كتاب الدر المنثور فى طبقات ربات الخدور قصص اشهر نساء العالم على مدى التاريخ حرف الشين

حرف الشين

شجرة الدر

هي الملكة عصمت الدين أم خليل شجرة الدر محظية السلطان الصالح نجم الدين أبي الفتوح أيوب وأم ولده السلطان خليل.

كان امرأة عاقلة مهذبة خبيرة بالأمور، وكان يرجع إليها بالرأي الملك الصالح أيوب ويستشيرها في مهمات الأمور.

ومن أمرها أنه لما مات الملك الصالح نجم الدين أيوب بناحية المنصورة في قتال الفرنج قامت بالأمر وكتمت موته واستدعت ابنه (توران شاه) من حصن (كيفا) وسلكت إليه مقاليد الأمور، وتسلطن بقلعة دمشق في رمضان سنة 647 هجرية وقدم إلى الصالحية وأعلن يومئذ بموت الصالح ولم يكن أحد قبل ذلك يتفوه بموته بل كانت الأمور على حالها والخدمة تعمل بالدهليز والسماط وشجرة الدر تدبر أمور الدولة وتوهم الكافة أن السلطان مريض ما لأحد إليه وصول.

ثم أساء السلطان (توران شاه) تدبير نفسه فتقله البحرية بعد سبعين يوما من ولايته وبموته انقضت دولة بني أيوب من مصر، ثم اجتمع المماليك البحرية على أن يقيموا بعده في السلطنة محظية أستاذهم شجرة الدر فأقاموها وحلفوا لها في عاشر صفر ورتبوا عز الدين أيبك التركماني مقدم العسكر فسار إلى قلعة الجبل، وأنهى ذلك إلى شجرة الدر، فقامت بتدبير المملكة، وعملت على التوقيع بما مثاله والدة خليل، ونقش على السكة اسمها ومثاله المستعصمة الصالحية ملكة المسلمين والدة المنصور خليل خليفة أمير المؤمنين وخلعت على المماليك البحرية، وأنفقت فيهم الأموال ولم يوافق أهل الشام على سلطنتها وطلبوا الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب، فسار إلى دمشق وملكها فانزعج العسكر بالقاهرة وتزوج الأمير عز الدين أيبك التركماني بشجرة الدر، ونزلت له عن السلطنة وكانت مدتها ثمانين يوما، ومن مآثرها الجامع الذي بنته بخط الخليفة بمصر بقرب مشهد السيدة سكينة بنت الحسين – رضي الله عنهما – ودفنت فيه حين موتها وهو مقام الشعائر لغاية الآن ولها جملة مآثر ومبان خيرية بمصر وخلافها من البلاد التي تملكت عليها.

شعانين زوجة المتوكل الخليفة العباسي

كانت ذات حسن وجمال، وبهاء وكمال، ولطف وظرف، واعتدال قد، واحورار طرف. مجيدة لضروب الغناء وفتونه، عالمة بأساليب الغرام وفتونه.

قيل: إن سبب ائتلاف المتوكل بها أنه خرج يوما للنزهة في ضواحي الشام فبينما هو يتصفح الكنائس والرياض ويرى ما فيها من العجائب وحسن ثياب النصارى إذ أقبل راهب الكنيسة فجعل الخليفة يسأله عن كل من يمر حتى أقبلت جارية لم ير أحسن منها وبيدها مجمرة بخور فسأله عنها فقال: هي ابنتي. وما اسمها؟ قال: شعانين. فقال لها المتوكل: يا شعانين، اسقني ماء. فقالت: يا سيدي، ليس هنا إلا ماء الغدران، وأنا لا أستنظفه لك، ولو كانت حياتي ترويك لجدت لك بها، وأسرعت بكوز فضة. فأومأ إلى أحد ندمائه أن اشربه، فشربه، ثم قال لها: إن هويتك تساعديني؟ فقالت له: أنا الآن أمتك وأما إذا أصدق الحب في المحبة فما أخوفني من الطغيان أما سمعت قول الشاعر:

كنت لي في أوائل الأمر حبا

ثم لما ملكت صرت عدوا

أين ذاك السرور عند التلاقي

صار مني تجنبا ونـبـوا

فطرب حتى كاد أن يشق ثوبه ثم قال لها: هبي لي اليوم نفسك فصعدت به إلى غرفة مشرفة على الكنائس وجاء الراهب بخمر من أحسن الموجود وعاف المتوكل طعامهم فاستحضر أطعمة من عنده، فلما (أخد) منه الشراب أحضر آلة وغنت:

يا خاطبا مني المـودة مـرحـبـا

روحي فداؤك لا عدمتك خاطبـا

أنا عبدة لهواك فاشرب واسقـنـي

واعدل بكأسك عن جليسك إذا أبى

قد والذي رفع السماء ملكـتـنـي

وتركت قلبي في هواك معـذبـا

فأرغبها حينئذ فأسلمت وتزوجها فكانت من أحظى النساء عنده.

شعوانة رضي الله عنها

كانت لا تفتر عن البكاء فقيل لها في ذلك قالت: (والله لوددت أن أبكي حتى تنقطع دموعي، ثم أبكي دما حتى لا يبقى جارحة من جسمي فيها دم). وكانت تقول: (من لم يستطع البكاء فليرحم فإن الباكي إنما يبكي لمعرفته بنفسه وما جنى عليها وما هو صائر إليه)، وكانت تبكي وتقول: (إلهي إنك لتعلم أن العطشان من حبك لا يروى أبدا).

وكانت التي تخدمها تقول من منذ ما وقع علي نظر شعوانة ما ملت قط إلى الدنيا ببركتها ولا استصغرت في عيني أحدا من المسلمين وكان الفضل بن العباس – رضي الله عنهما – يأتيها ويتردد إليها ويسألها الدعاء.

الشلبية الأندلسية

اسم غلب على المترجمة نسبة إلى بلدها بالندلس كانت أديبة فاضلة شاعرة ناثرة واشتهر صيتها بالأندلس ونواحيها حتى إنها كانت تجالس الملوك وتناظر الشعراء، ولها جملة قصائد ومقطعات ولم يجمع شعرها بديوان حتى يظهر للعيان. ومن شعرها ما كتبت به إلى السلطان يعقوب المنصور تتظلم من ولاة بلادها وصاحب خراجها، فقالت:

قد آن أن تبكي العيون الآبـية

ولقد أرى أن الحجارة باكـية

يا قاصد المصر الذي يرجى به

إن قدر الرحمن رفع كراهية

ناد الأمير إذا وقفت بـبـابـه

يا راعيا إن الرعية فـانـية

أرسلتها هملا ولا مرعى لهـا

وتركتها نهب السباع العـادية

شلب كلا شلب وكانت جـنة

فأعادها الطاغون نارا حامية

عاثوا وما خافوا عقوبة ربهـم

والله لا تخفى عليه خافـية

شهدة ابنة أبي نصر أحمد بن أبي الفرج الإبري الدينورية البغدادية

كانت من العلماء الأكابر المحدثات الصادقات بالرواية تعلمت الخط الجيد وأخذت العلم عن كثير من العلماء وأجازوها إجازة لم تسبق لغيرها وأخذ عنها كثيرون، وكان لها النفس العالي ألحقت فيه الأصاغر بالأكابر وممن سمعت عنهم أبو الخطاب الطبراني وفخر الإسلام الشاشاني وغيرهما من أفاضل العلماء وألفت جملة رسائل في الحديث والفقه والتوحيد ومآثرها كثيرة في أصناف العلوم وكانت وفاتها ببغداد سنة 574 هجرية.

شوكار قاضن

هي معتوقة المرحوم عثمان (كتخدا القازد غلي) وزوجة المرحوم إبراهيم (كتخدا القازد غلي) كانت تقية صالحة من بنات الجركس، المتأدبات المطيعات لأزواجهن الصادقات في خدمتهن ولها مآثر عظيمة وإدرارات جسيمة كريمة محسنة على الفقراء والمساكين، قاضية لحوائج المحتاجين.

فمن مآثرها السبيل الذي بنته بقرافة مصر الصغرى إغاثة للناس وقت المواسم ووقفت له أوقافا يصرف من ريعها عليه وهو منقوش من أعلاه برقم سنة 1170 هجرية، وهذا السبيل عامر إلى الآن ويملأ سنويا من ماء النيل على طرف ديوان الأوقاف المصرية. وفي حجة وقفيته المؤرخة سنة 1185 هجرية أن الست (شوكار) – المذكورة – وقفت جميع المكان بخط الأزبكية بدرب شيخ الإسلام بن عبد الخالق السنباطي وجميع الجنينة فيما بين بولاق والقصر العيني المعروفة قديما بغيط البحر.

وجميع الرزقة الكائنة بناحية ديرك بالمنوفية، وجميع الرزقة الكائنة بناحية طمويه بالجيزة، وجميع خمسمائة عثماني وأربع عثمانية مرتب علوفة، وجميع المكان الكائن بالكعكيين تجاه حمام الجبيلي.

وجميع علو بعض طبقات من وكالة الملح، وجميع المكان بخط الكراسين بين الحيطان بالقرب من قنطرة الخرنوبي وجميع المكان الكائن بخط الشوائين بداخل عطفة الفاكهاني.

وجميع المكان الكائن بالخط – المذكور – في العطفة المتوصل منها الباب جامع الفاكهاني الشرقي، ومطبخ السكر وجميع الحانوتين الكائنين تجاه جامع الفاكهاني، وجميع ست قراريط من الوكالة الكائنة بخط قنطرة الموسكي، وجميع الحانوتي الكائنين بالدرب الأحمر.

وجميع الحانوت الكائن بالخط – المذكور – تجاه جامع الصالح وجميع الحصة التي قدرها ثلاثة وعشرون قيراطا في الوكالة الكائنة بخط البندقانيين.

وجميع الحصة التي قدرها نصف قيراط وسدس قيراط في كامل أراضي ناحية الأرجنوس وتوابعها بالبهنساوية، وجميع ثلاثة حوانيت كائنة بخط باب الزهومة.

وجميع مرتب العلوفة وهو ثلاثة وستون عثمانيا. وشرطت لنفسها نظر وقفها هذا ومن بعدها للأولاد والعتقاء وأن يصرف في ثمن ماء عذب يصب في السبيل إنشاء الواقفة في كل سنة أربعة آلاف وتسعمائة وخمسون نصفا فضة (النصف الفضة عبارة عن بارة وكل أربعين منها بدرهم فضة أعني قرش أو كل أربعة منها بمليم من العملة المصرية التي كل ألف منها بدينار مصري) وفي ثمن حبال وبخور وغيره مائتان وخمسون نصفا فضة، وللمزملاتي سنويا سبعمائة وعشرون نصفا، ولغفير السبيل سنويا ثلثمائة وستون نصفا فضة وأجرة ملئه أربعمائة نصف، وشرطت أيضا به ثلثمائة وستون نصفا وأجرة النزح وثمن القلل والبخور مائتان وأربعون نصفا وثمن زيت وقناديل بمقام الشيخ الخرنوبي مائة وثمانون نصفا وأن يصرف في ثمن ماء يصب في السبيل الذي بالشوائين يوميا اثنا عشر نصفا وفي ثمن ضحايا ليوم العيد تفرق على الفقراء ثلاثون ريال حجر أبو طاقة ولسبعة قراء يقرأون من أول رجب لليلة عيد الفطر سنويا أربعون دينارا ذهبا زر محبوب.

ولناظر الوقف سنويا ثلاثون دينارا وللناظر الحسبي عشرة دنانير، وللمباشر مثله والجابي كذلك وأن يصرف في وجوه الخير على ترتبها في أيام الجمعة والعيدين سنويا شرة دنانير ذهبا. وللتربي عشرة ريالات حجر أبو طاقة، ولسبعة قراء بالحرم المكي عشرة ريالات أبو طاقة أيضا فلله در هذه الواقفة فإنها لم تدع بابا للخير إلا فتحته فرحمها الله رحمة واسعة وأكثر الله من أمثالها.

شرفية ابنة سعيد قبودان

ولدت في سنة 1260 هجرية وهي لغاية الآن على قيد الحياة، ولهذه المترجمة وقائع تشهد لها بالوفاء وتعتبر من العجائب المستغربة قد أخبرتني عنها إحدى السيدات الموثوق بقولهن، ولغرابة هذه الوقائع أحببت درجها في هذا التاريخ لكي تخلد لهذه المترجمة ذكرا مدى الأعصار، وهو أنه كان في مدينة (بولاق) مصر رجل (قبودان) يقال له: سعيد (قبودان)، وكان قد اقترن بفتاة اسمها السيدة مخدومة شقيقة رائف باشا – أحد رؤساء البحر في الحكومة المصرية – فرزق منها سعيد (قبودان) بنتا فسماها شرفية ولم تمكث في حجر والدها سوى ثمان سنوات حتى توفاه الله. وكان ذلك سنة 1268 هجرية وهو مجاهد في حرب القرم الأخيرة.

وكانت هذه البنت غاية في الرقة واللطف، وقد ربيت على مبادئ حسنة، وقد علمتها والدتها القراءة والكتابة والأشغال اليدوية، وجميع ما تختص به النساء من تطريز وغيره حتى فاقت بنات عصرها، وهي مطيعة لوالدتها منقادة لكلامها وكانت تلك الوالدة تحني عليها ضلوع الرأفة والحنو إلى أن بلغت الثامنة عشرة من سنيها، وكانت في مدينة (إزمير) امرأة متوسطة المقام، وكان قد تركها زوجها منسحبا من بلده ولم تعلم أين ذهب وترك لها ولدا صغيرا، ولكنه يضاهي البدر جمالا والغصن اعتدالا، وما زالت منتظرة تربي ولدها إلى أن فرغ منها المال المدخر معها، ولم تجد ما تقتات به هي وولدها.

وقد تواترت الأخبار عن وجود زوجها في مصر فأخذت ولدها – وكان في سن الثالثة عشرة من سنيه – وحضرت به إلى مصر لتبحث عن والده كما خلد في فكرها وقد نزلت بالأمر المقدور على السيدة مخدومة، فتلقتها على الرحب والسعة وفتحت لها في قلبها فضلا عن منزلها أعظم محل، وكلمت شقيقها رائف باشا في أمرها فبحث عن زوجها فلم يعلم له خبرا.

ولما لم يجده أخذ الغلام وسلمه إلى إحدى المدارس الأميرية، وكان رائف باشا عديم الولد لأنه لم يتزوج أبدا إلى أن بلغ الثمانين من العمر وكانت شرفية في ذلك الوقت لم تتجاوز الثامنة عشرة وكان محمد كمال في سن الثالثة عشرة، وكانت شرفية ربعة القوام ممتلئة الروح، سوداء الشعر والعيون، تخلب لب من يراها.

وأما محمد كمال فإنه طويل القوام نحيل الجسم، أبيض اللون، أشقر الشعر، أزرق العيون مستدير الوجه يميل دمه إلى الخفة مع أنه أقل من كان بهذا الشكل أن يستحصل على هذا الجاذب.

ولما دخل إلى منزل سعيد (قبودان) صارت شرفية تعتني بأمره كل الاعتناء من ملبس ومأكل، وكل ما يلزم له وجميع سد احتياجاته، وكانت والدتها تنظر إليها بعين الاستغراب وتفكر في أمرها وانشغالها بأمر هذا الغلام، ولكنها تراجع نفسها عن الظنون في ابنتها لأنها في هذا السن، ولما دخل المدرسة وبعد عن شرفية كثرت عليها الأفكار وصارت تحب الخلوة بنفسها، ولكنها لم تضيع أوقاتها بدون أن تشغل بشيء يعود نفعه على الغلام مثل خياطة ملبوس وغيره مما يلزم له وكان لا يأتي إلا في كل ليلة جمعة على حسب أصول المدارس الداخلية في القطر المصري وكانت شرفية تنتظر ميعاد مجيئه كليا في الأعياد.

وفي تلك الفترة تكاثرت عليهما الخطاب وكانت والدتها تحب أن تزوجها لأنها وحيدتها، وتفرح بها قبل وفاتها. وكلما جاءها خاطب تعرضه عليها والدتها وتحسنه في عيونها وهي لا تقبل منها ذلك ولا تجيبها إلا بالبكاء والنحيب حتى إنها صارت لا تقبل من يفاتحها بمثل هذا الكلام فكدر فعلها هذا والدتها، وظنت أن الذي يغريها على هذا الفعل هي أم الغلام، فكلمتها بهذا الخصوص وأغلظت لها القول حتى أخرجتها من منزلها.

ولما خرجت زاد وجد شرفية وخافت أنها تحرم من رؤية حبيبها، فحزنت الحزن الشديد حتى حرمت النوم والطعام ومازالت في أكفار الدهشة والحيرة إلى أن كانت ليلة الجمعة فحضر محمد كمال على حسب العادة.

ولما بلغه أن والدته خرجت من المنزل وتوجهت إلى منزل رائف باشا اغتم لذلك وكان الغلام أيضا قد أشرب حب البنت من حين طفوليته، وكلما نما سنه ينمو حبها معه، ولكنه كان ينظر إلة نفسه فيجدها حقيرة بالنسبة إلى شفرية، ولكنه صار يجتهد في الاستحصال على العلوم الكافية لأن تجعله أهلا لها، ولم يمض زمن يسير إلا وخرج من مدرسة المبتديان ودخل المدرسة الحربية بواسطة رائف باشا وبعد مضي مدة توفى الله والدتها السيدة مخدومة، وبقيت البنت في حجر خالها كأنها ابنته، وصارت تطلبها الخطاب منه فيعرض عليها ذلك فلم تقبل فاحتار في أمرها ولم يدر ما الذي يمنعها عن الاقتران.

وكان كمال لم يزل في منزل رائف باشا مع والدته فإنها من حين ما خرجت من عند السيدة مخدومة دخلت إلى منزل الباشا المشار إليه ومكثت عنده إلى أن انضمت البنت إليه فصاروا كما كانوا جميعا في بيت واحد، وكان الباش لا يظن أن هذا التوقف من شرفية حاصل بسبب هذا الغلام لأنه يرى أن بينه وبينها بونا بعيدا من حيث الثروة والسن أيضا، وأما النسب فهو وإن كان لا يعلم نسبه إلا أنه كان يرى في خلال طباع الغلام ما يدل على صحة نسبه وأنه من نسل طيب، وأنه شريف النفس أبيها.

ولما طال أمر شرفية بالامتناع عن الزواج خاف الباشا أن يتوفاه الله قبل أن يزوج هذه البنت اليتيمة، فشكا ذلك إلى بعض أصدقائه وقال له بأن يكلف قرينته لأنها كوالدتها أن تسألها في ذلك وتفهم ما سبب امتناعها عن الزواج. ففعل الباشا – المشار إليه – ما كلفه به صديقه وقد سألتها قرينته فأظهرت لها أنها لا تقدر على مخالفة الطبيعة حيث أن لها ميلا كليا إلى جهة محمد كمال، فاستنتجت منها تلك السيدة أنها يستحيل عليها الاقتران بغير هذا الغلام وأنها لا تقدر على مخالفة إحساساتها القلبية، فأخبرت زوجها بذلك وكان كمال في ذاك الوقت قد استحصل على رتبة ملازم وصار له جراءة على طلب شرفية فتقدم إلى الباشا – المشار إليه – والتمس منه أن يكلم رائف باشا في أمر شرفية، وأن ينعم عليه بها وأن يقبله عبدا له ما دام في هذه الدنيا لأنه على كل حال هو غرس نعمته فتقدم إليه صديقه بأمر الخطوبة وأخبره أنه اختبر أمر شرفية بلسان زوجته فوجدها تميل إلى الغلام.

وهذا سبب امتناعها عن الاقتران بغيره ولما سمع رائف باشا هذا الخبر استعظمه وقال: هذا شيء لا يكون أبدا لأن الغلام لا يصلح لها، فكيف أزوجه بنت أختي وأنا مربيه بنوع الثواب وهو فقير ولا يقدر على أداء المهر ولا مصروف نفسه فضلا عن فتح المحل ومصاريفه مع كونه مجهول الأصل.

فقال له: فأما كون فقيرا فسوف يتقدم شيئا فشيئا ويستحصل على الرتب حتى يصير بدرجتنا حيث إننا نحن كنا في ابتداء أمرنا على أرفع الرتب اللائقة بمثلنا، وها هو مجتهد أيضا.

وأما من جهة كونه مجهول الأصل فنحن أيضا لا نعلم أصلنا لأن الواحد منا لا يعلم أصل نفسه ولا من هم أهله، فمن هو جركسي، ومن هو مرلي، ومن هو كريدلي، وقد أخرجنا من بلادنا ما نعلم ماذا يؤل أمرنا إليه، وها نحن والحمد لله قد صرنا من خواص رجال الحكومة المصرية ولم يزل به حتى أنعم له رائف باشا بعد امتناعه جملة سنين وعقد للغلام على شرفية وشرعوا في أمر الجهاز وما يلزم للفرح وكأن شرفية في ذاك الوقت قد أحيي ميت آمالها وأدهشها الفرح الشديد عن كل ما في الكون.

ولكنها وا أسفاه لم يسمح لها الدهر بإتمام تلك الأفراح حتى هجم عليها بجيوشه الجبارة وصدمها صدمة تزول من هولها الجبال والراسيات ويذوب لها الحجر الجلمود.

وذلك أنه لما بقي لإقامة الفرح أسبوع واحد حم الغلام ووقع رهين الفراش ولم يمكث بعد ذلك سوى أيام قلائل حتى توفاه الله وقصف غصن شبابه النضر، وانزوى جماله تحت أطباق الثرى. سبحان الحي الباقي الذي لا يموت.

فلينظر الرائي إلى حال شرفية التي يعجز القلم عن وصف حالها وما صارت إليه من الحزن والكدر حتى أنها دخلت إلى غرفتها التي سمتها بيت الأحزان وأسلبت عليها الستور وصارت تندب حبيبها وتبكيه إلى الآن وتوفي بعد ذلك خالها رائف باشا ولم تزل إلى هذا الوقت مدفونة تحت أطباق الحزن تطلب الموت لعلها تجتمع بحبيبها في العالم الآخر فلم تجد لذلك من سبيل. ولها مسجونة في بيت حزنها ما يزيد على الثلاثين سنة وقل من يصبر على هذا المصاب.

شرين زوجة أبروزير بن هرمز

من ولد كسرى أنوشروان. ان يتيمة في حجر رجل من الأشراف، وكان (أبرويز) صغيرا يدخل منزل ذلك الرجل فيلاعب شرين وتلاعبه فأخذت من قلبه موضعا فنهاها عن ذلك الرجل فلم تنته فرآها. وقد أخذت في بعض الأيام من (أبروزير) خاتما فقال لبعض خواصه: اذهب بها إلى الدجلة فغرقها، فأخذها الرجل ومضى فقالت له: وما الذي ينفعك من تغريقي؟ فقال: قد حلفت لمولاي. فقالت: اقذفني في مكان رفيق فإن نجوت لم أظهر وبرئت من يمينك ففعل وتوارت في الماء حتى غاب وصعدت إلى دير فترهبت فيه وأحسن إليها الرهبان.

فلما تقرر الملك لأبرويز بعد أبيه هرمز مر بذلك الدير رسل قيصر أبرويز فدفعت الخاتم إلى رئيسهم وقالت: ابعث به إلى أبرويز لتحظى عنده فأرسله وعرفه مكان شرين فسر سرورا عظيما، وأرسل إليها فأحضرها، وكانت من أجمل النساء وأظرفهن ففوض إليها أمره وهجر نساءه وجواريه وعاهدها أن لا تمكن منها أحدا بعده، وبنى لها القصر المعروف بقصر شرين بالعراق، فلما قتل (شيرويه) أباه (أبرويز) راودها عن نفسها فامتنعت، فضيق عليها واستأصلها ورماها بالزنا وتهددها بالقتل إن لم تفعل فقالت: افعل على ثلاث شرائط. قال: ما هي؟ قالت: تسلم إلي قتلة زوجي حتى أقتلهم، وتصعد المنبر وتبرئني مما قذفتني به وتفتح لي تاوس أبيك، فإن له عندي وديعة عاهدني إن تزوجت بعده رددتها إليه.

فدفع إليها قتلة أبيه فقتلتهم وبرأها، وقيل: فتح لها تاوس أبيه وبعث الخادم معها فجاءت إلى (أبرويز) فعانقته ومصت فصا مسموما كان معها فممات من وقتها وأبطأت على الخدم فصاحوا فلم تكلمهم، فدخلوا فوجدوها معانقة لأبرويز ميتة فهذه ممن يفتخر لهن بالوفاء.

ماذا تعرف عن الملك فاروق و مصر فى عهد الملك فاروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *