كتاب الدر المنثور فى طبقات ربات الخدور قصص اشهر نساء العالم على مدى التاريخ حرف اللام الجزء الاول

حرف اللام
لبنى بنت الحباب الكعبية
كانت أحسن نساء زمانها وجهاً وأرقهن شمائل, وأعذبهن منطقاً, وألطفهن إشارة. ذات فصاحة وأدب ومعرفة بأشعار العرب وهي صاحبة قيس بن ذريح العذري, رضيع الحسين بن علي بن أبي طالب.
وكانت سبب علاقته بها أنه ذهب لبعض حاجاته فمر ببني كعب. وقد احتدم الحر, فاستقى الماء من خيمة منهم, فبرزت إليه امرأة مديدة القامة بهية الطلعة, عذبة الكلام, سهلة المنطق, فناولته إداوة ماء, فلما صدر قالت له: ألا تبرد الحر عندنا, وقد تمكنت من فؤاده. فقال: نعم, فمهدت له وطاء واستحضرت ما يحتاج إليه وجاء أبوها, فلما وجده رحب به ونحر له جزوراً وأقام عندهم ضياء اليوم
ثم انصرف وهو أشغف الناس بها فجعل يكتم ذلك ألى أن غلب عليه فنطق فيها بالأشعار وشاع ذلك عنه ومر بها ثانياً, فنزل عندهم وشكا إليها حين تخاليا ما نزل به من حبها فوجد عندها أضعاف ذلك, فانصرف وقد علم كل واحد ما عند الآخر, فمضى إلى أبيه, فشكا إليه ذلك فقال له: دع هذه وتزوج بإحدى بنات عمك, فغم منه وجاء إلى أمه فكان منها ما كان من أبيه فتركها وجاء إلى الحسين بن علي بي أبي طالب وأخبره بالقضية, فرثى له والتزم أن يكفيه هذا الشأن فمضى معه إلى أبي لبنى فسأله في ذلك فأجاب فقال: يا ابن رسول الله, لو أرسلت لكفيت بيد أن هذا من أبيه أليق كما هو عند العرب فشكره ومضى إلى أبي قيس حافياً على حر الرمل. فقام ذريح ومرغ وجهه على أقدامه ومشى مع الحسين حتى زوج قيساً بلبنى وأدى الحسين المهر من عنده, ولما تزوجها أقام مدة مديدة على أرفع ما يكون من أحسن الأحوال ومراتب الإقبال وفنون المحبة, ولكن لم تلد لبنى فساء ذلك أبويه فعرضا على قيس أنه يتزوج بمن تجيء بولد, وذلك أحفظ لنفسه وأبقى لماله فامتنع امتناعاً يؤذن باستحالة ذلك وقال: لا أسوءها قط وقام يدافعهما عشر سنين إلى أن أقسم أبوه أن لا يكنه سقف إلا أن يطلق قيس لبنى فكان إذا اشتد الحر يجيؤه فيظله بردائه ويصلي هو بحر الشمس حتى يجيء الفيء فيدخل إلى لبنى فيتعانقان ويتباكيان وهي تقول له: لا تفعل, فتهلك إلى أن قدر الله وطلقها.
فلما أزمعت الرحيل بعد العدة جاء وقد سأل الجارية عن أمرهم فقالت: سل لبنى فأتى إليها فمنعه أهلها وأخبروه أنها ترتحل الليلة أو غدا فسقط مغشياً عليه فلما أفاق أنشد:
وإني لمفن دمع عيني بالبـكـا حذار الذي قد كان أو هو كائن
وقالوا غدا أو بعد ذاك بـلـيلة فراق حبيب لم يبن وهو بـائن
وما كنت أخشى أن تكون منيتي بكفيك إلا أن ما حـان حـائن
فلما حملت إلى المدينة يئس قيس واشتد شوقه وزاد غرامه وأفضى به الحال إلى مرض ألزمه الوساد واختلال العقل واشتغال البال فلام الناس أباه على سوء فعله فجزع وندم وجعل يتلطف به, فلما أيس منه استشار قومه في دائه, فاتفقت آراهم على أن يأمروه يتصفح أحياء العرب, فلعل أن تقع عينه من تسليه عن حب لبنى, ففعل حتى نزل بحي من فزارة, فرأى جارية قد حسرت عن وجهها برقع خز وهي كالبدر حسناً فسألها عن اسمها فقالت لبنى: فسقط مغشياً عليه, فارتاعت.
وقالت: إن لم تكن قيساً فمجنون ونضحت على وجهه الماء, فلما أفاق استنسبته فإذا هو قيس لبنى, وكان أمرهما اشتهر في العرب وجاء أخوها فأخبرته فركب حتى استرده, وأقسم عليه أن يقيم عنده شهراً فقال له: لقد شققت علي, وأجاب. فكان الفزاري يعجب به ويعرض عليه المصاهرة حتى لامته العرب.
وقالوا: نخشى أن يصير فعلك هذا سنة في العرب. فقال: دعوني ففي مثل هذا فليرعب الكرام, وألح عليه وزوجه بأخته, فلما بلغ لبنى قالت: إنه لغدار وإني طالما خطبت فأبيت والآن أجيب. وكان أبوها قد اشتكى قيساً إلى معاوية وقال: إنه يشبب بابنته فكتب إلى مروان يهدر دمه وأمره أن يزوج ابنته بخالد بن خلدة الغطفاني, ففعل, وأجابت حين علمت بزواج قيس فجعل النساء يغنينها ليلة الزفاف.
لبـنـى زوجـهــا أصبح لا حر يوازيه
له فضل على النـاس وقد باتت تنـاجـيه
وقيس مـيت حـقـاً صريع في بواكـيه
فلا يبـعـده الـلـه وبعد الـنـواعـيه
ولما بلغ ذلك قيساً اشتد به الغرام فركب حتى أتى محل قومها فقالت له النساء: ما تصنع بهذا وقد رحلت مع زوجها؟ فلم يلتفت حتى أتى محل خبائها فتمرغ به وأنشد:
إلى الله أشكو فقد لبنى كما شكا إلى الله فقد الوالـدين يتـيم
يتيم جفاه الأقربون فجسـمـه نحيل وعهد الوالـدين قـديم
وحجت لبنى في تلك السنة فاتفق خروج قيس أيضاً فتلاقيا فهبت وأرسلت إليه مع امرأة تستخبر عن حاله وتسلم عليه فأعاد السلام والسؤال وأنشد:
إذا طلعت شمس النهار فسـلـمـي فآية تسليمي عليك طـلـوعـهـا
بعشر تحيات إذا الشمس أشـرقـت وعشر إذا اصفرت وحان رجوعها
ولو أبغلتها جارة قولي اسـلـمـي بكت جزعاً وارفض منها دموعها
وحين انقضى الحج مرض مرضاً شديداً فأنهكه فأكثر الناس من عيادته, فجعل يتفكر لبنى وعدم رؤيته لها فأنشد:
ألبنى لقد جلت عليك مصيبـتـي غداة غد إذ حـل مـا أتـوقـع
تمنينني نيلاً وتـلـوينـنـي بـه فنفسي شوقاً كل يوم تـقـطـع
ألومك في شأني وأنـت مـلـيمة لعمري وأجفى للمحب وأقطـع
وأخبرت أني فيك مت بحـسـرة فما فاض من عينيك للوجد مدمع
إذا أنت لم تبكي علـي جـنـازة لديك فلا تبكي غداً حين أرفـع
فحين بلغتها الأبيات جزعت جزعاً شديداً وخرجت إليه خفية على ميعاد فاعتذرت عن الانقطاع, وأعلمته أنها إنما تترك زيارته خوفاً عليه أن يهلك وإلا فعندها ما عنده ولكنها جلدة وجاء قيس إلى المدينة بناقة من إبله ليبيعها, فاشتراها زوج لبنى وهو لا يعرفه.
ثم قال له: ائتني غداً في دار كثير بن الصلت أقبضك الثمن فجاء وطرق الباب فأدخله وقد صنع له طعاماً وقام لبعض حاجاته فقالت لبنى لخادمتها” سليه ما بال وجهه متغيراً شاحباً فتنفس الصعداء.
ثم قال: هكذا حال من فارق الأحبة. فقالت: استخبريه عن قصته فاستخبرته فشرع يحكي أمره فرفعت الحجاب وقالت: حسبك قد عرفنا حالك فبهت حين عرفها ساعة لا ينطق بلفظ.
ثم خرج لوجهه فاعترضه الرجل وقال: مالك؟ عد لتقبض مالك, وإن شئت زدناك فلم يكلمه ومضى فدخل على لبنى فقالت له: ما هذا إنه لقيس! فحلف أنه لا يعرفه. وأنشد قيس معاتباً لنفسه:
أتبكي على لبنى وأنت تركتـهـا وكنت عليها بالملا أنـت أقـدر
فإن تكن الدنيا بلبنى تـقـلـبـت فللدهر والدنيا بطون وأظـهـر
كأني في أرجوحة بـين أحـبـل إذا فكرة منها على القلب تخطر
وقصد قيس معاوية فمدحه فرق له وكان قد أهدر دمه فقال له: إن شئت كتبت إلى زوجها بطلاقها فقال: لا, ولكن إئذن لي أن أقيم ببلدها ففعل فنزل حين زال هدر دمه بحيها, وتضافرت مدائحه فيها حتى غنى بها معبد والغريض وأضرابهما, وقد قصد قيس أبن أبي عتيق وكان أكثر أهل زمانه مروءة فجاء ابن أبي عتيق إلى الحسن والحسين وأعلمهما أن له حاجة عند زوج لبنى وطلب أن ينجداه عليه فمضيا معه حتى اجتمعوا به وكلموه في طلب ابي أبي عتيق وهم لم يعلموا الغرض قال: سلوا ما شئتم. فقال ابن أبي عتيق: أهلاً كان أو مالاً؟ قال: نعم. فقال: أريد أن تطلق لبنى ولك ما شئت عندي. فقال: أشهدكم أنها طالق. فاستحيوا منه وعوضه الحسن مائة ألف درهم وقال له: لو علمت الحاجة ما جئت, ونقلت إلى العدة وعاتبت لبنى قيساً على تزويجه الفزارية فحلف لها أن عينيه لم تكتحل برؤيتها ولم يكلمها لفظة واحدة, وأنه لو رآها لم يعرفها وأخبرته أنها كارهة زوجها وأعلمته أنها لم تتزوج به رغبة فيه بل شفقة على قيس حين أهدر دمه ليخلي عنها, وتوفيت لبنى في العدة سنة 33ه وإن قيساً حين بلغه ذلك خرج حتى وقف على قبرها وأنشد:
ماتت لبينى فموتهـا مـوتـي هل ينفعن حسرة على الفوت
إني سأبكي بكـاء مـكـتـئب قضى حياة وجداً على مـيت
ثم بكى حتى أغمي عليه فحمل ومات بعد ثلاث ودفن إلى جانبها وله فيها أشعار كثيرة منها:
إذا خدرت رجلي تذكرت من لها فناديت لبنى باسمها ودعـوت
دعوت التي لو أن نفسي تطيعني لفارقتها في حبها فقـضـيت
برت نبلها للصيد لبنى وريشـت وريشت أخرى مثلها وبـريت
فلما رمتني أقصدتني بنبـلـهـا وأخطأتها بالسهم حين رمـيت
وفارقت لبنى ضلة فكـأنـنـي قرنت إلى العيوق ثم هـويت
فيا ليت أني مت قبل فراقـهـا وهل ينفعن بعد التفرق لـيت
فوطن لهلكي منك نفساً فإننـي كأنك بي قد يا ذريح قضـيت
وقال أيضاً:
عيد قيس من حب لبنى ولبنى داء قيس والحب صعب شديد
فإذا عادنـي الـعـوائد يومـاً قالت العين لا أرى من أريد
ليت لبنى تعودني ثم أقـضـي إنها لا تعود فـيمـن يعـود
ويح قيس لقد تضمن منـهـا داء خبل فالقلب منه عمـيد
وقال: وقد سأله الطبيب مذ كم وجدت بهذه المرأة ما وجدت فأنشد:
تعلق روحي روحها قبل خلقنـا ومن بعدما كنا نظافا وفي المهد
فزاد كما زدنا وأصبـح نـامـيا وليس إذا متنا بمنفصم العـقـد
ولكنه باق علـى كـل حـادث وزائرنا في ظلمة القبر واللحد
لبانة ابنة ريطة بن علي بن عبد الله طاهر
كانت من أحسن نساء زمانها وأوفرهن عقلاً, وأعظمهن أدباً, فصيحة المنطق عذبة اللسان شاعرة وشعرها مقبول ولها علم بضروب الغناء تزوجها محمد الأمين بن هارون الرشيد فقتل ولم يبن بها فقالت ترثيه:
أبكيك لا للـنـعـيم والإنـس بل للمعالي والرمح والفرس
أبكي على سيد فجعـت بـه أرملني قبل ليلة الـعـرس
يا فارساً بالعراء مطـرحـاً خانته قواده مع الـحـرس
من للحروب التي تكون بهـا إن أضمرت بارها بلا قبس
من لليتامى إذا هم سبـغـوا وكل عان وكل محتـبـس
أم من لبر أم مـن لـفـائدة أم من لذكر الإله في الغلس
ولما قتل الأمير رجعت إلى منزل والدها ولم تتمالك أن تبقى مع السيدة زينب بنت جعفر أم الأمين لأنها تشاءمت منها فخشيت على نفسها من الإهانة والاحتقار.
وبعد أن استتب الأمر إلى المأمون جعل لها إدرارات ورواتب تنفق منها ولم يتركها تذهب إلى حيث شاءت بل جعلها كأنها من حرم دار الخلافة وبقيت على ذلك إلى أن ماتت بآخر خلافته.
لطيفة الحدانية
توفي أبوها وتركها صغيرة فكفلها عمها, وكانت على أرفع ما يكون من مراتب الجمال ومحاسن الأخلاق والخصال, فربيت في بيت عمها حتى بلغت وكان لعمها ولد شاب يدعى واصفاً وكان كامل الحسن والظرف واللطف والعفة فكانت لطيفة تنظر إليه فيعجبها إلى أن تمكن حبه منها.
فمرضت وهي تكتم أمرها وكانت امرأة عمها فطنة مجربة للأمور, فامتحنتها فوجدتها تغيب عن حسها أحياناً فإذا دخل الغلام أفاقت والتمست تأكل, فأخبرت أباه فقال: يا لها نعمة.
ثم زوجه بها فأوقع الله حبها في قلبه فأقاما على أحسن حال مدة وهو يأمرها أن تكون دائماً متزينة مطيبة ويقول لها: لا أحب أن أراك إلا كذا, فلم يزالا على ذلك فضعف الشاب فمات, فوجدت به وجداً شديداً, فكانت بأنواع زينتها كما كانت وتمضي, فتمكث على قبره باكية إلى الغروب. قال الأصمعي: مررت أنا وصاحب لي بالجبانة, فرأيتها على تلك الحالة فقلنا لها: علام ذا الحزن الطويل؟ فأنشأت:
فإن تسألاني فيم حزني فإننـي رهينة هذا القبر يا فـتـيان
وإني لأستحييه والترب بينـنـا كما كنت أستحييه حين يراني
فعجبا منها ثم انحزنا فجلسنا بحيث لا ترانا لننظر ما تصنع فأنشأت:
يا صاحب القبر يا من كان يؤنسني وكان يكثر في الدنيا مـوالاتـي
قد زرت قبرك في حلي وفي حلل كأنني لست من أهل المصيبـات
لزمت ما كنت تهوى أن تراه وما قد كنت تألفه من كـل هـيآت
فمن رآني رأى عبري مـولـهة مشهورة الزي تبكي بين أموات
ثم انصرفت فتبعناها حتى عرفنا مكانها, فلما جئنا إلى الرشيد قال: حدثني بأعجب ما رأيته. فأخبرته بأمر لطيفة فكتب إلى عامله على البصرة أن يمهرها عشرة آلاف درهم, ففعل ووجه بها إليه, وقد أنهكها السقم, فتوفيت بالمدائن.
قال الأصمعي: فلم يذكرها الرشيد مرة إلا ذرفت عيناه.
لويزا ماري كارولين
“لويزا” كونتة “أليني” زوجة. آخر رجل من عائلة “ستورت”. ولدت في “منس” من بلجيكا سنة 1753 م, وتوفيت في فلورنسا سنة 1824 م. وهي ابنة البرنس “غستاقوس أدولغوس”. تزوجت سنة 1772 م “بشارل أدورد ستورت” حفيد “جمس الثاني”, وكان يدعي بحق الجلوس على تخت ملك بريطانيا, ويعرف بكونت “أليني”.
وكان أكبر منها بثلاثين سنة, ويقال: إنه تزوجها أملاً أن يولد له منها وارث شرعي لبيت “ستورت” الذي كان مناظرا لملك إنكلترا إلا أنهما لم يتفقا فإنها كانت جميلة فتينة, مهذبة عاقلة. وكان هو هرماً خشن الطباع سيء الخلق, فعاش في “فلورنسا” وهناك تعرفت ب” الغيارى” الشاعر فحصل لها عنده اعتبار عظيم ويقال: إنه عشقها عشقاً مفرطاً وإنها هي التي حركته إلى تأليف تراجيدياته, ولم تتهم قط بخيانة زوجها إلا أن شدة فظاظته حملتها أخيراً على تركه فالتجأت إلى دير في فلورنسا, ثم انتقلت إلى دير في روميه.
وسنة 1783 م تمكنت من فسخ زواجها بتوسط “غستاقوس الثالث” ملك أسوج “وسعى لها “غستاقوس” _المذكور_ بمرتب عينته لها الحكومة الفرنساوية, غير أنه قطع عنها عند حدوث الثورة. ويقال: إنها بعد نحو سنتين من وفاة زوجها سنة 1788 م تزوجت “الغيارى” سراً وكان لها في فلورنسا سطوة عظيمة جداً في المصالح السياسية ونفوذ بين أكابر رجال الدولة فكان “نابوليون” يخافها وبعد وفاة “الغيارى” _المذكور_ كانت تصرف معظم وقتها في فلورنسا ويقال: إنها جرى لها هنا مع “فرنسوا كرافيه فاقر” وهو مصور فرنسوي علائق ودادية متينة, ولما توفيت دفنت في كنيسة “سنتا كروتشا” في فلورنسا في نفس القبر الذي دفن فيه الغيارى وأقام لها “كانوقا” فوقه قبة جميلة.
ليلى الأخيلية
هي ليلى بنت عبد الله بنت الرحال بن شداد بن كعب بن معاوية, وهو الأخيل من بني عامر بن صعصعة, وهي من النساء المتقدمات في الشعر من شعراء الإسلام وكان توبة بن الحمير بن عقيل الخفاجي يهواها ويقول فيها الشعر, فخطبها إلى أبيها, فأبى أن يزوجه إياها وزوجها في بني الأدلع فجاء يوماً كما يجيء لزيارتها فإذا هي سافرة ولم ير منها إليه بشاشة فعلم أن ذلك الأمر ما كان فرجع إلى راحلته فركبها ومضى وبلغ بني الأدلع أنه أتاها فتبعوه. فقال توبة في ذلك قصيدته المشهورة هي:
نأتك بلـيلـى دارهـا لا تـزورهـا وشطت نواها واستمـر مـريرهـا
وخفت نواها من جـنـوب عـفـيرة كما خف من نبل المرامي جفيرهـا
يقـول رجـال لا يضـيرك نـأيهـا بلى كل ما شق النفوس يضـيرهـا
أليس يضر العين أن تكثر الـبـكـى ويمنع منها نومـهـا وسـرورهـا
لكل لـقـاء نـلـتـقـيه بـشـاشة وإن كان يوماً كل حول نـزورهـا
خليلي روحـا راشـدين فـقـد أبـت ضرية من دون الحبـيب وتـيرهـا
يقر بعيني أن أرى العيس تعـتـلـي بنا نحو ليلى وهي تجري صقورهـا
وما لحقت حتى تقلقـل عـرضـهـا وسامح من بعد المرام عـسـيرهـا
وأشرف بالأرض اليفاع لـعـلـنـي أرى نار ليلى أو يراني بصـيرهـا
فناديت ليلى والـحـمـول كـأنـهـا مواقير نخل زعزعتهـا دبـورهـا
فقالت أرى أن لا تفيدك صحـبـتـي لهيبة أعداء تلـظـى صـدورهـا
فمدت لي الأسباب حتى بلـغـتـهـا برفقي وقد كاد ارتفاقـي يغـيرهـا
فلما دخلت الخدر أطـت نـسـوعـه وأطراف عيدان شـديد سـيورهـا
فأرخت لنضـاخ الـذفـار مـنـصة وذوي سيرة قد كان قدماً يسـيرهـا
وإني ليشفيني مـن الـشـوق أن أرى على الشرف النائي المخوف أزورها
وأن أترك العيس الحسير بأرضـهـا يطيف بها عقبانهـا ونـسـورهـا
حمامة بطـن الـواديين تـرنـمـي سقاك من الغر الغوادي مطـيرهـا
أبيني لنـا لا زال ريشـك نـاعـمـاً ولا زلت في خضراء دان بريرهـا
وقد تذهب الحاجات يسترها الفـتـى فتخفى وتهوى النفس ما لا يضيرها
وكنت إذا ما زرت ليلى تبـرقـعـت فقد رابني منها الغداة سـفـورهـا
وقد رابني مـنـهـا صـدود رأيتـه وإعراضها عن حاجتي وقصورهـا
أترك حياض الموت لـيلـى وأفـنـا عيون نقيات الحـواشـي تـديرهـا
ألا يا صفي النفس كيف بـقـولـهـا لو أن طريداً خائفاً يسـتـجـرهـا
تجير وإن شطت بها غـربة الـنـوى ستنعم ليلـى أو يفـادى أسـيرهـا
وقالت أراك اليوم أسـود شـاحـبـاً وأنى بياض الوجه حر حـرورهـا
وغيرني أن كنـت لـمـا تـغـيرت هو أجر لا أكتـنـهـا وأسـيرهـا
إذا كـان يوم ذو سـمـوم أســيره وتقصر من دون السموم ستـورهـا
وقد زعمت ليلـى بـأنـي فـاجـر لنفسي تقاها أو عليها فـجـورهـا
فقل لعقـيل مـا حـديث عـصـابة تكنفها الأعـداء نـاء نـصـيرهـا
فإن لا تناهوا يركب اللهو نـحـوهـا وخفت برجل أو جنـاح يطـيرهـا
لعلك يا قـيسـاً تـرى فـي مـريرة معذب لـيلـى إن رآنـي أزورهـا
وأدماء من حر الهـجـان كـأنـهـا مهاة صوار غير ما مس كـورهـا
من الناعبات المشي نعبـاً كـأنـمـا نياط بجـذع مـن أراك جـريرهـا
من العركانـيات حـرف كـأنـهـا مريرة كيد شـد شـداً مـغـيرهـا
قطعت بها مومـاة أرض مـخـوفة مخوف رداها حين يستن مـورهـا
ترى ضعفاء القوم فيها كـأنـهـم دعاميص ماء نش عنها غديرها
وقسورة الليل التي بين نـصـفـه وبين العشا قد ريب منها أسيرها
أبت كثرة الأعداء أن يتجـنـبـوا كلابي حتى يستشار عقـورهـا
وما يشتكي جهلي ولكن غـرتـي تراها بأعدائي لبيثاً طـرورهـا
أمخترمي ريب المنون ولـم أزر جواري من همدان بيضاً نحورها
تنوء بإعجـاز ثـقـال وأسـواق خدال وإقدام لطاف خصورهـا
أظن بها خـيراً وأعـلـم أنـهـا ستنفك يوماً أو يفـك أسـيرهـا
أرى اليوم يأتي دون ليلى كأنـمـا أتت حجة من دونها وشهورهـا
علي دماء البدن إن كان بعـلـهـا يرى لي ذنباً غير إني أزورهـا
وأني إذا ما زرتها قلت يا اسلمـي ويا بأبي قولي اسلمي ما يضيرها
قيل: وكان توبة إذا أتى ليلى الأخيلية خرجت إليه في برقع فلما شهر أمره شكوه إلى السلطان فأباحهم دمه إن أتاهم, فكمنوا له في الموضع الذي كان يلتقاها فيه, فلما علمت به خرجت سافرة حتى جلست في طريقه فلما رآها سافرة فطن لما أرادت, وعلم أنه قد رصد وأنها أسفرت لذلك تحذره, فركض فرسه, فنجا وذلك قوله: وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت -البيت المتقدم ضمن القصيدة- وقيل أيضاً: إنه كان يكثر زيارتها, فعاتبه أخوها وقومها, فلم يعتب, وشكوه إلى قومه فلم يقلع. فتظلموا منه على السلطان فأهدر دمه إن أتاهم, وعلمت ليلى بذلك وجاءها زوجها -وكان غيوراً- فحلف لئن لم تعلمه بمجيئه ليقتلنها, ولئن أنذرته بذلك ليقتلنها. قالت ليلى: وكنت أعرف الوجه الذي يجيئني منه فرصدوه بموضع ورصدته بآخر, فلما أقبل لم أقدر على كلامه لليمين فسفرت وألقيت البرقع عن رأسي, فلما رأى ذلك أنكره فركب راحلته ومضى, ففاتهم.
وخرج يوماً شخص من بني كلاب, ثم من بني الصحمة يبتغي إبلاً له حتى أوحش وأرمل, ثم أمسى بأرض فنظر إلى بيت براز فأقبل حتى نزل حيث ينزل الضيف فأبصر امرأة وصبياناً يدورون بالخباء, فلم يكلمه أحد, فلما كان بعد هدأة من الليل سمع جرجرة إبل رائحة وسمع فيها صوت رجل حتى جاء بها فأناخها على البيت ثم تقدم فسمع الرجل يناجي المرأة ويقول: ما هذا السواد حذاءك. قالت: راكب أناخ بنا حين غابت الشمس ولم أكلمه.
فقال لها: كذبت ما هو إلا بعض خلانك. ونهض يضربها وهي تناشده. قال الرجل: فسمعته يقول: والله لا أترك ضربك حتى يأتي ضيفك هذا فيغيثك. فلما عيل صبرها قالت: يا صاحب البعير, يا رجل وأخذ الصحمي هراوته ثم أقبل يحضر حتى أتاها وهو يضربها فضربه ثلاث ضربات أو أربعاً, ثم أدركته المرأة فقالت: يا عبد الله ما لك, ولنا نح عنا نفسك.
فانصرف فجلس على راحلته وأدلج ليلته, كلها وقد ظن أنه قتل الرجل وهو لا يدري من الحي بعد حتى أصبح في أخبية من الناس, ورأى غنماً فيها أمة مولدة فسألها عن أشياء حتى بلغ بها الذكر فقال: أخبريني عن أناس وجدتهم بشعب كذا وكذا.
فضحكت وقالت: إنك تسألني عن شيء وأنت به عالم. فقال: وما ذاك لله بلادك فو الله ما أنا به عالم. قالت: ذاك ليلى الأخيلية وهي أحسن الناس وجهاً وزوجها رجل غيور فهو يعزب بها عن الناس فلا يحل بها معهم والله ما يقربها أحد ولا يضيفها فكيف نزلت أنت بها قال: إنما مررت فنظرت إلى الخباء ولم أقربه وكتمها الأمر وتحدث الناس عن رجل نزل بها فضربها زوجها فضربه الرجل ولم يدر من هو, فلما أخبر باسم المرأة وأقر على نفسه تغنى بشعر دل فيه على نفسه فقال:
ألا يا ليلى أخت بني عـقـيل أنا الصحمي إن لم تعرفيني
دعتني دعوة فجزعت عنهـا بصكات رفعت بها يمينـي
فإن تك غيرة أبريك منـهـا وإن تك قد جننت فذا جنوني
وكان الحجاج يقول لليلى الأخيلية: إن شبابك قد ذهب واضمحل أمرك وأمر توبة فأقسم عليك ألا صدقتني هل كانت بينكما ريبة قط؟ أو خاطبك في ذلك قط فقالت: لا والله أيها الأمير إلا أنه قال لي ليلة وقد خلونا كلمة ظننت أنه قد خضع فيها لبعض الأمر فقلت له:
وذي حاجة قلنا له لا تبح بهـا فليس إليها ما حييت سبـيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه وأنت لأخرى صاحب وخليل
فلا والله ما سمعت منه ريبة بعدها حتى فرق بيننا الموت قال لها الحجاج فما كان منه بعد ذلك قالت: وجه صاحباً له إلى حضرنا. فقال: إذا أتيت الحاضر من بني عبادة بن عقيل فاعل شرفاً ثم اهتف بهذا البيت:
عفا الله عنها هل أبـيتـن لـيلة من الدهر لا يسرى إلي خيالها
فلما فعل الرجل ذلك عرفت المعنى فقلت له:
وعنه عفا ربي وأحسن حفظه عزيز علينا حاجة لا ينالهـا
ولم يزل على ذلك حتى فرق بينهما الموت ومات توبة في بعض الغزوات قتله بنو عوف بن عقيل في خبر يطول شرحه. وكان ذلك سنة 85 هجرية و695 مسيحية, فلما بلغ خبر قتله ليلى الأخيلية رثته بمراث كثيرة منها:
نظرت وركـن مـن دنـانـين دونـه مفاوز حوضي أي نظـرة نـاظـر
لآنس إن لم يقصر الطرف عـنـهـم فلم تقصر الأخبار والطرف قاصري
فوارس أجلى شأوهـا عـن عـقـيرة لعاقرها فـيهـا عـقـيرة عـاقـر
فآنست خـيلاً بـالـرقـي مـغـيرة سوابقها مثل القطـا الـمـتـواتـر
قتيل بـنـي عـوف ويثـبـر دونـه قتيل بني عوف قـتـيل لـجـابـر
توارده أسـيافـهـم فـكـأنـمـــا تصادرن عن اقطاع أبـيض بـاتـر
من الهند وانيات فـي كـل قـطـعة دم زل عن أثر من السيف ظـاهـر
أتته المـنـايا دون زغـف حـصـينة وأسمر خطى وخوصـاء ضـامـر
على كل جرداء الـسـراة وسـابـح لهن بـشـبـاك الـحـديد وزافـر
عوابس تعد والثـعـلـبـية ضـمـراً وهن شواج بالشكـيم الـسـواجـر
فلا يبـعـدنـك الـلـه تـوبة إنـمـا لقاء المنايا دارعاً مـثـل حـاسـر
فإن لا تك القتـلـى بـواء فـإنـكـم ستلقون يومـاً ورده غـير صـادر
وإن السلـيل إذ يبـاري قـتـيلـكـم كمرجومة من عركها غير طـاهـر
فإن تكن القـتـلـى بـواء فـإنـكـم فتى ما قتلتم آل عوف بـن عـامـر
فتى لا تخـطـاه الـرفـاق ولا يرى لقـدر عـيالاً دون جـار مـجـاور
ولا تأخذ الكوم الـجـلاد رمـاحـهـا لتوبة في نحس الشتا الـصـنـابـر
إذا مـا رأتـه قـائمـاً بـسـلاحـه اتقته الخفاف بالثقـال الـبـهـازر
قرى سيفه منهن شـاسـا وضـيفـه سنام البهاديس البساط الـمـشـافـر
وتـوبة أحـي مـن فـتـاة حــيية وأجرأ مـن لـيث يخـفـان خـادر
ونعم فتى الدنـيا وإن كـان فـاجـراً وفوق الفتى إن كان ليس بـفـاجـر
فتى ينهل الحـاجـات ثـم يعـلـهـا فيطلعها عنه ثـنـايا الـمـصـادر
كأن فتى الـفـتـيان تـوبة لـم ينـخ قلائص يفحصن الحصى بالكراكـر
ولكم يبـن إيراد إعـتـاقـاً لـفـتـية كرام ويرحل قبلهم في الـهـواجـر
ولم يتجل الصبـح عـنـه وبـطـنـه لطيف كطي السب لـيس بـحـاذر
فتى كان للمـولـى سـنـاء ورفـعة وللطارق الساري قرى غـير ياسـر
ولم يدع يوماً للـحـفـاظ ولـلـعـدا وللحرب ترمي نارها بـالـشـرائر
وللبازل الكومـاء يرغـو خـوارهـا وللخيل تعدو بالكماة الـمـسـاعـر
كأن لم تكن تقطع فـلاة ولـم تـنـخ قلاص لذي بأومن الأرض غـابـر
ويصبح بمومـاة كـأن صـريفـهـا صريف خطاطيف المدى في المحافر
طوت نفعها عـنـا كـلاب وأثـرت بنا أجهلوها بـين غـلـو وشـاعـر
وقد كان حقاً أن تـقـول سـراتـهـم لما لأخينا عـائشـاً غـير عـاثـر
ودوية قفـر يحـاربـهـا الـقـطـا تخطيتها بالناعجـات الـضـوامـر
فتالله تبـنـي بـيتـهـا أم عـاصـم على مثله إحدى الليالي الـغـوابـر
فليس شهاب الحرب تـوبة بـعـدهـا بغاز ولا غاد بـركـب مـمـاقـر
وقد كـان طـلاع الـنـجـاد وبـين اللسان ومدلاج السرى غير فـاتـر
وقد كان قبل الحادثـات إذا انـتـحـى وسائق أو مـغـبـوطة لـم يغـادر
وكنـت إذا مـولاك خـاف ظـلامة دعاك ولم يعدل سـواك بـنـاصـر
فإن يك عبد الـلـه آسـى ابـن أمـه وآب بأسلاب الكمـي الـمـغـاور
فكان كذات البـو تـضـرب عـنـده سباعاً وقد ألقيته فـي الـحـواجـر
فإن تك قـد فـارقـتـه لـك غـادرا وأنى لحي غدر من في المـقـابـر
فأقسمت أبكي بعـد تـوبة هـالـكـاً وأحفل من نالت صروف المـقـادر
على مثل هـمـام ولابـن مـطـرف لتبكي البواكي أو لبشر بن عـامـر
غلامان كان اسـتـوردا كـل سـورة من المجد ثم استوثقا في المـصـادر
ربيعي حياً كانا يفيض نداهمـا على كل مغمور تراه وغامر
كأن سنا باريهما كـل شـتـوة سنا البرق يبدو للعيون النواظر
وقالت ترثيه أيضاً:
أيا عين بكي توبة بـن الـحـمـير بسح كفيض الجدول المتـفـجـر
لتبك عليه مـن خـفـاجة نـسـوة بماء شؤن العبـرة الـمـتـحـدر
سمعت بهيجاً أرهقـت فـذكـرنـه ولا يبعث الأحزان مثل التـذكـر
كأن فتى الفتـيان تـوبة لـم يسـر بنجد ولم يطلع من الـمـتـغـور
ولـم يرد الـمـاء الـدام إذا بــدا سنا الصبح في بادي الحواشي منور
ولم يغلب الخصم الضحاح ويملأ ال جفان سديفاً يوم نكباء صـرصـر
ولم يعل بالجرد الـجـياد يقـودهـا بسبرة بين الأشمسـات قـياصـر
وصحراء موماة يحاربها الـقـطـا قطعت على هول الجنان بمنسـر
يقودون قباً كالسـراحـين لاحـهـا سراهم وسيراً لراكب المتهـجـر
فلما بدت أرض العدو سـقـيتـهـا مجاج بقيات المزاد الـمـقـبـر
ولما أهابوا بالنـهـاب حـويتـهـا بخاطي البضيع كرة غير أعسـر
يمر كـكـر الأنـدري مـثـابـر إذا ما ونين مهلب الشد محـضـر
فألوت عـنـاق طـوال وراعـهـا صلاصل بيض سابـغ وسـنـور
ألم تر أن الـعـبـد يقـتـل ربـه فيظهر جد العبد من غير مظهـر
قتلتم فتى لا يسقط الروع رمـحـه إذا الخيل جالت في قنا متكـسـر
فيا توب للهيجا ويا تـوب لـلـنـدا ويا توب للمستنـج الـمـتـنـور
ألا رب مكـروب أجـبـت ونـائل بذلت ومعروف لديك ومـنـكـر
وقالت ترثيه:
أقسمت ارثي بعد تـوبة هـالـكـا أحفل لمن دارت علـيه الـدوائر
لعمرك ما بالموت عار على الفتـى إذا لم تصبه في الحياة المـعـاير
وما أحد حي وإن عاش سـالـمـا بأخلد ممن غيبتـه الـمـقـابـر
ومن كان مما يحدث الدهر جازعـا بلا بد يوماً أن يرى وهو صابـر
وليس لذي عيش عن الموت مقصر وليس على الأيام والدهر غـابـر
ولا الحي مما يحدث الدهر معتـب ولا الميت إن لم يصبر الحي ناشر
وكل شباب أو جـديد إلـى بـلـى وكل امرئ يوماً إلى اللـه صـائر
وكل قـرينـى ألـفة لـتـفـرق شتاتاً وإن ضنا وطال التعـاشـر
فلا يبعدنـك الـلـه حـياً ومـيتـا أخا الحرب إن دارت عليك الدوائر
ويروى:
فلا يبعدنك الله يا تـوب هـالـكـا أخا الحرب إن دارت عليك الدوائر
فآليت لا أنفك أبـكـيك مـا دعـت على فنن ورقاء أو طـار طـائر
قتيل بني عوف فيا لـهـفـتـا لـه وما كنت إياهـم عـلـيه أحـاذر
ولكنما أخـشـى عـلـيه قـبـيلة لها بدروب الروم باد وحـاضـر
وقالت ترثيه:
كم هاتف بك من بـاك وبـاكـية يا توب للضيف إذ تدعى وللجار
وتوب للخصم إن جاروا وإن عندوا وبدلوا الأمر نقصاً بعد إمـرار
إن يصدروا الأمر تطلعه مـوارده أو يوردوا الأمر تحلله بإصـدار
وقالت ترثيه:
هراقت بنو عوف دماً غير واحد له نبأ نـجـد بـه سـيغـور
تداعت له أفناء عوف ولم يكـن له يوم هضب الرهدتين نصير
وقالت ترثيه:
يا عين بكي بدمع دائم الـسـجـم وابكي لتوبة عند الروع واليهـم
على فتى من بني سعد فجعت به ماذا أجن به في الحفرة الرجـم
من كل صافية صرف وقـافـية مثل السنان وأمر غير مقتسـم
ومصدر حين يعي القوم مصدرهم وجفنة عند نحس الكوكب الشئم
وقالت لقابض وتعذي عبد الله أخا توبة:
دعا قابضاً والموت يخفق ظله وما قابض إذا لم يجب بنجيب
وآسى عبيد الله ثم ابـن أمـه ولو شاء نجى يوم ذاك حبيبي
وسأل معاوية بن أبي سفيان يوماً ليلى الأخيلية عن توبة بن الحمير فقال: ويحك يا ليلى أكما يقول الناس كان توبة؟ قالت: يا أمير المؤمنين, ليس كل ما يقول الناس حقاً, والناس شجرة بغي يحسدون أهل النعم حيث كانت وعلى من كانت, ولقد كان يا أمير المؤمنين سبط البنان حديد اللسان شجا للأقران, كريم المختبر, عفيف المئزر, جميل المنظر وهو يا أمير المؤمنين كما قلت له. قال: وما قلت له؟ قالت: قلت ولم أتعد الحق وعلمي فيه:
بعيد الثرى لا يبلغ القوم قـفـزه ألد ملد يغلب الحق بـاطـلـه
إذا حل ركب في ذاره وظـلـه ليمنعهم مما تخـاف نـوازلـه
حماهم بنصل السيف من كل فادح يخافون حتى تموت خصـائلـه
فقال لها معاوية: ويحك, يزعم الناس أنه كان عاهراً خارباً. فقالت من ساعتها ارتجالاً:
معاذ إلهي كـان والـلـه سـيداً جواداً على العلات جماً نوافلـه
أغر خفاجياً يرى البـخـل سـبة تحلب كفاه النـدى وأنـامـلـه
عفيفاً بعيد الهم صلبـاً قـنـاتـه جميلاً محياه قلـيلاً غـوائلـه
وقد علم الجوع الذي بات سـارياً على الضيف والجيران أنك قاتله
وأنك رحب الباع يا توب بالقـرى إذا ما لئيم القوم ضاقت منازلـه
يبيت قرير العين من بات جـاره ويضحى بخير ضيفة ومنازلـه
فقال لها معاوية: ويحك يا ليلى, لقد جزت بتوبة قدره. فقالت: والله يا أمير المؤمنين لو رأيته وخبرته لعرفت أني مقصرة في نعته وأني لا أبلغ كنه ما هو أهله. فقال لها معاوية: من أي الرجال: كان؟ فقالت:
أتته المنايا حين تـم تـمـامـه وأقصر عنه كل قرن يصاوله
وكان كليث الغاب يحمي عرينه وترضى به أشباله وحلائلـه
غضوب حليم حين يطلب حلمه وسم زعاف لا تصاب مقاتله
فأمر لها بجائزة عظيمة وقال لها: خبريني بأجود ما قلت فيه من الشعر. قالت: يا أمير المؤمنين ما قلت فيه شيئاً إلا والذي فيه من خصال الخير أكثر منه ولقد أجدت حين قلت:
جزى الله خـيراً والـجـزاء بـكـفـه فتى من عقيل ساد غـير مـكـلـف
فتى كانت الدنـيا تـهـون بـأسـرهـا عليه ولا ينـفـك جـم الـتـصـرف
ينال الذوب بل أسدي الخـلايا شـبـيهة بدرياقة من خمر بـيسـان قـرقـف
فيا توب ما في العـيش خـير ولا نـدى يعد وقد أمسيت في تـرب نـفـنـف
وما نلت منك النصف حتى ارتمت بك ال منايا بسهم صائب الـوقـع أعـجـف
فيا ألف إلف كنـت حـياً مـسـلـمـاً لا لقاك مثل القسور الـمـتـطـرف
كما كنت إذ كنت المرجى مـن الـردى إذا الخيل جالت بالقنا المـتـقـصـف
وكم من لهيف محجـر قـد أجـبـتـه بأبيض قطاع الـضـريبة مـرهـف
فأنقـذتـه والـمـوت يحـرق نـابـه عليه ولم يطـعـن ولـم يتـنـسـف
قيل: وكان الحجاج جالساً إذ استؤذن لليلى فقال الحجاج: وأي ليلى؟ قيل: الأخيلية. قال: أدخلوها. فدخلت امرأة طويلة, دعجاء العينين, حسنة المشية, فسلمت. فرد الحجاج عليها ورحب بها وأمر الغلام فوضع لها وسادة فجلست فقال: ما أقدمك. قالت: السلام على الأمير والقضاء لحقه والتعرض لمعروفه. قال: وكيف خلفت قومك؟ قالت: تركتهم في حال خصب وأمن ودعة. أما الخصب ففي الأموال وأما الأمن فقد أمنهم الله عز وجل بك, وأما الدعة فقد خامرهم من خوفك ما أصلح بينهم. ثم قالت: ألا أنشدك؟ قال: إن شئت. فقالت:
أحجاج لا يفلل سلاحك إنمـا ال منايا بكف الله حيث تـراهـا
إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة تتبع أقصى دائها فشـفـاهـا
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذ هز القناة سـقـاهـا
سقاها دماء المارقين وعلـهـا إذا جمحت يوماً وخيف أذاهـا
إذا سمع الحجاج صوت كتـيبة أعد لها قبل النزول قـراهـا
أعد لها مصـقـولة فـارسـية بأيدي رجال يحسنون غذاهـا
أحجاج لا تعطي العصاة مناهـم ولا الله يعطي للعصاة مناهـا
ولا كل حلاف تـقـلـد بـيعة فأعظم عهد الله ثم شـراهـا
فقال الحجاج ليحيى بن منقذ لله بلادها: ما أشعرها. ثم أقبل على جلسائه فقال لهم: أتدرون من هذه. قالوا: لا والله ما رأينا امرأة أفصح ولا أبلغ منها, ولا أحسن إنشاداً. قال: هذه ليلى صاحبة توبة, ثم قال لها: أي النساء تختارين أن تنزلي عندها؟ قالت: سمهن لي. فسماهن, فاختارت هند بنت أسماء, فدخلت عليها فصبت هند حليها عليها حتى أثقلتها لاختيارها إياها ودخولها عليها دون سواها, ولما كان الصباح قال الحجاج لعبيد بن موهب -حاجبه-: مر لها بخمسمائة درهم واكسها خمسة أثواب أحدها خز, ثم قالت: أصلح الله الأمير قد أضر بنا العريف في الصدقة, وقد خربت بلادنا وانكسرت قلوبنا فأخذ خيار المال فقال الحجاج: اكتبوا إلى صاحب اليمامة بعزل العريف الذي شكته.
وقيل: إن ليلى لما دخلت على الحجاج فلما قالت: (غلام إذا هز القناة سقاها) قال لها: لا تقولي غلام وقولي همام, فأمر لها بمائتين فقالت: زدني. فقال: اجعلوها ثلثمائة. فقال بعض جلسائه: إنها غنم. قالت الأمير أكرم من ذلك, وأعظم قدراً من أن يأمر لي إلا بالإبل. قال: فاستح وأمر لها بثلثمائة بعير وإنما كان أمر لها بغنم لا إبل.
وبينما الحجاج بن يوسف جالس يوماً دخل عليه الآذن فقال: أصلح الله الأمير بالباب امرأة تهدر كما يهدر البعير. قال: أدخلها فلما دخلت استنسبها فانتسبت له فقال: ما أتى بك يا ليلى؟ قالت: إخلاف النجوم وكلب البرد, وشدة الجهد, وكنت لنا بعد الله المرد. قال: فأخبريني عن الأرض. قال: الأرض مقشعرة, والفجاج مغبرة, وذو الغنى مختل, وذو الحد منفل. قال: وما سبب ذلك؟ قالت: أصابتنا سنون مجحفة مظلمة لم تدع لنا فصيلاً ولا ربعاً, ولم تبق عافطة ولا نافطة, فقد أهلكت الرجال ومزقت العيال, وأفسدت الأموال ثم أنشدته الأبيات التي ذكرناها متقدماً. وقال في الخبر, قال الحجاج: هذه التي يقال فيها:
نحن الأخايل لا يزال غلامـنـا حتى يدب على العصا مشهوراً
تبكي الرماح إذا فقدن أكفـنـا جزعاً وتعرفنا الرفاق بحـوراً
ثم قال لها: يا ليلى, أنشدينا بعض شعرك في توبة, فأنشدته قولها: لعمرك بالموت عار على الفتى -القصيدة- فقال: الحجاج لحاجبه: اذهب فاقطع لسانه. فدعا لها بالحجام ليقطع لسانها فقالت: ويلك إنما قال لك الأمير: اقطع لسانها بالصلة والعطاء, فارجع إليه واستأذنه, فرجع إليه فاستأمره فاستشاط عليه وهم بقطع لسانه, ثم أمر بها فدخلت عليه فقالت: كاد وعهد الله يقطع مقولي وأنشدته:
حجاج أنت الذي لا فـوقـه أحـد إلا الخليفة والمستغفر الصـمـد
حجاج أنت سنان الحرب إن بهجت وأنت للناس في الداجي لنا نقـد
ودخل عبد الملك بن مروان على زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فرأى عندها امرأة بدوية أنكرها فقال لها: من أنت؟ قالت له: أنا الوالهة الحري ليلة الأخيلية. قال: أنت التي تقولين:
أريقت جفان ابن الخليع فأصـبـحـت حياض الندى زلت بهن الـمـراتـب
فلهى وعفى بطـن قـودي وحـولـه كما انقض عرش البئر والورد عاصب
قالت: أنا التي أقول ذلك. قال: فما أبقيت لنا. قالت: الذي أبقاه الله لك. قال: وما ذاك؟ قالت: نسباً قرشياً وعيشاً رخياً وامرأةً مطاعةً قال: أفردته بالكرم. قالت: أفردته بما أفرده الله به.
قالت عاتكة: إنما جاءت تستعين بنا عليك في عين تسقيها وتحميها لها, ولست ليزيد إن شفعتها في شتى من حاجاتها لتقديمها أعرابياً جلفاً على أمير المؤمنين فوثبت ليلى على رجلها واندفعت تقول:
ستحملني ورحلـي ذات رحـل عليهـا بـنـت آبـاء كـرام
إذا جعلت سواد الشـام جـيشـاً وغلق دونهـا بـاب الـلـئام
فلـيس بـعـائد أبـداً إلـيهـم ذوو الحاجات في غلس الظلام
أعاتك لـو رأيت غـداة بـنـا عزاء النفس عنكم واعتزامي
إذا لعلمت واستـيقـنـت أنـي مشيعة ولم ترعى ذمـامـي
أأجعل مثـل تـوبة فـي نـداه أبا الذبان فوه الدهـر دامـي
معاذ الله ما عسفت بـرحـلـي تغد السير للبلد الـتـهـامـي
أقلت خليفة فسـواه أحـجـى بامرته وأولـى بـالـلـثـام
لثام الملك حين تـعـد بـكـر ذوو الأخطار والخطى الحسام
فقيل لها: أي الكعبين عنيت؟ قالت: ما إخال كعباً ككعبي.
وقيل : إن ليلى الأخيلية دخلت على عبد الملك بن مروان وقد أسنت وعجزت فقال لها: ما أرى توبة فيك حين هويك؟ قالت: ما رآه الناس فيك حين ولوك. فضحك عبد اللمك حتى بدت له سن سوداء كان يخفيها. وكانت دخلت على مروان بن الحكم يوماً فقال لها: ويحك يا ليلى بالغت في نعت توبة! فقالت: أصلح الله الأمير والله ما قلت إلا حقاً, ولقد قصرت وما رأيت رجلاً قط كان أربط منه على الموت جأشاً, ولا أقل إيحاشاً يحتدم حين يرى الحرب ويحمى الوطيس بالضرب, فكان وعهد الله كما قلت:
فتى لم يزل يزداد خيراً لـمـذنـب على أن علاه الشيب فوق المسائح
تراه إذا ما المـوت حـل بـورده ضروباً على أقرانه بالصـفـائح
شجاع لدى الهيجاء بيت مـشـابـح إذا انحار عن أقرانه كـل سـائح
فعاش حميداً لا ذميماً فعـالـه وصولاً لقرباه يرى غير كالح
فقال لها مروان: كيف يكون توبة على ما تقولين وقد كان خارباً والخارب سارق الإبل خاصة فقالت: والله ما كان خارباً, ولا للموت هائباً, ولكنه فتى له جاهلية ولو طال عمره وأنسأه لا رعوى قلبه ولقضى في حب الله نحبه وأقصر عن لهوه ولكنه كما قال عمه مسلم بن الوليد:
فلله قـوم غـادروا ابـن حـمـير قتيلاً صريعاً للسيوف الـبـواتـر
لقد غادروا جزماً وعـزمـاً ونـائلاً وصبراً على اليوم العبوس القماطر
إذا هاب ورد الموت كل غضنـفـر عظيم الحوايا ليته غير حـاضـر
مضى قدماً حتى تـلاقـي بـورده وجاد بسيب في السنين القـواشـر
فقال لها مروان: يا ليلى, أعوذ بالله من درك الشقاء, وسوء القضاء, وشماتة الأعداء. فو الله لقد مات توبة وإن كان لمن فتيان العرب وأشدائهم ولكنه أدركه الشقاء. فهلك على أحوال الجاهلية. وكان بينها وبين الجعدي مهاجاة وذلك أن رجلاً من قشير يقال له: ابن الحيا وهي أمه واسمه سوار بن أوفى بن سبرة هجاه وسب أخواله من أزد في أمر كان بين قشير وبين بني جعده وهم بأصبهان فأجابه النابغة بقصيدته التي يقال لها الفاضحة (سميت بذلك لأنه ذكر فيها مساوئ قشير وعقيل وكل ما كانوا يسبون به وفخر بمآثر قومه وبما كان من بطون بني عامر سوى هذين الحيين من قشير وعقيل) فقال:
جهلت علي ابن الحيا وظلمتني وجمعت قولاً جاء بيتاً مضللا
وقال أيضاً في هذه القصة التي أولها:
أما ترى ظلل الأيام قد حسرت عني وشمرت ذيلاً كان ذيالا
وهي طويلة يقول فيها:
ويوم مكة إذا ما جـدتـم نـفـرا جاموا على عقد الأحساب أزوالا
عند النجاشي إذ تعطـون أيديكـم مقرنين ولا تـرجـون إرسـالا
إذ تستحقون عند الخذل أن لـكـم من آل جعدة أعمامـاً وأخـوالا
لو تستطيعون أن تلقوا جلـودكـم وتجعلوا جلد عبد الله سـربـالا
يعني عبد الله بن جعدة بن كعب:
إذا تسربلتـم فـيه لـينـجـيكـم مما تقول ابن ذي الجدين إن قالا
حتى وهبتم لعبد الله صـاحـبـه والقول فيكم بإذن الله مـا قـالا
تلك المكارم لا قعبان من لـبـن شيباً بماء فعادا بـعـد أبـوالا
يعني بهذا البيت أن ابن الحيا فخر عليه بأنهم سقوا رجلاً من جعدة أدركوه في سفر وقد جهد عطشاً لبناً وماء فعاش فلما ذكر النابغة ذلك وفخر بما له وغض مما لهم دخلت ليلى الأخيلية بينهما فقالت:
وما كنت لو فارقت جل عشيرة لأذكر قعبي خازر قد تثمـلا
فلما بلغ النابغة قولها قال:
ألا حييا ليلى وقولا لـهـا هـلا فقد ركبت أمراً أغر محـجـلا
وقد أكلت بقلاً وخيمـاً نـبـاتـه وقد شربت من آخر الصيف إبلا
دعي عنك تهجاء الرجال وأقبلـي على أدلعي يملأ إستك فـيشـلا
وكيف أهاجي شاعرً رمحه إسته خضيب البنان لا يزال مكحـلا
فردت عليه ليلى فقالت:
أنابغ لم تنبـغ ولـم تـك أولاً وكنت صنياً بين صدين مجهلا
أنابغ إن تنبغ بلؤمك لا تـجـد للؤمك إلا وسط جعدة مجعلا
تعيرني داء بـأمـك مـثـلـه وأي نجيب لا يقال لـه هـلا
فغلبته فلما أتى بني جعدة قولها هذا اجتمع ناس منهم فقالوا: والله لنأتين صاحب المدينة وأمير المؤمنين فليأخذن لنا بحقنا من هذه الخبيثة فإنها قد شتمت أعراضنا وافترت علينا فتهيؤا لذلك وبلغها أنهم يريدون أن يتسعدوا عليها فقالت:
أتاني من الأنبـاء أن عـشـيرة بشوران يزجون المطي المذللا
يروح ويغدو وفدهم بصـحـيفة ليستجلدوا لي ساء ذلك معملا
وأخبر بعض الرواة قال: بينما معاوية يسير يوماً إذ رأى راكباً فقال لبعض شرطه: ائتني به وإياك أن تروعه. فأتاه, فقال: أجب أمير المؤمنين. فقال: إياه أردت. فلما دنا الراكب حدر لثامه فإذا هي ليلى الأخيلية, ثم أنشأت تقول:
معاوي لم أكد آتيك تـهـوي برحلي رادة الأصلاب ناب
قريح الظهر يفرح أن يراها إذا وضعت وليتها الغراب
تجوب الأرض نحوك ما تأنى إذا ما الأكم قنعها السراب
فقال: ما حاجتك؟ فقالت: ليس لمثلي أن يطلب إلى مثلك حاجة فأعطاها خمسين من الأبل ثم قال: أخبريني عن مضر فقالت: فاخر بمضر, وحارب بقيس, وكاثر بتميم, وناظر بأسد. ومن جيد أشعارها ما مدحت به آل مطرف قولها:
يا أيها السدم الـمـلـوي رأسـه ليقود من أهل الحجاز بـريمـا
أتريد عمر وبن الخلـيع ودونـه كعب إذا لوجـدتـه مـرؤمـا
إن الخليع ورهطه في عـامـر كالقلب ألبس جؤجؤاً وحزيمـا
لا تغزون الدهـر آل مـطـرف وأسنة رزق تخال نـجـومـا
قوم رباط الخيل وسط بيوتـهـم وأسنة زرق تخال نـجـزمـا
ومخرق عنه القميص تـخـالـه وسط البيوت من الحياء سقيمـا
حتى إذا رفـع الـلـواء رأيتـه تحت اللواء على الخميس زعيما
وذكر الأصمعي: أن ليلى حينما كانت عند الحجاج أمر لها بعشر آلاف درهم وقال لها: هل لك من حاجة؟ قالت: نعم أصلح الله الأمير تحملني إلى ابن عمي قتيبة بن مسلم. وهو على خراسان يومئذٍ فحملها إليه فأجازها وأقبلت راجعة تريد البادية فلما كانت بالري ماتت, فقبرت هناك. هكذا ذكر الأصمعي.
وقيل: إنها حينما كانت عند الحجاج فقال لها: هل لك من حاجة؟ قالت: نعم, تدفع إلى النابغة أحكم فيه بما أرى. فلما سمع النابغة بذلك هرب إلى الشأم فتبعته, ثم استأذنت عبد الملك فيه فأذن لها ولم تزل في طلبه حتى توفيت بقومس بلدة من أعمال بغداد على جانب الفرات. وقيل: بحلوان والمدى بينهما قريب.
وفي رواية أخرى أن ليلى الأخيلية أقبلت من سفرة فمرت بقبر توبة ومعها زوجها وهي في هودج لها فقالت: والله لا أبرح حتى أسلم على توبة فجعل زوجها يمنعها من ذلك وتأبى إلا أن تلم به, فلما كثر ذلك منها تركها فصعدت أكمة عليها توبة فقالت: السلام عليك يا توبة, ثم حولت وجهها على القوم فقالت: ما عرفت له كذباً قط قبل هذا قالوا: كيف؟ قالت: أليس القائل:
ولو أن ليلى الأخيلـية سـلـمـت علي ودوني تـربة وصـفـائح
لسلمت تسليم البـشـاشة أو زقـى إليها صدى من جانب القبر صائح
وأغبط من ليلى بـمـا لا أنـالـه ألا كل ما قرت به العين صالـح
فما باله لم يسلم علي كما قال: وكانت إلى جانب القبر بومة كامنة, فلما رأت الهودج واضطرابه فزعت وطارت في وجه الجمل فنفر, فرمى ليلى على رأسها فماتت من وقتها ودفنت إلى جانبه وهذا هو الصحيح من خبر وفاتها.

ماذا تعرف عن الملك فاروق و مصر فى عهد الملك فاروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *