كتاب الدر المنثور فى طبقات ربات الخدور قصص اشهر نساء العالم على مدى التاريخ حرفى الواو و الياء

حرف الواو
وجيهة بنت أوس الضبية
كانت من النساء المشهورات بالأدب الموصوفات بحفظ أشعار العرب، ذات جمال بارع ومنطق عذب تهوى إلهيا الأفئدة والقلوب ولها الطولى في نظم الغزل والنسيب فمن ذلك قولها:
وعاذلة تغدو عـلـي تـلـومـنـي على الشوق لم تمح الصبابة من قلبي
فما لي إن أحببت أرض عشـيرتـي وأبغضت طرفاء القصية من ذنـب
فلو أن ريحاً بلغت وهـي مـرسـل حفي لنا خبت الجنوب على النقـب
فإني إذا هبت شـمـالاً سـألـتـهـا هل ازداد صداح النميرة من قـرب
وهيبة بنت عبد العزى بن عبد قيس
كانت من شاعرات العرب اللاتي لهن علم بالأدب، وكانت متزوجة بشخص من قومها يسمى زيد بن مية، وكان جاراً للزبرقان بن بدر فشد عليه رجل يقال له هزال بن بني عوف بن كعب بن سعد بن عبد مناة فقتله بجوار الزبرقان فقالت امرأته ترثيه وتوبخ الزبرقان على تركه ثأره:
متى ترد وأعكاظ توافقوهـا بأسماع مجادعها قـصـار
أجيران ابن مية خبـرونـي أعين لابن مية أو ضمـار
تجلل خزيها عوف بن كعب فليس لخلعها منه اعتـذار
فإنكم وما تخفـون مـنـهـا كذات الشيب ليس لها خمار
فلما سمع الزبرقان ذلك الشعر منها حلف ليقتلنه وبعد ذلك سعت العرب بينهما صلحاً فاصطلحا، وفدى ابن مية بمال وتزوج هزال بخليدة أخت البزرقان وانصرف الأمر.
ولادة بنت المستكفي بالله
ولادة بنت المستكفي الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الناصر ليدن الله الاموي. كانت واحدة زمانها المشار إليها في أوانها، حسنة المحاورة، مشكورة المذاكرة، مشهورة الصيانة والعفاف. أديبة شاعرة جزلة القول حسنة الشعر، وكانت تناضل الشعراء وتجادل الأدباء، وتفوق البرعاء، وعمرت عمراً طويلاً، ولم تتزوج قط.
وكانت نهاية في الأدب والظرف حضور شاهد، وحرارة آبد، وحكم منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر. وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها معلباً لجياد النظم والنثر، ويعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها، ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها، وعلى سهولة حجابها، وكثرة منتابها، تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم أنساب وطهارة أثواب على أ،ها أوجدت للقول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهرتها بلذاتها.
وقيل: إنها بالغرب كعلية ابنة المهدي العباسي بالشرق إلا أن ولادة تزيد بمزية الحسن الفائق وأما الأدب والشعر والنوادر وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها، وكان لها صنعة في الغناء ولها نوادر كثيرة مع الأدباء والشعراء.
ومن أخبارها مع أبي الوليد بن زيدون -كما قاله الفتح بن خاقان في “القلائد”-: أن ابن زيدون كان يكلف بولادة ويهيم ويستضيء بنور محياها في الليل البهيم. وكانت من الأدب والظرف وتتميم السمع والطرف بحيث تختلس القلوب والألباب، وتعيد الشيب إلى أخلاق الشباب.
فلما حل بذلك الضرب وانحل عقدة صبره بيد الكرب فر إلى الزهراء ليتوارى في نواحيها، ويتسلى برؤية موافيها، فوافاها والربيع قد خلع عليها برده، ونشر سوسنه وورده وأترع جداولها، وأنطق بلابلها، فارتاح ارتياح حميد لوادي القرى، وزاح من روضتها يانع وريحة طيبة الثرى، فتشوق إلى لقاء ولادة وحن، وخاف تلك النوائب والمحن، فكتب إليها يصف فرط قلقه وضيق أمده إليها وطلقه، ويعلمها أنه ما سلا عنها بخمر ولا خبا ما في ضلوعه من ملتهب الجمر، ويعاتبها على إغفال تعهده، ويصف حسن محضره بها ومشهده:
إني ذكرتك بالزهـراء مـشـتـاقـاً والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
وللنسـيم اعـتـلال فـي أصـائلـه كأنما رق لي فاعـتـل إشـفـاقـا
والروض عن مائي الفضي مبتـسـم كما حللت عن اللـبـات أطـواقـا
يوم كأيام لذات الهنـا انـصـرفـت بتنا لها حين نام الـدهـر سـراقـا
نلهو بما يستميل العـين مـن زهـر جال الندى فيه حتى مال أعـنـاقـا
كأنـه أعـين إذا عـاينـت أرقــى بكت لما بي فجال الدمع رقـراقـا
ورد تألق في ضاحـي مـنـابـتـه فازداد منه الضحى في العين إشراقا
سر بنـافـحة نـيلـوفـر عـبـق وسنان نبه منه الصـبـح أحـداقـا
كل يهيج لنـا ذكـرى تـسـوقـنـا إليك لم يعد عنها الصدر أن ضاقـا
لو كان في المنى في جمعنـا بـكـم لكان مـن أكـرم الأيام أخـلاقـا
لا سكن الله قلباً عـن تـذكـركـم فلم يطر بجناح الشوق خـفـاقـا
لو شاء حملي نسيم الريح حين هفـا وافاكم بفتى أضنـاه مـا لاقـى
يا علقي الأخطر الأسنى الحبيب إلى نفسي إذا ما اقتنى الأحباب أعلاقا
كان التجاري بمحض الود من زمن ميدان أنس جرينا فـيه أطـلاقـا
فالآن أحمد ما كنـا لـعـهـدكـم سلوتم وبقينا نـحـن عـشـاقـا
وكانت ولادة معجبة بنفسها مفتخرة على بنات جنسها حتى من زيادة إعجابها كتبت الذهب على الطراز الأيمن من عصابتها:
أنا والله أصلح للمعـالـي وأمشي مشيتي وأتيه تيها
وكتبت على الطراز الأيسر:
وأمكن عاشقي من صحن خدي وأعطى قبلتي من يشتهيهـا
وكانت قد طالت مدة مقابلتها مع لبن زيدون فهاج بها الشوق والغرام, وتضاعف عندها الوجد والهيام وذلك بعد ما دلت عليه إدلالها وتسربلت من التمنع أعظم سربالها فكتبت إليه قائلة:
ترقب إذا جن الـظـلام زيارتـي فإني رأيت الليل أكتم لـلـسـر
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسـر
فلما وصلت رقعتها إلى ابن زيدون أعلمها أنه لها بالانتظار, وفي فؤاده بتأجج لهيب نار ولا يطفئها إلا اللقاء وأعد لها مجلسا نضرا أوجد فيه من جميع الأزهار واللطائف, ومن كل فاكهة زوجين ولما آن الوقت المعين للحضور أقبلت ترفل بالدمقس وبالحرير كأنها من الحور العين فتقابلا وتصافحا ودار بينهما العتاب وقضيا مجلسهما يتعاطيان أكؤس الآداب إلى أن آن أوان الانصراف مالت غليه مودعة بانعطاف:
ودع الصبر محـب ودعـك ذائع من سره ما استودعك
يقرع السن علي أن لم يكـن زاد في تلك الخطا إذ شيعك
يا أخا البدر سنـاء وسـنـى حفظ الله زمانا أطلـعـك
إن يطل بعدك ليلي فـلـكـم بت أشكو قصر الليل معك
وانصرفت على أمل اللقاء ومكثت زمانا لم تحصل مقابلتهما لدواع سياسية أخرت لبن زيدون عن التمكن من الاجتماع به فكتبت إليه:
ألا هل لنا من بعد هذا الـتـفـرق سبيل فيشكو كل صب بما لـقـي
وقد كنت أوقات التزاور في الشتـا أبيت على جمر من الشوق محرق
فكيف وقد أمسيت في حال قطعـه لقد عجل المقدور ما كنت أتقـى
تمر الليالي لا أرى البين ينقـضـي ولا الصبر من رق التشوق معتقي
سقى الله أرضا قد غدت لك منـزلا بكل سكوب هاطل الوبل مغـدق
وكتبت بعد الشعر في أثناء الكتابة وكنت ربما حثثني على أن أنبهك على ما أجد فيه عليك نقدا وإني عليك قولك: سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا فإن ذا الرمة قد انتقد عليه قوله مع تقديم الدعاء بالسلامة:
ألا يا اسلمى يا درامي على البلي ولا زال منهلا بجرعائك القطر
إذ هو أشبه بالدعاء على المحبوب من الدعاء له وأما المستحسن فقول الآخر:
فسقى ديارك غير مفسدهـا صوب الربيع وديمة تهمي
فأجابها متشكرا لها على انتقادها وعلم أنها مصيبة بهذا الانتقاد وفي آخر رقعته قال:
لحى الله يوما فيه بمـلـتـقـي محياك من أجل النوى المتفرق
وكيف يطيب العيش دون مسرة وأي سرور للكئيب المـؤرق
وكانت لها جارية سوداء بديعة المعنى فظهر لولادة أن ابن زيدون مال إليها فكتبت إليه:
لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا لم تهو جاريتي ولن تـتـخـير
وتركت غصنا مثمرا بجمـالـه وجنحت للغصن الذي لم يثمـر
ولقد علمت بأنني بدر الـسـمـا لكن ولعت لشقوتي بالمشتـري
فخجل من ذلك وأرسل إليها يتنصل ويستسمحها فلم تسامحه, واستحكمت النفرة بينهما وكانت لقبته بالمسدس فقالت فيه مرة:
ولقبت المسدس وهو نعت تفارقك الحياة ولا يفارقك
فلوطـي ومـأبـون وزان وديوث وقرنان وسـارق
وقالت فيه أيضا:
إن ابن زيدون على فضله يغتابني ظلما ولا ذنب لي
يلحظني شزرا إذا جـئتـه كأنني جئت لأخصي علي
وكان ابن عبدوس الوزير يهواها وهي تأبى مسامرته ودائما تتهكم عليه ومن تهكماتها مرت يوما به, وهو جالس أمام داره وبجانبه بركة تتولد عن كثرة الأمطار وربما اتحدت بشيء من الأقذار, وقد نشر أبو عامر الوزير كميه ونظر في عطفيه وحشد أعوانه إليه فقالت له:
أنت الخصيب وهذه مصر فتدفقا فكلاكما بـحـر
فتركته لا يحير حرفا ولا يرد طرفا: وبسبب تعلق ابن عبدوس بولادة أرسل ابن زيدون إليه بالرسالة المشهورة -التي شرحها غير واحد من أدباء الشرق كالجمال بن نباتة والصفدي وغيرهما- وفيها من التلميحات والتحذيرات ما لا مزيد عليه, وأرسل ابن زيدون لابن عبدوس أيضا رسالة لاشتراكه معه في هواها يقول في آخرها:
أثرت هزبر الثـرى إذ ربـض ونبهته إذ هدا فاغـتـمـض
وما زلت تبسط مسـتـرسـلا إليه يد البغي لما انـقـبـض
وإن سكون الشجاع الـنـهـو ش ليس بمانعـه أن يعـض
عمدت لشعـري ولـم تـتـئد تعارض جوهره بالـعـرض
أضاقت أساليب هـذا الـقـري ض أم قد عفار سمه فانقرض
لعمري فوقت سهم النـضـال وأرسلته لو أصبحت الغرض
ومنها:
وغـرك مـن عـهـد ولادة سراب تراءى وبرق ومض
هي المايعز على قـابـض ويمنع زبدته من مـخـض
ومن كلام ابن زيدون فيها قصيدته المشهورة التي منها:
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحـنـا شوقا إليكم ولا جفت مآقينـا
تكادحين تناجيكم ضـمـائرنـا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
وأخبارها مع ابن زيدون كثيرة: وكان لها مداعبات مع الأدباء ومنهم الأصبحي المشهور فقالت تهجوه يوما:
يا أصبحي اهنـأفـكـم نـعـمة جاءتك من ذي العرش رب المنن
قد نلت بإست ابنك مـا لـم ينـل بفرج بوران أبوها الـحـسـن
وحكاية بوران مفصلة بترجمتها. ولولادة حكايات غير ما ذكر في جملة كتب متفرقة لم يمكن الحصول عليها لعزة وجودها وماتت لليلتين خلتا من صفر سنة ثمانين. وقيل: أربعة وثمانين وأربعمائة رحمها الله تعالى.
حرف اللام ألف
لانيلسون المغنية الأسوجية
هي من أشهر مغنيات الإفرنج ولدت هذه الفتاة من أبوين فقيرين من الفلاحين في أسوج ولكنها اشتهرت شهرة عظيمة فأحرزت قصب السبق والتقدم على أقرانها ونالت الحظوة عند الملوك والعظماء فلم يبق أحد من رؤساء الحكومات إلا أتحفها بوسام أو شيء من علامات الشرف بحيث لو أرادت أن تتزين بكل ما عندها من النياشين لما وسعها صدرها وتزوجت الكنت دي ميراندا وعند ذهابها أخيرا إلى بلادها أسوج ونوج مع المسيو سترا كوف احتفل مواطنوها باستقبالها احتفالا عظيما, وأطلق لها مائة مدفع ومدفع إحلالا لشأنها, ولما سافرت سنة 1870 م إلى أميركا بلغ مدخولها اليومي ثلاثين ألف فرنك جمعت في الشهور الستة الأول من إقامتها هناك ما ينيف عن ستة ملايين فرنك أو ثلثمائة ألف ليرة فليتأمل.
لادي رسل ابنة توماروتسلي وزير مالية إنكلترا
ولدت سنة 1636 م وتزوجت بأمير إرلندي اسمه اللورد فوغان سنة 1653 م, فتوفي عنها بعد أربع سنوات, ثم اقترن بها الشريف وليم رسل فأحبها وأحبيته حبا مفرطا, وكان رسل شهما مقداما نافذ الكلمة. فاستعان به بعض أهل الثورة الخارجين على الملك فمالأهم على قصدهم, ثم كشف الأمر فقبض عليه وألقي في السجن وهي تجهل السبب الذي سجن لأجله, ولما قيد إلى المحكمة وقفت بجانبه, وسمعت الحكم الذي صدر عليه بالموت, وعادت معه إلى السجن مظهرة الجلد الشديد لكي لا تكسر قلبه, وجعلت تشدد عزائمه وتذاكره في الوسائط التي يمكن استخدامها لتخفيف قصاصه ولتأجيله وكان يعلم أن السعي في ذلك يذهب سدى ولكنه تركها تسعى لأنه قال في نفسه لو تركتني إلى التقادير بدون أن تستعمل كل الوسائط الممكنة لنجاتي لما وجدت إلى الصبر عني سبيلا, فانتجعت كل روض وألقت دلوها في كل حوض, ولكنها عادت “بخفي حنين” لأنها لم تجد للقضاء مردا وجعلت تشدد عزائم زوجها وكان لسان حالها يقول:
جانب السلطان واحذر بطشه لا تعاند من إذا قال فعـل
ثم ودعته الوداع الأخير فودعها وهو يقول: إنني أودع الحياة طيب النفس قرير العين لأنني تركت أولادا لا يفقدون شيئا بفقدي وزوجة عفيفة فاضلة فيها الكفاية لأن تدبر أمورها وأمور أولادها على أتم المراد قد وعدتني أنها تقيني بنفسها من أجل أولادها, وهذا حسبي ولما قضى عليه أرسل الملك يخبرها أنه غير قاصد أن ينتفع بموت زوجها فيبقى لها لأولادها كل مقتنياته فرأت أن حبها لأولادها يدعو إلى شكره ولو مكرهة فأرسلت إليه كتابا تشكره به وكانت من فريدات عصرها في الكتابة والإنشاء.
ثم انتقلت بأولادها إلى الريف وأطلقت العنان للزفرات والعبرات التي كانت قد حجبتها مخافة شماتة الأعداء, وكتبت في ذلك الحين إلى أحد القسوس الفضلاء تقول له: أنت تعرفنا تماما فلا تلمني على الحزن ولو أفرط نعم أن كثيرات أصبن بما أصبت ولكن أين فقيدهن من فقيدي حتى يتجدد حزنهن كما يتجدد حزني, وكتبت بعد ذلك تقول: اللهم ارني مقاصد عنايتك فيما ابتليتني به لكي لا أسقط تحت قتل كأبتي إني أستحق هذا القصاص ولا أشكو منه ولكن قلبي جزين وقد عزت السلوى لأن رفيق الحياة وقسيم أفراحي وأحزاني ليس معي أواه أن نفسي تتوق إلى مسامرته ومساكنته ومواكلته, قد صارت الحياة علي حملا ثقيلا, ولكن لا بد من الصبر على مضض الأيام والترفع فوق أفراح الدهر وأحزانه.
ثم دالت تلك الدولة وصار الملك إلى الملك الذي كان زوجها من حزبه فغمر حماها وابنها بالأنعام تعويضا لهما عما فقداه بفقد زوجها ولكن ابنها لم يعش طويلا حتى يتمتع بهذا الإنعام لأن الجدري وافاه وهو في الثلاثين من عمره, وقصف غصن شبابه وعاشت بعد ذلك سنين كثيرة وماتت عن سبع وثمانين من العمر.
وقد اجتمع في هذه المرأة الفاضلة لطف النساء وصبرهن وفطنتهن وهمة الرجال وحكمتهم وإقدامهم, وعاشت وماتت طاهرة السيرة والسريرة. ولها رسائل كثيرة تحلها محلاً رفيعاً بين مشاهير الكتبة. انتهى.

ماذا تعرف عن الملك فاروق و مصر فى عهد الملك فاروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *