف الروحانية منها من الغليظة الجسمانية. وقد يتصور في العقل أن الأحجار أقوى وأصبر على النار من الأرواح؛ كما ترى أن الذهب والحديد والنحاس أصبر على النار من الكبريت والزئبق وغيرهما من الأرواح. فأقول إن الأجساد قد كانت أرواحاً في بدنها، فلما أصابها حر الكيان قلبها أجساداً لزجة غليظة؛ فلم تقدر النار على أكلها لإفراط غلظها وتلزجها. فإذا أفرطت النار عليها، صيرتها أرواحاً، كما كانت أول خلقها. وإن تلك الأرواح اللطيفة، إذا أصابتها النار أبقت ولم تقدر على البقاء عليها، فينبغي لك أن تعلم ما صير الأجساد في هذه الحالة، وصير الأرواح في هذا الحال، فهو أجل ما تعرفه.أقول إنما أبقت تلك الأرواح لاشتعالها ولطافتها. وإنما اشتعلت لكثرة رطوبتها،ولأن النار إذا أحست بالرطوبة تعلقت بها لأنها هوائية تشاكل النار، ولا تزال تغتذي بها إلى أن تفنى. وكذلك الأجساد إذا أحست بوصول النار إليها لقفة تلزجها وغلظها. وإنما صارت تلك الأجساد لا تشتعل لأنها مركبة من أرض وماء صابر على النار، فلطيفه متحد بكثيفه لطول الطبخ اللين المازج للأشياء. وذلك أن كل متلاش إنما يتلاشى بالنار لمفارقة لطيفه من كثيفه، ودخول بعضه في بعض على غير التحليل والموافقة؛ فصار ذلك الانضمام والتداخل مجاورة لا ممازجة، فسهل بذلك افتراقهما، كالماء والدهن وما أشبههما. وإنما وصفت ذلك لتستدل به على تركيب الطبائع وتقابلها. فإذا علمت ذلك علماً شافياً فقد أخذت حظك منها.وينبغي لك أن تعلم أن الأخلاط، التي هي طبائع هذه الصناعة، موافقة بعضها لبعض، مفضلة من جوهر واحد، يجمعها نظام واحد بتدبير واحد، لا يدخل عليه غريب في الجزء منه، ولا في الكل، كما قال الفيلسوف: إنك إذا

أحكمت تدبير الطبائع وتأليفها ولم تدخل عليها غريباً، فقد أحكمت ما أردت إحكامه وقوامه؛ إذ الطبيعة واحدة لا غريب فيها، فمن أدخل عليها غريباً فقد زاغ عنها ووقع في الخطأ.واعلم أن هذه الطبيعة، إذا حل بها جسد من قرائنها، على ما ينبغي في الحل،حتى يشاكلها في الرقة واللطافة، انبسطت فيه وجرت معه حيثما جرى؛ لأن الأجساد ما دامت غليظة جافية لا تنبسط ولا تتزاوج، وحل الأجساد لا يكون بغير الأرواح. فافهم هداك الله هذا القول.واعلم هداك الله أن هذا الحل في جسد الحيوان هو الحق الذي لا يضمحل ولا ينتقض، وهو الذي يقلب الطبائع ويمسكها، ويظهر لها ألواناً وأزهاراً عجيبة. وليس كل جسد يحل خلاف هذا، هو الحل التام لأنه مخالف للحياة؛ وإنما حفه بما يوافقه ويدفع عنه حرق النار، حتى يزول عن الغلظ، وتنقلب الطبائع عن حالاتها إلى ما لها أن تنقلب من اللطافة والغلظ. فإذا بلغت الأجساد نهايتها من التحليل والتلطيف، ظهرت لها هنالك قوة تمسك وتغوص وتقلب وتنفذ. وكل عمل لا يرى له مصداق في أوله، فلا خير واعلم أن البارد من الطبائع هو ييبس الأشياء ويعقد رطوبتها، والحار منها يظهر رطوبتها ويعقد يبسها؛ وإنما أفردت الحر والبرد لأنهما فاعلان، والرطوبة واليبس منفعلان، وعلى انفعال كل واحد منهما لصاحبه تحدث الأجسام وتتكون، وإن كان الحر أكثر فعلا في ذلك من البرد، لأن البرد ليس له نقل الأشياء ولا تحركها، والحر هو علة الحركة. ومتى ضعفت عفة الكون، وهو الحرارة، لم يتم منها شيء أبداً؛ كما أنه إذا أفرطت الحرارة على شيء ولم يكن ثم برد أحرقته وأهلكته. فمن أجل هذه العلة احتيج إلى البارد في هذه الأعمال، ليقوى به كل ضد علي ضده ويدفع عنه حر النار. ولم يحذر الفلاسفة أكثر شيء إلا من النيران المحرقة. وأمرت بتطهير الطبائع والأنفاس وإخراج دنسها ورطوبتها ونفي آفاتها وأوساخها عنها، وعلى ذلك استقام رأيهم وتدبيرهم، فإنما عملهم إنما هو مع النار أولاً، وإليها يصير آخراً، فلذلك قالوا: إياكم والنيران المحرقات، وإنما

أرادوا بذلك نفي الآفات التي معها، فتجمع على الجسد آفتين، فتكون
أسرع لهلاكه. وكذلك كل شيء إنما يتلاشى ويفسد من ذاته لتضاد طبائعه واختلافه، فيتوسط بين شيئين، فلم يجد ما يقويه ويعينه إلا قهرته الآفة وأهلكته. واعلم أن الحكماء كلها ذكرت ترداد الأرواح على الأجساد مرارا ًليكون ألزم إليها وأقوى على قتال النار إذا هي باشرتها عند الإلفة، أعني بذلك النار العنصرية؛ فاعلمه.ولنقل الآن على الحجر الذي يمكن منه العمل على ما ذكرته الفلاسفة، فقد اختلفوا فيه. فمنهم من زعم أنه في الحيوان؛ ومنهم من زعم أنه في النبات؛ ومنهم من زعم أنه في المعادن، ومنهم من زعم أنه في الجميع. وهذه الدعاوى ليست بنا حاجة إلى استقصائها ومناظرة أهلها عليها، لأن الكلام يطول جداً. وقد قلت فيما تقدم: إن العمل يكون في كل شيء بالقوة لأن الطبائع موجودة في كل شيء فهو كذلك، فنريد أن تعلم من أفي شيء يكون العمل بالقوة والفعل، فنقصد إلى ما قاله الحراني، إن الصبغ كله أحد صبغين: إما صبغ جسد، كالزعفران في الثوب الأبيض حتى يحول فيه، وهو مضمحل منتقض التركيب؛ والصبغ الثاني تقليب الجوهر من جوهر نفسه إلى جوهر غيره ولونه، كتقليب الشجر بل التراب إلى نفسه، وقلب الحيوان والنبات إلى نفسه حتى يصير التراب نباتاً والنبات حيواناً؛ ولا يكون إلا بالروح الحي والكيان الفاعل، الذي له توليد الأجرام وقلب الأعيان. فإذا كان هذا هكذا، فنقول: إن العمل لا بد أن يكون إما في الحيوان وإما في النبات، وبرهان ذلك أنهما مطبوعان على الغذاء وبه قوامهما وتمامهما. فأما النبات فليس فيه ما في الحيوان من اللطافة والقوة، ولذلك قل خوض الحكماء فيه. وأما الحيوان فهو آخر الاستحالات الثلاث ونهايتها، وذلك أن المعدن يستحيل نباتاً، والنبات يستحيل حيواناً، والحيوان لا يستحيل إلى شيء هو الطف منه؛ إلا أن ينعكس راجعاً إلى الغلظ، وأنه أيضاً لا يوجد في العالم شيء تتعلق به الروح الحية غيره، والروح ألطف ما في العالم، ولم تتعلق الروح بالحيوان إلا بمشاكلته إياها. فأما الروح التي في النبات فإنها

يسيرة فيها غلظ وكثافة، وهي مع ذلك مستغرقة كامنة فيه لغلظها وغلظ جسد النبات، فلم يقدر على الحركة لغلظه وغلظ روحه. والروح المتحركة ألطف من الروح الكامنة كثيراً، وذلك أن المتحركة لها قبول الغذاء والتنقل والتنفس، وليس للكامنة غير قبول الغذاء وحده. ولا تجري إذا قيست بالروح، الحية إلا كالأرض عند الماء. كذلك النبات عند الحيوان، فالعمل في الحيوان أعلى وأرفع وأهون وأيسر. فينبغي للعاقل إذا عرف ذلك أن يجرب ما كان سهلاً ويترك ما يخشى فيه عسراً.واعلم أن الحيوان عند الحكماء ينقسم أقساماً من الأمهات التي هي الطبائع، والحديثة التي هي المواليد، وهذا معروف متيسر الفهم. فلذلك قسمت الحكماء العناصر والمواليد أقساماً حية وأقساماً ميتة، فجعلوا كل متحرك فاعلاً حياً، وكل ساكن مفعولاً ميتاً. وقسموا ذلك في جميع الأشياء وفي الأجساد الذائبة وفي العقاقير المعدنية، فسفوا كل شيء يذوب في النار ويطير ويشتعل حياً، وما كان على خلاف ذلك سموه ميتاً. فأما الحيوان والنبات فسموا كل ما انفصل منها طبائع أربعاً حياً، وما لم ينفصل سموه ميتاً، ثم إنهم طلبوا جميع الأقسام الحية.فلم يجدوا لوفق هذه الصناعة مما ينفصل فصولاً أربعة ظاهرة للعيان، ولم يجدوا غير الحجر الذي في الحيوان؛ فبحثوا عن جنسه حتى عرفوه وأخذوه ودبروه، فتكيف لهم منه الذي أرادوا. وقد يتكيف مثل هذا في المعادن والنبات بعد جمع العقاقير وخلطها، ثم تفصل بعد ذلك. فأما النبات، فمنه ما ينفصل ببعض هذه الفصول مثل الأشنان؛ وأما المعادن ففيها أجساد وأرواح وأنفاس، إذا فزجت ودبرت، كان منها ما له تأثير. وقد دبرنا كل ذلك، فكان الحيوان منها أعلى وأرفع وتدبيره أسهل وأيسر. فينبغي لك أن تعلم ما هو الحجر الموجود في الحيوان، وطريق وجوده. إنا بينا أن الحيوان أرفع المواليد، وكذا ما تركب منه فهو ألطف منه

كالنبات من الأرض. وإنما كان النبات ألطف من الأرض، لأنه إنما يكون من جوهره الصافي وجسده اللطيف، فوجب له بذلك اللطافة والرقة. وكذا هذا الحجر الحيواني بمنزلة النبات في التراب. وبالجملة فإنه ليس في الحيوان شيء ينفصل طبائع أربعاً غيره. فافهم هذا القول فإنه لا يكاد يخفى، إلا على جاهل بين الجهالة ومن لا عقل له. فقد أخبرتك ماهية هذا الحجر وأعلمتك وأنا أبين لك وجوه تدابيره، حتى يكمل الذي شرطناه على أنفسنا من الإنصاف، إن شاء الله سبحانه.
(التدبير على بركة الله) خذ الحجر الكريم، فأودعه القرعة والإنبيق، وفصل طبائعة الأربع التي هي النار والهواء والأرض والماء، وهي الجسد والروح والنفس والصبغ. فإذا عزلت الماء عن التراب، والهواء عن النار؛ فارفع كل واحدٍ في إنائه على حدة، وخذ الهابط أسفل الإناء، وهو الثفل فاغسله بالنار الحارة، حتى تذهب النار عنه سواده ويزول غلظه وجفاؤه، وبيضه تبييضاً محكماً وطير عنه فضول الرطوبات المستجنة فيه، فإنه يصير عند ذلك ماء أبيض لا ظلمة فيه ولا وسخ ولا تضاد. ثم اعمد إلى تلك الطبائع الأول الصاعدة منه؛ فطهرها أيضا من السواد والتضاد، وكرر عليها الغسل والتصعيد حتى تلطف وترق وتصفو. فإذا فعلت ذلك فقد فتح الله عليك، فابدأ بالتركيب الذي عليه مدار العمل. وذلك أن التركيب لا يكون إلا بالتزويج والتعفين: فأما التزويج، فهو اختلاط اللطيف بالغليظ؛ وأما التعفين فهو التمشية والسحق، حتى يختلط بعضه ويصير شيئاً واحداً لا اختلاف فيه ولا نقصان بمنزلة الامتزاج بالماء. فعند ذلك يقوى الغليظ على إمساك اللطيف، وتقوى الروح على مقابلة النار وتصبر عليها، وتقوى النفس على الغوص في الأجساد والدبيب فيها. وإنما وجد ذلك بعد التركيب لأن الجسد المحلول لما ازدوج بالروح مازجه بجمع أجزائه، ودخل بعضها في بحض لتشاكلها فصار شيئاً واحداً

ووجب من ذلك أن يعرض للروح من الصلاح والفساد والبقاء والثبوت، ما يعرض للجسد لموضع الامتزاج.وكذلك النفس إذا امتزجت بهما، ودخلت فيهما بخدمة التدبير اختلطت أجزاؤها بجميع أجزاء الآخرين، أعني الروح والجسد، وصارت هي وهما شيئاً واحداً لا اختلاف فيه، بمنزلة الجزء الكلي الذي سلمت طبائعه واتفقت أجزاؤه. فإذا لقي هذا المركب الجسد المحلول، وألح عليه النار، وأظهر ما فيه من الرطوبة على وجهه، ذاب في الجسد المحلول. ومن شان الرطوبة الاشتعال وتعلق النار بها، فإذا أرادت النار التعلق بها، منعها من الاتحاد بالنفس ممازجة الماء لها. فإن النار لا تتحد بالدهن حتى يكون خالصاً. وكذلك الماء من شأنه النفور من النار. فإذا ألحت عليه النار وأرادت تطييره حبسه الجسد اليابس الممازج له في جوفه، فمنعه من الطيران؛ فكان الجسد علة لإمساك الماء، والماء علة لبقاء الدهن؛ والدهن علة لثبات الصبغ، والصبغ علة لظهور الدهن، وإظهار الدهنية في الأشياء المظلمة التي لا نور لها ولا حياة فيها. فهذا هو الجسد المستقيم وهكذا يكون العمل. وهذه التصفية التي سألت عنها وهي التى سمتها الحكماء بيضةً، وإياها يعنون لا بيضة الدجاج. واعلم أن الحكماء لم تسمها بهذا الإسم لغير معنى بل أشبهتها. ولقد سألت مسلمة عن ذلك يوماً وليس عنده غيري، فقلت له: أيها الحكيم الفاضل، أخبرني لأي شيء سمَّت الحكماء مركب الحيوان بيضة؟ اختياراً منهم لذلك، أم لمعنى دعاهم إليه؟ فقال: بل لمعنى غامض! فقلت: أيها الحكيم، وما ظهر لهم من ذلك من المنفعة والاستدلال على الصناعة، حتى شبهوها وسموها بيضة؛ فقال لشبهها وقرابتها من المركب، ففكر فيه، فإنه سيظهر لك معناه. فبقيت بين يديه مفكراً لا اقدر على الوصول إلى معناه. فلما رأى ما بي من الفكر، وأن نفسي قد مضت فيها، أخذ بعضدي وهزني هزة خفيفة، وقال لي: يا أبا بكر، ذلك للنسبة التي بينهما في كمية الألوان، عند امتزاج الطبائع وتأليفها. فلما قال ذلك انجلت عني الظلمة، وأضاء لي نور قلبي

وقوي عقلي على فهمه. فنهضت شاكراً لله عليه إلى منزلي، وأقمت على ذلك شكلاً هندسياً يبرهن به على صحة ما قاله مسلمة. وأنا واضعه لك في هذا الكتاب.مثال ذلك، أن المركب إذا تم وكمل، كان نسبة ما فيه من طبيعة الهواء، إلى ما في البيضة من طبيعة الهواء، كنسبة ما في المركب من طبيعة النار إلى ما في البيضة من طبيعة النار، وكذلك الطبيعتان الأخريان: الأرض والماء، فأقول: إن كل شيئين متناسبين على هذه الضفة فهما متشابهان. ومثال ذلك أن تجعل لسطح البيضة هزوح، فإذا أردنا ذلك فإنا نأخذ أقل طبائع المركب، وهي طبيعة اليبوسة، ونضيف إليها مثلها من طبيعة الرطوبة وندبرهما حتى تنشف طبيعة اليبوسة طبيعة الرطوبة، وتقبل قوتها. وكأن في هذا الكلام رمزاً ولكنه لا يخفى عليك. ثم تحمل عليهما جميعاً مثليهما من الروح وهو الماء، فيكون الجميع ستة أمثال- ثم تحمل على الجميع بعد التدبير مثلاً من طبيعة الهواء التي هي النفس، وذلك ثلاثة أجزاء؛ فيكون الجميع تسعة أمثال اليبوسة بالقوة. وتجعل تحت كل ضلعين من المركب الذي طبيعته محيطة بسطح المركب طبيعتين؛ فتجعل أولاً الضلعين المحيطين بسطحه طبيعة الماء وطبعة الهواء، وهما ضلعا [ أ ح د] وسطح (ابجد) وكذلك الضلعان المحيطان بسطح البيضة اللذان هما الماء والهواء ضلعاً (هزوح)، فأقول: إن سطح (ابجد) يشبه سطح (هزوح) طبيعة الهواء التي تسمى نفساً، وكذلك (بجـ) من سطح المركب. والحكماء لم تسم شيئاً باسم شيء إلا لشبهه به. والكلمات التي سألت عن شرحها الأرض المقدسة، وهي المنعقدة من الطبائع العلوية والسفلية. والنحاس هو الذي أخرج سواده وقطع حتى صار هباء، ثم حمر بالزاج حتى صار نحاسياً، والمغنيسيا حجرهم الذي تجمد فيه الأرواح. وتخرجه الطبيعة العلوية التي تستجن فيها الأرواح لتقابل عليها النار، والفرفرة لون أحمر فإن يحدثه الكيان. والرصاص حجر، ثلاث قوى مختلفة الشخوص ولكنها متشاكلة ومتجانسة. فالواحدة روحانية نيرة صافية وهي الفاعلة؛ والثانية نفسانية

وهي متحركة حساسة، غير أنها أغلظ من الأولى ومركزها دون مركز الأولى، والثالثة قوة أرضية حاسة قابضة منعكسة إلى مركز الأرض لثقلها، وهي الماسكة الروحانية والنفسانية جميعاً والمحيطة بهما. وأما سائر الباقية فمبتدعة ومخترعة، إلباساً على الجاهل، ومن عرف المقدمات استغنى عن غيرها. فهذا جميع ما سألتني عنه وقد بعثت به إليك مفسراً ونرجو بتوفيق الله أن تبلغ أملك والسلام.انتهى كلام ابن بشرون، وهو من كبار تلاميذ مسلمة المجريطي شيخ الأندلس في علوم الكيمياء والسيمياء والسحر في القرن الثالث وما بعده.وأنت ترى كيف صرف ألفاظهم كلها في الصناعة إلى الرمز والألغاز التي لا تكاد تبين ولا تعرف، وذلك دليل على أنها ليست بصناعة طبيعية. والذي يجب أن يعتقد في أمر الكيمياء، وهو الحق الذي يعضده الواقع، أنها من جنس آثار النفوس الروحانية، وتصرفها في عالم الطبيعة: إما من نوع الكرامة، إن كانت النفوس خيرة؛ أو من نوج السحر، إن كانت النفوس شريرة فاجرة. فأما الكرامة فظاهرة؛ وأما السحر، فلان الساحر، كما ثبت في مكان تحقيقه، يقلب الأعيان المادية بقوته السحرية. ولا بد له مع ذلك عندهم من مادة يقع فعله السحري فيها، كتخليق بعض الحيوانات من مادة التراب أو الشجر والنبات، وبالجملة من غير مادتها المخصوصة بها، كما وقع لسحرة فرعون في الحبال والعصي، وكما ينقل عن سحرة السودان والهنود في قاصية الجنوب، والترك في قاصية الشمال، أنهم يسحرون الجو للأمطار وغير ذلك.ولما كانت هذه تخليقا للذهب في غير مادته الخاصة به، كان من قبيل السحر، والمتكلمون فيه من أعلام الحكماء، مثل جابر ومسلمة. ومن كان قبلهم من حكماء الأمم، إنما نحواً هذا المنحى، ولهذا كان كلامهم فيه ألغازاً، حذراً عليها من إنكار الشرائع على السحر وأنواعه، لا أن ذلك يرجع إلى الصنانة بها، كما هو رأي من لم يذهب إلى التحقيق في ذلك. وانظر كيف سمى مسلمة كتابه فيها رتبة الحكيم، وسمى كتابه في السحر والطلسمات غاية الحكيم، إشارة إلى عموم موضوع الغاية وخصوص موضوع هذه

لأن الغاية أعلى من الرتبة، فكان مسائل الرتبة بعض من مسائل الغاية وتشاركها في الموضوعات. ومن كلامه في الفنين يتبين ما قلناه، ونحن نبين فيما بعد غلط من يزعم أن مدارك هذا الأمر بالصناعة الطبيعية. والله العليم الخبير.
الفصل الحادي والثلاثون
في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها
هذا الفصل وما بعده مهم، لأن هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن. وضررها في الدين كثير، فوجب أن يصدع بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها. وذلك أن قوماً من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله، الحسي منه وما وراء الحسي، تدرك أدواته وأحواله بأسبابها وعللها بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية؛ وأن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع، فإنها بعض من مدارك العقل. وهؤلاء يسمون فلاسفة، جمع فيلسوف، وهو باللسان اليوناني محب الحكمة. فبحثوا عن ذلك وشمروا له وحوموا على إصابة الغرض منه، ووضعوا قانوناً يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل، وسموه بالمنطق. ومحصل ذلك أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل، إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية فيجرد منها أولاً صوراً منطبقة علي جميع الأشخاص، كما ينطبق الطابع على جميع النقوش التي ترسمها في طين أو شمع. وهذه المجردة من المحسوسات تسمى المعقولات الأوائل. ثم تجرد من تلك المعاني الكلية إذا كانت مشتركة مع معان أخرى، وقد تميزت عنها في الذهن، فتجرد منها معان أخرى وهي التي اشتركت بها، ثم تجرد ثانياً، إن شاركها غيرها، وثالثاً، إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية، المنطبقة على جميع المعاني والأشخاص، ولا يكون منها تجريد بعد هذا، وهي الأجناس العالية.وهذه

المجردات كلها من غير المحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض لتحصيل العلوم منها تسمى المعقولات الثواني. فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجردة، وطلب تصور الوجود كما هو، فلا بد للذهن من إضافة بعضها إلى بعض، ونفي بعضها عن بعض بالبرهان العقلي اليقيني، ليحصل تصور الوجود تصوراً صحيحاً مطابقاً إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر. وصنف التصديق الذي هو تلك الإضافة والحكم متقدم عندهم على صنف التصور في النهاية، والتصور متقدم عليه في البداية والتعليم، لأن التصور التام عندهم هو غاية الطلب الإدراكي، وإنما التصديق وسيلة له، وما تسمعه في كتب المنطقيين من تقدم التصور وتوقف التصديق عليه، فبمعنى الشعور لا بمعنى العلم التام، وهذا هو مذهب كبيرهم أرسطو. ثم يزعمون أن السعادة في إدراك الموجودات كلها ما في الحسّ وما وراء الحسّ بهذا النظر وتلك البراهين. وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة وما آلت إليه، وهو الذي فرعوا عليه قضايا أنظارهم، أنهم عثروا أولاً: على الجسم السفلي بحكم الشهود والحسّ؛ ثم ترفى إدراكهم قليلاَ فشعروا بوجود النفس من قبل الحركة والحسّ بالحيوانات؛ ثم أحسوا من قوى النفس بسلطان العقل. ووقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من القضاء على أمر الذات الإنسانية. ووجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للإنسان، ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد وهي العشر، تسع مفصلة ذواتها جمل وواحد أول مفرد وهو العاشر. ويزعمون أن السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس، وتخفقها بالفضائل، وان ذلك ممكن للإنسان، ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرذيلة من الأفعال بمقتضى عقله ونظره، وميله إلى المحمود منها، واجتنابه للمذموم بفطرته، وأن ذلك إذا حصل للنفس حصلت لها البهجة واللذة، وأن الجهل بذلك هو الشقاء السرمدي، وهذا عندهم هو معنى النعيم والعذاب في الآخرة إلى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف من كلماتهم.وإمام هذه المذاهب

الذي حصل مسائلها ودون علمها وسطر حجاجها، فيما بلغنا في هذه الأحقاب، هو أرسطو المقدوني من أهل مقدونية من بلاد الروم من تلاميذ أفلاطون، وهو معلم الإسكندر ويسمونه: المعلم الأول على الإطلاق، يعنون معلم صناعة المنطق، إذ لم تكن قبله مهذبة. وهو أول من رتب قانونها واستوفى مسائلها وأحسّ بسطها. ولقد احسن في ذلك القانون ما شاء، لو تكفل له بقصدهم في الإلهيات. ثم كان من بعده في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل إلا في القليل وذلك أن كتب أولئك المتقدمين، لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي تصفحها كثير من أهل الملة، وأخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها، وكان من أشهرهم أبو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة، وأبو علي بن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان وغيرهما.واعلم أن هذا الرأي الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه. فأما إسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول واكتفاؤهم به في الترقي إلى الواجب، فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله، فالوجود أوسع نطاقاً من ذلك (ويخلق ما لا تعلمون )، وكأنهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط والغفلة عما وراءه بمثابة الطبيعيين، المقتصرين على إثبات الأجسام خاصة المعرضين عن النقل والعقل، المعتقدين انه ليس وراء الجسم في حكمة الله شيء. وأما البراهين التي يزعمونها على مدعياتهم في الموجودات، ويعرضونها على معيار المنطق وقانونه؛ فهي قاصرة وغير وافية بالغرض. أما ما كان منها في الموجودات الجسمانية ويسمونه العلم الطبيعي، فوجه قصوره أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود والأقيسة كما في زعمهم، وبين ما في الخارج غير يقيني، لأن تلك أحكام ذهنية كلية عامة، والموجودات الخارجية متشخصة بموادها. ولعل في المواد ما يمنع من مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي، اللهم إلا ما يشهد له الحسّ

من ذلك، فدليله شهوده لا تلك البراهين، فأين اليقين الذي يجدونه فيها؛ وربما يكون تصرف الذهن أيضاً في المعقولات الأول المطابقة للشخصيات بالصور الخيالية لا في المعقولات الثواني التي تجريدها في الرتبة الثانية، فيكون الحكم حينئذ يقينياً بمثابة المحسوسات. إذ المعقولات الأول أقرب إلى مطابقة الخارج، لكمال الانطباق فيها، فنسلم لهم حينئذ دعاويهم في ذلك. إلا انه ينبغي لنا الإعراض عن النظر فيها، إذ هو من ترك المسلم لما لا يعنيه، فإن مسائل الطبيعيات لا تهمنا في ديننا ولا معاشنا فوجب علينا تركها.وأما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحسم وهي الروحانيات ويسمونه العلم الإلهي وعلم ما بعد الطبيعة، فإن ذواتها مجهولة رأساً، ولا يمكن التوصل إليها ولا البرهان عليها لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية إنما هو ممكن فيما هو مدرك لنا. ونحن لا ندرك الذوات الروحانية، حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحسّ بيننا وبينها، فلا يتأتى لنا برهان عليها ولا مدرك لنا في إثبات وجودها على الجملة؛ إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية وأحوال مداركها، وخصوصاً في الرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد، وما وراء ذلك من حقيقتها وصفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه.وقد صرح بذلك محققوهم، حيث ذهبوا إلى أن ما لا مادة له لا يمكن البرهان عليه، لأن مقدمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتية. وقال كبيرهم أفلاطون: إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى يقين، وإنما يقال فيها بالأحق والأولى، يعني الظن. وإذا كنا إنما نحصل بعد التعب والنصب على الظن فقط، فيكفينا الظن الذي كان أولاً، فأي فائدة لهذه العلوم والاشتغال بها، ونحن إنما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحسّ من الموجودات؛ وهذه هي غاية الأفكار الإنسانية عندهم.وأما قولهم إن السعادة في إدراك

الموجودات على ما هي عليه بتلك البراهين،فقول مزيف مردود، وتفسيره أن الإنسان مركب من جزأين: أحدهما جسماني والآخر روحاني ممتزج به؛ ولكل واحد من الجزأين مدارك مختصة به، والمدرك فيهما واحد، وهو الجزء الروحاني؛ يدرك تارة مدارك روحانية وتارة مدارك جسمانية، إلا أن المدارك الروحانية يدركها بذاته بغير واسطة، والمدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس. وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه. واعتبره بحال الصبي في أول مداركه الجسمانية التي هي بواسطة، كيف يبتهج بما يبصره من الضوء وبما يسمعه من الأصوات، فلا شك أن الابتهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ. فالنفس الروحانية إذا شعرت بإدراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة، حصل لها ابتهاج ولذة لا يعبر عنها، وهذا الإدراك لا يحصل بنظر ولا علم، وإنما يحصل بكشف حجاب الحسّ ونسيان المدارك الجسمانية بالجملة.والمتصوفة كثيراً ما يعنون بحصول هذا الإدراك للنفس بحصول هذه البهجة، فيحاولون بالرياضة إماتة القوى الجسمانية ومداركها، حتى الفكر من الدماغ، ليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال الشواغب والموانع الجسمانية، فيحصل لهم بهجة ولذة لا يعبر عنها. وهذا الذي زعموه بتقدير صحته مسلم لهم، وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم.فأما قولهم: إن البراهين والأدلة العقلية محصلة لهذا النوع من الإدراك والابتهاج عنه، فباطل كما رأيته، إذ البراهين والأدلة من جملة المدارك الجسمانية، لأنها بالقوى الدماغية من الخيال والفكر والذكر. ونحن نقول إن أول شيء نعنى به في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها، لأنها منازعة له قادحة فيه. وتجد الماهر منهم عاكفاً على كتاب الشفاء والإشادات والنجاة وتلاخيص ابن رشد للقص من تأليف أرسطو وغيره، يبعثر أوراقها ويتوثق من براهينها، ويلتمس هذا القسط من السعادة فيها، ولا يعلم أنه يستكثر بذلك من الموانع عنها. ومستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو

والفارابي وابن سينا أن من حصل له إدراك العقل الفعال واتصل به في حياته فقد حصل حظه من هذه السعادة.والعقل الفعال عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشف عنها الحسّ من رتب الروحانيات، ويحملون الاتصال بالعقل الفعال على الإدراك العلمي، وقد رأيت فساده. وإنما يعني أرسطو وأصحابه بذلك الاتصال والإدراك، إدراك النفس الذي لها من ذاتها وبغير واسطة، وهو لا يحصل إلا بكشف حجاب الدس.وأما قولهم: إن البهجة الناشئة عن هذا الإدراك هي عين السعادة الموعود بها فباطل أيضاً، لأنا إنما تبين لنا بما قرروه أن وراء الحسّ مدركاً آخر للنفس من غير واسطة، وأنها تبتهج بإدراكها ذلك ابتهاجاً شديداً؛ وذلك لا يعين لنا أنه عين السعادة الأخروية، ولا بد؛ بل هي من جملة الملاذ التي لتلك السعادة.وأما قولهم: إن السعادة في إدراك هذه الموجودات على ما هي عليه، فقول باطل مبني على ما كنا قدمناه في أصل التوحيد من الأوهام والأغلاط، في أن الوجود عند كل مدرك منحصر في مداركه، وبينا فساد ذلك، وان الوجود أوسع من أن يحاط به أو يستوفى إدراكه بجملته روحانياً أو جسمانياً. والذي يحصل من جميع ما قررناه من مذاهبهم أن الجزء الروحاني إذا فارق القوى الجسمانية أدرك إدراكاً ذاتياً له مختصاً بصنف من المدارك، وهي الموجودات التي أحاط بها علمنا، وليس بعام الإدراك في الموجودات كلها؛ إذ لم تنحصر، وانه يبتهج بذلك النحو من الإدراك ابتهاجاً شديداً، كما يبتهج الصبي بمداركه الحسية في أول نشوئه. ومن لنا بعد ذلك بإدراك جميع الموجودات أو بحصول السعادة التي وعدنا بها الشارع إن لم نعمل لها، هيهات هيهات لما توعدون. وأما قولهم: إن الإنسان مستقل بتهذيب نفسه وإصلاحها بملابسة المحمود من الخلق ومجانبة المذموم، فأمر مبني على أن ابتهاج النفس بإدراكها الذي لها من ذاتها هو عين السعادة الموعود بها، لان الرذائل عائقة للنفس عن تمام إدراكها ذلك بما يحصل لها من الملكات الجسمانية وألوانها.وقد بينا أن اثر السعادة والشقاوة من وراء الإدراكات

الجسمانية والروحانية. فهذا التهذيب الذي توصلوا إلى معرفته إنما نفعه في البهجة الناشئة عن الإدراك الروحاني فقط، الذي هو على مقاييس وقوانين. وأما ما وراء ذلك من السعادة التي وعدنا بها الشارع، على امتثال ما أمر به من الأعمال والأخلاق؛ فأمر لا يحيط به مدارك المدركين. وقد تنبه لذلك زعيمهم أبو علي ابن سينا فقال في كتاب المبدإ والمعاد ما معناه: إن المعاد الروحاني وأحواله هو مما يتوصل إليه بالبراهين العقلية والمقاييس، لأنه على نسبة طبيعية محفوظة ووتيرة واحدة، فلنا في البراهين عليه سعة. وأما المعاد الجسماني وأحواله فلا يمكن إدراكه بالبرهان، لأنه ليس على نسبة واحدة، وقد بسطته لنا الشريعة الحقة المحمدية، فلينظر فيها، ولنرجع في أحواله إليها.فهذا العلم، كما رأيته، غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها، مع ما فيه من مخالفة الشرائع وظواهرها. وليس له فيما علمنا إلا ثمرة واحدة وهي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة، والحجاج لتحصيل ملكة الجودة، والصواب في البراهين. وذلك أن نظم المقاييس وتركيبها على وجه الإحكام والإتقان هو كما شرطوه في صناعتهم المنطقية، وقولهم بذلك في علومهم الطبيعية، وهم كثيراً ما يستعملونها في علومهم الحكمية من الطبيعيات والتعاليم وما بعدها؛ فيستولي الناظر فيها بكثرة استعمال البراهين بشروطها على ملكة الإتقان والصواب في الحجاج والاستدلالات؛ لأنها وإن كانت غير وافية بمقصودهم فهي أصح ما علمناه من قوانين الأنظار. هذه هي ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت. فليكن الناظر فيها متحرزاً جهده من معاطبها، وليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقه، ولا يكبن أحد عليها وهو خلو من علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطبها. والله الموفق للصواب وللحق والهادي إليه. وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

الفصل الثاني والثلاثون
في إبطال صناعة النجوم وضعف مداركها وفساد غايتها
هذه الصناعة يزعم أصحابها أنهم يعرفون بها الكائنات قي عالم العناصر قبل حدوثها، من قبل معرفة قوى الكواكب وتأثيرها في المولدات العنصرية مفردة ومجتمعة. فتكون لذلك أوضاع الأفلاك والكواكب دالة على ما سيحدث من نوع من أنواع الكائنات الكلية والشخصية. فالمتقدمون منهم يرون أن معرفة قوى الكواكب وتأثيراتها بالتجربة وهو أمر تقصر الأعمار كلها لو اجتمعت عن تحصيله، إذ التجربة إنما تحصل في المرات المتعددة بالتكرار ليحصل عنها العلم والظن. وأدوار الكواكب منها ما هو طويل الزمن، فيحتاج تكرره إلى آماد وأحقاب متطاولة يتقاصر عنها ما هو طويل من أعمار العالم. وربما ذهب ضعفاء منهم إلى أن معرفة قوى الكواكب وتأثيراتها كانت بالوحي وهو رأي فائل، وقد كفونا مؤونة إبطاله.ومن أوضح الأدلة فيه أن تعلم أن الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، أبعد الناس عن الصنائع، وانهم لا يتعرضون للأخبار عن الغيب إلا أن يكون عن الله؛ فكيف يدعون استنباطه بالصناعة، ويشيرون بذلك لتابعيهم من الخلق. وأما بطليموس ومن تبعه من المتأخرين فيرون أن دلالة الكواكب على ذلك دلالة طبيعية من قبل مزاج يحصل للكواكب في الكائنات العنصرية، قال لأن فعل النيرين وأثرهما في العنصريات ظاهر لا يسع أحداً جحده، مثل فعل الشمس في تبذل الفصول وأمزجتها ونضج الثمار والزرع وغير ذلك، وفعل القمر في الرطوبات والماء وإنضاج المواد المتعفنة وفواكه القناء وسائر أفعاله.ثم قال: ولنا فيما بعدهما من الكواكب طريقتان: الأولى التقليد لمن نقل ذلك عنه من أئمة الصناعة، إلا انه غير مقنع للنفس. والثانية الحدس والتجربة بقياس كل واحد منها إلى النير

الأعظم الذي عرفنا طبيعته وأثره معرفة ظاهرة، فننظر هل يزيد ذلك الكوكب عند القران في قوته ومزاجه، فتعرف موافقته له في الطبيعة، أو ينقص عنها فتعرف مضادته. ثم إذا عرفنا قواها مفردة عرفناها مركبة، وذلك عند تناظرها بأشكال التثليث والتربيع وغيرهما، ومعرفة ذلك من قبل طبائع البروج بالقياس أيضاً إلى النير الأعظم.وإذا عرفنا قوى الكواكب كلها فهي مؤثرة في الهواء، وذلك ظاهر. والمزاج الذي يحصل منها للهواء يحصل لما تحتها من المولدات، وتتخلق به النطف والبزر فتصير حالاً للبدن المتكون عنها، وللنفس المتعلقة به الفائضة عليه المكتسبة لما لها منه، ولما يتبع النفس والبدن من الأحوال، لأن كيفيات البزرة والنطفة كيفيات لما يتولد عنهما وينشأ منهما. قال وهو مع ذلك ظني وليس من اليقين في شيء وليس هو أيضاً من القضاء الإلهي يعني القدر، إنما هو من جملة الأسباب الطبيعية للكائن، والقضاء الإلهي سابق على كل شيء. هذا محصل كلام بطليموس وأصحابه، وهو منصوص في كتابه الأربع وغيره. ومنه يتبين ضعف مدرك هذه الصناعة. وذلك أن العلم الكائن أو الظن به إنما يحصل عن العلم بجملة أسبابه من الفاعل والقابل والصورة والغاية، على ما تبين في موضعه. والقوى النجومية على ما قرروه إنما هي فاعلة فقط والجزء العنصري هو القابل. ثم إن القوى النجومية ليست هي الفاعل بجملتها، بل هناك قوى أخرى فاعلة معها في الجزء المادي مثل قوة التوليد للأب والنوع التي في النطفة، وقوى الخاصة التي تميز بها صنف من النوع وغير ذلك.فالقوى النجومية إذا حصل كمالها وحصل العلم فيها، إنما هي فاعل واحد من جملة الأسباب الفاعلة للكائن. ثم إنه يشترط مع العلم بقوى النجوم وتأثيراتها مزيد حدس وتخمين، وحينئذ يحصل عنده الظن بوقوع الكائن. والحدس والتخمين قوى للناظر في فكره وليس من علل الكائن ولا من أصول الصناعة، فإذا فقد هذا الحدس والتخمين رجعت إدراجها عن الظن إلى الشك. هذا إذا حصل العلم بالقوى النجومية على سداده ولم تعترضه آفة، وهذا معوز

لما فيه من معرفة حسبانات الكواكب في سيرها لتتعرف به أوضاعها، ولما أن اختصاص كل كوكب بقوة لا دليل عليه.ومدرك بطليموس في إثبات القوى للكواكب الخمسة بقياسها إلى الشمس مدرك ضعيف، لأن قوة الشمس غالبة لجميع القوى من الكواكب؛ ومستولية عليها؛ فقل أن يشعر بالزيادة فيها أو النقصان منها عند المقارنة كما قال، وهذه كلها قادحة في تعريف الكائنات الواقعة في عالم العناصر بهذه الصناعة. ثم إن تأثير الكواكب فيما تحتها باطل، إذ قد تبين في باب التوحيد أن لا فاعل إلا الله، بطريق استدلالى كما رأيته. واحتج له أهل علم الكلام، بما هو غني عن البيان، من أن إسناد الأسباب إلى المسببات مجهول الكيفية، والعقل متهم على ما يقضي به فيما يظهر بادىء الرأي من التأثير، فلعل استنادها على غير صورة التأثير المتعارف. والقدرة الإلهية رابطة بينهما كما ربطت جميع الكائنات علواً وسفلاً، سيما والشرع يرد الحوادث كلها إلى قدرة الله تعالى ويبرأ مما سوى ذلك.والنبوات أيضاً منكرة لشان النجوم وتأثيراتها. واستقراء الشرعيات شاهد بذلك في مثل قوله: إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، وفي قوله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي. فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال فطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب، الحديث الصحيح.فقد بان لك بطلان هذه الصناعة من طريق الشرع، وضعف مداركها مع ذلك من طريق العقل، مع ما لها من المضار في العمران الإنساني، بما تبعث في عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق من أحكامها في بعض الأحايين اتفاقاً لا يرجع إلى تعليل ولا تحقيق؛ فيلهج بذلك من لا معرفة له، ويظن اطراد الصدق في سائر أحكامها وليس كذلك. فيقع في رد الأشياء إلى غير خالقها. ثم ما ينشأ عنها كثيراً في الدول من توقع القواطع، وما يبعث عليه ذلك التوقع من تطاول الأعداء المتربصين بالدولة إلى الفتك والثورة. وقد شاهدنا من ذلك كثيراً فينبغي أن تحظر هذه الصناعة على جميع أهل

العمران، لما ينشأ عنها من المضار في الدين والدول، ولا يقدح في ذلك كون وجودها طبيعياً للبشر بمقتضى مداركهم وعلومهمم. فالخير والشر طبيعتان موجودتان في العالم لا يمكن نزعهما، وإنما يتعلق التكليف بأسباب حصولهما، فيتعين السعي في اكتساب الخير بأسبابه ودفع أسباب الشر والمضار.هذا هو الواجب على من عرف مفاسد هذا العلم ومضاره. وليعلم من ذلك أنها وإن كانت صحيحة في نفسها، فلا يمكن أحداً من أهل الملة تحصيل علمها ولا ملكتها، بل إن نظر فيها ناظر وظن الإحاطة بها فهو في غاية القصور في نفس الأمر. فإن الشريعة لما حظرت النظر فيها فقد الاجتماع من أهل العمران لقراءتها والتحليق لتعليمها، وصار المولع بها من الناس، وهم الأقل وأقل من الأقل، إنما يطالع كتبها ومقالاتها في كسر بيته متستراً عن الناس وتحت ربقة الجمهور، مع تشعب الصناعة وكثرة فروعها واعتياصها على الفهم، فكيف يحصل منها على طائل ونحن نجد الفقه الذي عم نفعه ديناً ودنياً وسهلت مآخذه من الكتاب والسنة وعكف الجمهور على قراءته وتعليمه، ثم بعد التحقيق والتجميع وطول المدارسة وكثرة المجالس وتعادها، إنما يحذق فيه الواحد بعد الواحد في الأعصار والأجيال. فكيف يعلم مهجور للشريعة، مضروب دونه سد الحظر والتحريم، مكتوم عن الجمهور، صعب المأخذ، محتاج بعد الممارسة والتحصيل أصوله وفروعه إلى مزيد حدس وتخمين يكتنفان به من الناظر، فأين التحصيل والحذق فيه مع هذه كلها. ومدعي ذلك من الناس مردود على عقبه ولا شاهد له يقوم بذلك لغرابة الفن بين أهل الملة وقلة حملته، فاعتبر ذلك يتبين لك صحة ما ذهبنا إليه. والله اعلم بالغيب فلا يظهر على غيبه أحداً.ومما وقع في هذا المعنى لبعض أصحابنا من أهل العصر عندما غلب العرب عساكر السلطان أبي الحسن وحاصروه بالقيروان وكثر إرجاف الفريقين الأولياء والأعداء، وقال في ذلك أبو القاسم الروحي من شعراء أهل تونس:

# أستغفر الله كل حيــــــــــــن قد ذهب العيش والهنــاء
# اصبح في تونس وأمســـــي والصبح لفه والمســـــاء
# الخوف والجوع والمنايــــــا يحدثها الهرج والوبــــاء
# والناس في مرية وحــــرب وما عسى ينفع المــــراء
# فأحمدي يرى عليــــــــــــــا حل به الهلك والتــــــواء
# وآخر قال سوف يأتــــــــي به إليكم صبا رخــــــــاء
# والله من فوق ذا وهـــــــــذا يقضي لعبديه ما يشــــاء
# يا راصد الخنس الجـواري ما فعلت هذه السمـــــــاء
# مطلتمونا وقد زعمتــــــــم أنكم اليوم أمليــــــــــــــاء
# مر خميس على خميــــــس وجاء سبت وأربعـــــــــــــــــــــــــــاء
# ويصف شهر وعشر ثـــــان وثالث ضمه القضــــــــــــــــــــــــــاء
# ولا نرى غير زور قـــــــول أذاك جهــــــــــــــــــــــــــل أم ازدراء
# إنا إلى الله قد علمنـــــــــــــا أن ليس يستدفع القضـــــــــــــــــــــاء
# رضيت بالله لي إلهـــــــــــا حسبكم البدر أو ذكـــــــــــــــــــــــــاء
# ما هذه الأنجم الســـــــواري إلا عباديد أو إمــــــــــــــــــــــــــــــاء
# يقضى عليها وليس تقضـــي ومالها في الورى اقتضــــــــــــــــــاء
# ضلت عقود ترى قديمـــــا ما شانه الجرم والفنــــــــــــــــــــــــاء
# وحكمت في الوجود طبعــاً يحدثه الماء والهـــــــــــــــــــــــــــواء
# لم تر حلوا إزاء مـــــــر تغذوهمو تربة ومـــــــــــــــــــــــــــاء
# الله ربي ولســــــــــــــت أدري ما الجوهر الفرد والخــــــــــــــــــلاء
# ولا الهيولى التي تنـــــــادي ما لي عن صورة عــــــــــــــــــــراء
# ولا وجود ولا انعــــــــــــدام ولا ثبوت ولا انتفـــــــــــــــــــــــــــاء
# ولست أدري ما الكســــــــب إلا ما جلب البيع والشـــــــــــــــــــــــراء

# وإنما مذهبي ودينـــــــــــــــي ما كان والناس أوليـــــــــــــــــــــــاء
# إذ لا فصول ولا أصــــــــول ولا جدال ولا ارتيـــــــــــــــــــــــاء
# ما تبع الصدر واقتفينـــــــــــا يا حبذا كان الاقتفــــــــــــــــــــــــــاء
# كانوا كما يعلمون منهـــــــــم ولم يكن ذلك الهـــــــــــــــــــــــــــذاء
# يا أشعر في الزمان إنــــــــــي أشعرني الصيف والشتــــــــــــــــــاء
# أنا أجزي بالشمر شـــــــــــــرا والخير عن مثله جــــــــــــــــــــــزاء
# وإنني إن اكن مطيعـــــــــــــــا فلست أعصي ولي رجـــــــــــــــــاء
# وإنني تحت حكم بـــــــــــــــــار أطاعه العرش والثـــــــــــــــــــــراء
# ليس انتصار لكم ولكــــــــــــــن أتاحه الحكم والقضـــــــــــــــــــــــاء
# لو حدث الأشعري عمــــن له إلى رأيه انتمــــــــــــــــــــــــــــاء
# لقال أخبرهم بأنــــــــــــــــــــي مما يقولونه بـــــــــــــــــــــــــــــراء
الفصل الثالث والثلاثون
في إنكار ثمرة الكيمياء واستحالة وجودها
وما ينشأ من المفاسد عن انتحالها
إعلم أن كثيراً من العاجزين عن معاشهم تحملهم المطامع على انتحال هذه الصنائع، ويرون أنها أحد مذاهب المعاش ووجوهه وان اقتناء المال منها أيسر وأسهل على مبتغيه؛ فيرتكبون فيها من المتاعب والمشاق ومعاناة الصعاب وعسف الحكام وخسارة الأموال في النفقات، زيادة على النيل من غرضه والعطب آخراً إذا ظهر على خيبة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وإنما أطعمهم في ذلك رؤية أن المعادن تستحيل وينقلب بعضها إلى بعض للمادة المشتركة؛ فيحاولون بالعلاج صيرورة الفضة ذهباً والنحاس والقصدير فضة، ويحسبون أنها من ممكنات عالم

ماذا تعرف عن الملك فاروق و مصر فى عهد الملك فاروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *